دلـدار بـدرخان
لقد تناولتُ في مقال سابق الموضوع الآتي “مالذي يريده إقليم كوردستان من كورد سوريا” ودارت الأفكار حول ماهية العلاقة التي تربط الكورد السوريين مع أشقائهم ، وكيف تحول البعض إلى متسولين يتسكعون على أبواب إقليم كوردستان، و أصبح البعض الآخر مجرد أداة يستعمله حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، بحيث أصبحت العلاقة الناظمة بيننا و بين الأطراف الأخرى أشبه بعلاقة التابع والمتبوع، والسيد والعبد، بل هو كذلك، و أكدت ضمن المقال على ضرورة فرز الأولويات والإهتمام بها، و من ثم التعامل بالضروريات كحالة ملحة، والإبتعاد عن الثانويات التي تبدد الطاقات والموارد و تهدرها .
إن مواضيع شائكة كهذه لطالما كانت موضع إرتياب و جدل قد حَذِر منها الكثيرون وأمتنعوا عن تناولها خلال السنوات المنصرمة بسبب حساسية الأمر، وخوفاً من وقوع إشكالات تفرز معها غضباً حزبياً عارماً و إمتعاض شريحة غير واعية تاهت في غياهب الأفكار الحزبية البائدة والمشوشة التي كانت ولا تزال إحدى الأسباب الجوهرية لمآلات القضية الكوردية في سوريا، ودخولها في بازارات وصفقات سياسية قابلة للبيع والشراء، ويبدو أنه مكتوب علي دائماً أن أكون أحد الأطراف الذين يثيرون على الدوام مواضيع حساسة وهامة كهذه، ربما يسميها البعض شجاعة وإقدام وإمتلاك روح المسؤولية مني، أو يسميها البعض الآخر فتنة و محاولة بائسة لإثارة الكراهية والتفرقة بين الأخوة خدمةً للأعداء، ولكن رغم كل ذلك لا بد أن تخرج القناعات والأفكار من أقفاصها ودرقتها حتى لو بقي المرء وحيداً يصارع الجميع في الميدان، كما حدث مع جاليلو الذي وقف وحيداً منبوذاً من محيطه متمسكاً برأيه المخالف لمعتقدات و نظريات الآخرين المغلوطة التي كانت تتصور يوماً أن الأرض هو مركز الكون .
إذاً كيف يجب أن يكون شكل العلاقة الناظمة بين كل من الكورد السوريين وأشقائهم في إقليم كوردستان أو في تركيا و إيران، ولماذا، وماهي الأسباب، وكيف ؟
هي أسئلة ملحة تتكرر في سرائر البعض على الدوام، و لا بد من أن نقف عليها، و نغدق فيها الأفكار والآراء ليس لشيئ وإنما لتوضيحها وتصويبها وفق أسس سليمة، كما يتعامل على أساسها الجميع معنا .
هل يمكن أن تكون علاقاتنا مع بقية الأجزاء كما نراه اليوم هي نابعة من فطنة وحكمة وتُعتبر علاقة صحيّة !!
وهل شكل هذه العلاقة التي في ظاهرها دعم الأخوة والحفاظ على المكتسبات الكوردستانية كما يروج لها البعض، لأنها ستعود بالمنفعة على الجميع ولو على حساب أولوياتنا و قضايانا الخاصة في هذه المرحلة المصيرية هي صحيحة و حكيمة، هل هذه العلاقة التي في باطنها وجوهرها إطار لا يفصح إلا عن علاقة (تابع ومتبوع، سيد و مرؤوس، سيد و عبد) هي علاقة سليمة وواقعية ؟
بالتأكيد ما يدور اليوم لا يفصح عن رزانة سياسية، وإنما يعكس حجم الخوار الفكري السياسي الذي يعانية شعبنا الكوردي وقياداته في سوريا، لأن السياسة في مضمونها الصحيح هو التعامل بأولويات المصالح ، وكون كوردستان مجزئة إلى أربعة أجزاء فلا بد من التعامل معها على أساس أمر واقع و ضاغط علينا، وبالتالي فإن أولويات المصالح تختلف من جزء لآخر، وهذا ما لم يفهمه الكثيرين.. والسؤال لماذا تختلف !!
لأن القضايا الكوردية يتم التعامل معها ضمن الإطار الوطني في كل جزء على حدى ، أي على إختلاف الأنظمة و الحكومات، وهذا ما يجب العمل به ، بل و يتم العمل به من قبل الأخوة في الأجزاء الأخرى بعكس الكورد السوريين التائهين الذين لم يصلوا بعد إلى هذا الوعي ، وللتأكيد على ذلك سآتي بمثال أو سؤال بسيط :
ما سبب العلاقات الجيدة بين إقليم كوردستان وتركيا ، والعلاقات السيئة بين الأحزاب الكوردية في تركيا مع حكومة أنقرة ؟ السبب هو حجم المصالح التي تضغط بهذا الإتجاه، فليس للإقليم منفذاً تجارياً إلا بإتجاه تركيا، هل هذا بمثابة خيانة من الإقليم للكورد في الجزء التركي بالتأكيد لا وقطعياً، لأنه مجبر على إقامة العلاقات مع محيطه ولا سيما مع تركيا بالذات كونه محاصر من كل الجهات، إذاً مصالح إقليم كوردستان تقتضي إقامة علاقات جيدة مع تركيا بعكس حزب العمال الكوردستاني الذي يحارب الحكومة التركية منذ أربعين سنة ، حتى لو كان تلك المصالح على حساب قضايا الكورد في الجزء التركي،
إذاً هنا لدينا طرفان كورديان أحدهما في حالة عِداء مع الدولة التركية، والآخر في علاقات جيدة مع تلك الدولة ، وكذلك الأمر نجد حزب العمال الكوردستاني وذراعها السياسي في تركيا لديها علاقات جيدة مع النظام السوري والإيراني لأن مصالحها تقتضي ذلك حتى لو كان هذا الأمر على حساب مصالح كورد سوريا .
وتأكيداً على ما جاء، فإن الكثيرين من أهالي منطقة عفرين ومنذ اكثر من سنتين يطلقون العنان والصيحات مستنجدين بإقليم كوردستان من أجل تخليصهم من الإجرام والإنتهاكات التي يتعرضون إليها، إلا أن صيحاتهم لا تعطي مفعولها ولا تجد آذان صاغية، هل هذا يعني أن الإقليم لا يهتم بأمرهم أو لا يريدون الخير لأهل عفرين، بالتأكيد لا، و أنا متأكد أن موضوع عفرين يدمي قلوب قياداتهم، ولكنهم مقيّدون لأن مصالحهم تقتضي أن لا يتدخلو ولو قيد أنملة في مصير عفرين، و أي تحرك منهم ستضر بمصالحهم.
إذاً من هنا يتبين للجميع أن أولويات المصالح هي التي تحكم وتحدد العلاقات بين الكورد والحكومات ، فقد يرى الإقليم وحزب العمال الكوردستاني مصالحهم مع الحكومة التركية والسورية بعكس ما يراه كورد سوريا ، والعكس صحيح .
من هنا علينا ككورد سوريين أن ندرك الأمر ونتعامل على مبدأ إستقلالية القرار السياسي و فرز الأولويات والتعامل بالضروريات بعيداً عن سياسات ومصالح الاحزاب في الأجزاء الأخرى ، و يجب أن تكون علاقاتنا مع إخوتنا في الأجزاء الأخرى هي علاقة الأخوة و الإحترام و المصالح المتبادلة ، وليس علاقة تابع ومتبوع ، وسيد و عبد ، اي علينا تنظيم تلك العلاقة بشكلها الصحيح ، فهم أحرار في إقامة علاقاتهم مع الحكومات ، كما أننا أحرار في تحديد شكل مصالحنا ، لذلك علينا تحديد أولوياتنا والتعامل مع الضروريات ، والأولوية الملحة الآن هي قضيتنا في سوريا إلى أين تتجه ، والضروريات هي التعامل مع ملف عفرين التي تعاني الويلات في هذه الأوقات ، وليس نقل وتحليل أخبار العراق و شكل تعاملها مع الإقليم أو اخبار كركوك وسنجار وسليمانية وتسليم فرد من البيشمركة إلى إيران ، فإقليم كوردستان لديها حكومة وإعلاميين وسياسيين ونخب قادرة على التخطيط وفعل كل شيئ ، وأنتم إهتموا بشؤونكم و أولوياتكم فقط .