نظام مير محمدي*
قبل أسبوعين، اعترف المعمّم روحاني بوقاحته المعهودة بأنّ شخصاً مصاباً بفیروس كورونا قد دخل أحد السجون ونقل العدوی إلی 100 سجین من أصل 120 بوقت وجیز.
يشير اعتراف روحاني المحتال بالوضع الکارثي في أحد السجون، إلی جزء صغیر ظاهر من الجبل الجليدي الضخم لکارثة کورونا وما یحصل من مأساة في السجون الإیرانیة وبتبعها جميع أنحاء البلاد، والتي لطالما سعی روحاني إلی تغطیتها والتستّر علیها بالأكاذيب والخداع.
من وجهة نظر قانونية، فإنّ جميع الشخصيات الحكومية في إیران، بما في ذلك خامنئي وروحاني ووزير الصحة ورئيس المرکز الوطني لمكافحة كورونا وشخصيات أخرى ذات صلة، قد ارتكبوا جرائم بسبب کذبهم وتستّرهم المتعمّد علی انتشار فیروس كورونا في إيران.
في بداية تفشّي كورونا، صرّح خامنئي بوقاحة منقطعة النظیر أنّ هذا الوباء مسألة مؤقتة ولا ينبغي تضخیمها. بینما أرسل المعمّم روحاني الناس إلی العمل وهم بحاجة إلیه للحصول علی لقمة عیش، وبهذا زجّ حشود الشعب في حقل ألغام کورونا وساهم بشکل فعّال في زیادة أعداد الوفیات والمصابین بالفیروس.
في ظلّ هذه الظروف، تفشى فیروس کورونا الفتاك إلی جمیع سجون البلاد وأخذ ینتشر فیها بسرعة فائقة. في حین أنّ السجناء محرمون من الحدّ الأدنى للمرافق الصحية والعلاجیة، وغير قادرین على مكافحة هذا الفيروس القاتل.
ومن الطبیعي في ظلّ هذه الأوضاع المأساویة داخل السجون، أن یخیّم الخوف من الموت علی قلوب السجناء المفتقرین إلی أبسط مستلزمات مواجهة الفیروس، لذلك کان عليهم الاختيار بين الموت بكورونا داخل السجن أو الموت برصاص السجّانین وعناصر الأمن وهم یفرّون من السجون.
وهكذا اضطرّ السجناء إلی المخاطرة بأرواحهم باختیارهم الخیار الثاني، ولجأوا إلی محاولة الفرار من السجن باعتبارها “الملاذ الأخیر”.
لذلك يطرح السؤال التالي نفسه: لماذا یحق للسجين التمرّد والهروب من السجن؟
تنصّ مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الإجابة:
«من الضروري أن تحمي سيادة القانون حقوق الإنسان حتى لا يضطرّ البشر إلى التمرّد ضد الظلم كملاذ أخير».
وتنصّ المادة 5 من الإعلان نفسه على أنه: «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للعقوبة أو المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة».
ولكن في نظام ولاية الفقيه الهمجي والقمعي الحاکم في إيران، لا مجال للحديث عن حقوق الإنسان والقانون والعدالة، خاصة وإن کان الأمر یتعلّق بالسجناء.
ما يمنع الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان الدولَ من القيام به، یقوم به نظام ولاية الفقيه الإجرامي علی أکمل وجه. حیث إنّ العقوبات القاسیة الهمجیة مثل الرجم والجلد، وجزّ الرؤوس، وقطع الأرجل والأیدي، وسمل العينين، والحرمان من الحدّ الأدنى للحقوق المشروعة کالرعاية الصحية والحصول علی إجازة وحریة الاتصال والزیارة وما إلى ذلك، تعتبر من أبسط العقوبات في القانون الجنائي لنظام الملالي.
وبالتالي يضطرّ السجناء إلى التمرّد والفرار بسبب افتقار السجون المروّعة لنظام ولاية فقيه إلی أبسط الضروریات.
وقد شهد کل من سجن میناب وأرومیة، احتجاجات للسجناء بتاریخ 10 و11 مايو 2020. فقد احتجّ السجناء في ثلاثة من عنابر سجن أورمية على اکتظاظ السجن بالسجناء، وأضرموا النار في جميع البطانيات والستائر والسجاد والأثاث داخل العنابر. تجدر الإشارة إلی أنّ 150 سجینا یتمّ احتجازهم في أحد عنابر هذا السجن یُسمی “أمن” في حین أنه لا يتّسع إلا لـ 50 سجیناً فقط.
في هذا الصدد، قال المتحدث باسم مجاهدي خلق عن عصیان السجناء في سجن أرومیة: «تحية لسجناء أرومية وبورکت سواعدهم. یحقّ للسجناء الحصول علی الرعایة الصحیة والعلاج والحصانة ضد فیروس کورونا. هذا الحق يجب أن يُنتزع من حلقوم الملالي وقضاء الجلادين».
العصیان في سجني أرومیة ومیناب وحالات مماثلة أخری في کل من سجن تبريز، الأهواز، خرم آباد، أليکودرز، همدان، سنندج، مهاباد، سقز، عادل آباد في شيراز إلخ، یشير إلی نفاد قدرة تحمّل السجناء للضغوط بالکامل، وعدم فاعلیة قمع السجناء وإعدامهم. بل علی العکس من ذلك انتزعت هذه الممارسات الهمجیة الخوف من الموت من قلوب السجناء.
تتماشى سیاسة ممارسة الحدّ الأقصی من الضغوط علی السجناء وعدم الاهتمام بحالتهم الصحية، مع السياسة العامة للنظام في جميع أنحاء إيران علی صعید فیروس كورونا. لأنّ قادة نظام ولایة الفقیه الكهنوتي لا یکترثون لشيء سوی الحفاظ على النظام بأي ثمن وإن کان الثمن هو التضحیة بأرواح آلاف الناس کما یحصل الآن في إیران. بالمعنى الدقيق للكلمة، انتهج نظام الملالي سياسة دفن السجناء وهم أحياء.
من منظور سياسي واجتماعي، لیس السجن ولا السجین ظاهرة منفصلة عن المجتمع ككل. وعلیه فإنّ التمرّد في السجون ما هو إلا انعكاسا للوضع المتأزّم في المجتمع ككل. في الواقع يرسل السجناء بعصیانهم وفرارهم من السجن رسالة إلى المجتمع مفادها أنه بين خیار الموت في السجن أو خیار التمرّد والهروب من أجل الحرية حتى وإن خُتم بالاعتقال المجدّد أو الموت، يجب اختيار الخيار الثاني.
في بيانه الصادر بتاریخ 12 أبريل 2020، كشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عن تعليمات سرية لمرکز القيادة والسیطرة لقوی الأمن الداخلي التابعة للولي الفقیه إلی عموم مراكز الشرطة والمخافر لقمع أي احتجاجات وأعمال شغب في سجون البلاد. بناء علیه استنفرت کافة الجهات المعنیة منذ تاریخ 4 أبریل 2020 لقمع السجناء.
هذه الوثيقة السریة هي دليل ساطع على ارتکاب نظام الملالي جرائم إنسانیة ضد السجناء، فضلاً عن أنها تعري خوف النظام الشديد من عصیان السجناء.
وقد أکّد قائد المقاومة الإيرانية، مسعود رجوي، على ضرورة الإفراج عن السجناء قائلا: «الحق لا یُمنح بل یُنتزع، يجب الانتفاضة والعصیان وانتزاعه من حلقوم الملالي المعادین للإنسانیة».
كما نوّهت السيدة مريم رجوي في رسالتها بتاريخ 4 مايو 2020، إلی تفشّي فیروس کورونا في جناح النساء داخل سجن سبيدار في الأهواز حیث أصیبت العشرات من السجينات بالفیروس ولكنهن محرومات من الحصول علی المستلزمات الطبیة والرعایة الصحیة، ولم تخضع الكثير منهن للحجر الصحي».
وأدانت السيدة رجوي بشدة هذه المعاملة اللاإنسانية للسجينات، ودعت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، السیدة ميشيل باتشيليت، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ أرواح السجينات من قبضة قضاء الملالي.
* الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني