الثورة السورية .. عود على بدء

علي شمدين

لقد دخلت الثورة السورية في (15/3/2015)
عامها الخامس، بينما النظام السوري مازال يزداد غطرسة وغروراً، والمعارضة السورية
تزداد تشتتاً وضعفاً، في وقت ظل المجتمع الدولي مستمراً في صمته إزاء هذه الكارثة
الإنسانية الجارية في سوريا على يد النظام وأدواته من المنظمات الإرهابية التي
صنعها بنفسه، لابل انجر المجتمع الدولي وراء أجنداته إلى مصيدة الحرب ضد الإرهاب
التي نصبها له النظام السوري وحلفائه.. 
لقد كان الوصول إلى هذا الطريق المسدود متوقعاً، خاصة بعد أن نجح النظام في دفع
المعارضة إلى الخيار العسكري والتسليح، ونجاحه في التسلل إلى صفوفها وتشتيتتها من
الداخل، حتى بات الحل العسكري مستحيلاً، ولم يبق أمام هذا الوضع من طريق سوى الحل
السلمي عبر طاولة المفاوضات، أو من خلال تدخل خارجي يفرض حماية دولية تساهم في
ايقاف هذه الحرب المدمرة للبلاد، وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة، وإجراء انتخابات
نزيهة تفضي إلى إقامة نظام ديمقراطي تعددي برلماني..
وفي هذا الاتجاه كان
الأستاذ عبد الحميد درويش (سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)،
سباقاً في تقديم هذه الرؤية، ولكن مع الأسف لم تلق آذاناً صاغية من أصحاب العلاقة،
فقد بادر بتاريخ (22/11/2010) إلى توجيه رسالة مفتوحة للرئيس السوري بشار الأسد
وذلك قبل بدء ثورات الربيع العربي بأسابيع (حيث اندلعت الثورة التونسية مع بدء
الاحتجاجات فيها بتاريخ 18/12/ 2010)، تضمنت الرسالة عرضاً صريحاً للأزمة في البلاد
محذراً من انفجارها إن لم يتم الاسراع في معالجتها، ومن ثم وعلى إثر اندلاع شرارة
الثورة السورية في درعا، التقى الأستاذ حميد درويش برفقة الرفيق أحمد سليمان (عضو
المكتب السياسي للحزب)، مع محمد سعيد بخيتان (الأمين القطري المساعد لحزب البعث)،
ليوجه من خلاله رسالة شفوية إلى رئيس الجمهورية، مفادها أن الثورة مازالت في
بداياتها، ومن الممكن التعامل الإيجابي معها من خلال الدعوة العاجلة إلى عقد مؤتمر
وطني شامل يضم ممثلي كافة الفئات والشرائح والاتجاهات السياسية والاجتماعية
والثقافية، يشرف عليه بنفسه، للوصول معاً إلى حل وطني يرضي الجميع، وإلاّ فإن
الأوضاع ستتعقد بسرعة وستتعمق الأزمة وستصبح الساحة مفتوحة أمام التدخلات الخارجية
المختلفة..
وبعد أن تعقدت الأوضاع أكثر، نبه من جديد إلى هذه الكارثة وضروة
البحث عن حل عاجل لها، حيث قال درويش في لقاء له بتاريخ (21/5/2013)، مع جريدة
(المصري اليوم): (طريقة واحدة يمكن أن تنقذ سوريا، وهى اتخاذ قرار من مجلس الأمن،
وإرسال قوة حفظ سلام تشرف على الأوضاع فى سوريا، لكن للأسف لم يلق رأيي آذاناً
صاغية، لسبب بسيط واحد، فى تقديرى طبعاً، هو أن الأمريكان والغرب يريدون أن تصبح
سوريا جثة هامدة على الأرض وبعدها يتدخلون.. ولذلك أنا فى رأيي الموقف فى سوريا حرج
للغاية، والحسم العسكرى ليس الحل الصحيح، وإنما الحل السياسي..)، وفي رده على سؤال
الجريدة حول الأسباب التي ساعدت على أن تأخذ الثورة السورية هذا المنحى، يقول عبد
الحميد درويش: (بتقديري هناك عدة أمور ساعدت في ذلك، أولها حمل السلاح، الذى أرى أن
الأجهزة الأمنية، هي التي دفعت الناس إلى أن يحملوا السلاح، عندما تبنت الحل المسلح
لحل الأزمة، ومواجهة الثورة، وهى صنعت ذلك لكى يكون لها ذريعة وحجة قوية لتستغل
الأمور لصالحها، وثانيها تشتت المعارضة فنحن حتى الآن غير موحدين، وثالثها أننا حتى
الآن نرفض الجلوس معاً، وأنا برأيي أن رفع شعار عدم الحوار مع السلطة كان أحد
الأسباب، التي زادت من قوة السلطة..).
وخلال ترأسه للوفد الكردي المشارك ضمن وفد
المعارضة السورية في مؤتمر جنيف2، الذي انعقد بتاريخ (22/1/2014)، دعا عبد الحميد
درويش ممثلي المعارضة والنظام معاً الكف عن كيل الشتائم بحق بعضهما، والبحث الجدي
عن حل سلمي لهذه الحرب الذي لايدفع ضريبتها إلاّ الشعب السوري من قتل وتدمير وتشرد،
مؤكداً بأن هناك بين الطرفين من لايريد لهذه الحرب ان تقف، فهناك تجار الحرب بين
صفوف المعارضة وكذلك هناك أمراء حرب في صفوف النظام ليس من مصلحتهم الوصول إلى حل
سلمي يضع نهاية عاجلة لهذه الحرب التي حولت سوريا إلى دمار وخراب.
واليوم وبعد
أن صار تنظيم داعش الارهابي على الأبواب، وانشغال المجتمع الدولي بتعزيز تحالفه في
مواجهته، تاركاً اسقاط النظام في دمشق خارج أولوياته واجنداته، وبالتالي استمرار
النظام في خياره العسكري والأمني، أمام هذه المسؤولية التاريخية تظل القوى الوطنية
مدعوة إلى الاسراع في البحث عن مخرج سلمي للخروج من هذه المحرقة التي تم دفع االشعب
السوري إليها بمختلف مكوناته من كرد وعرب وسريان وغيرهم، ولا مفر من العودة إلى
نقطة البدء، والعودة إلى جادة الحل السلمي وفقاً لاتفاقية جنيف1، وإلاّ فان البلاد
التي تحولت إلى جثة هامدة كما توقعه الاستاذ حميد درويش، سوف تنهشها المنظمات
الارهابية المتطرفة التي تحيق بها اليوم من كل حدب وصوب.  
20/4/2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…