كُردستانيات 5- وللكُردي في مجازر الأرمن نصيب

 ابراهيم محمود


” إلى الصديق الأرمني أنطوان أبرط في
مغترَبه السويدي: كل لحظة وأنتم أقل ألماً أرمنياً ” 

يمكن لنا، ككُرد، أن
نقدّم مئات الحجج والقرائن، تأكيداً على أن ليس من يد لنا في مجازر الأرمن، أو
سواهم من الأخوة الآشوريين والسريان، حيث لم نكن ممثّلين في دولة أو سلطة تعنينا
مباشرة، وأن نتحدث وبتباه ٍ عن كرديتنا قومياً ووطنياً وشعبياً، وكأننا معرَّف بنا
في كيان سياسي، وأن وعينا القومي يتقدم على ما عداه.. يا للتناقض، يا للتهرب من
الحقيقة !
نعم، ما كان، ولا يكون جائزاً مساءلة الكردي عن دوره فيما تقدَّم، من
زاوية اعتباره صاحب سلطة تعرّف به مباشرة، سوى أن نظرة أخرى بعيداً عن ”
نظارة التاريخ السوداء “، تضعنا ككرد في مواجهة ما يؤلِم، إنما
لنكون في التاريخ بالمقابل.
في العهدة العثمانية، قبل كل شيء، كان الانتماء الديني: الإسلامي يشكّل القاعدة لا
الاستثناء، بالنسبة للكرد، لعلَّهم استشعروا حضوراً لهم أكثر من خلاله، إنما ما لا
يجب أن يفوَّت ويُنسى هو أن الإصرار على وجود هذه العلامة الفارقة هو مدى التفاعل
بين الديني والزعاماتي، الوجاهاتي، المشيخي، الباشوي، الآغوي، البكَوي..الخ، وذلك
هو المدخل الحصيف لرؤية التلاقح بين الاثنين، إلى درجة أنه يمكن إماطة اللثام عن
السبب الأعمق وراء فشل الانتفاضات وكذلك الثورات وحركات التمرد والاحتجاج، وكذلك
الصراعات الكردية تاريخياً، من خلال هذا ” الزواج السرّي “، وهو
ليس سرّاً لمن يتتبع الشراكة السلطوية الخاصة بينهما.
بغضّ النظر عن الظروف التي
تحاط بمجازر الأرمن والآشوريين والسريان، ومعهم، لم يكن الكرد بـ ” محرومين ” من
هذه الفظائع وسفك دمائهم حتى اللحظة، وهي ظروف لا تتنحى جانباً، فإن الكرد” الأكراد
” وكونهم تلمسوا في الدين ما أمكنهم من البقاء، ما كان التركي وكذلك العربي
والفارسي يستشعرونه في الدين دعامة لحضورهم قومياً، وهنا الخلاف الشديد، حيث غلَب
الانتماء الديني لدى الكردي الانتماء ذا النسَب القومي، بصورة ما أو بأخرى، وأن
نسبة منهم لبّوا نداء ” السلطان ” المقدس، وهو يضخّم مخاطر الأرمن والآشوريين،
باعتبارهم حلفاء الكفار من الغرب، ولكلمة الكافر في مرجعها العثماني والتركي حتى
الآن ” Gawir”، الوقع الأشد من ” الكافر ” بالذات نظراً للمدلول التاريخي، ولأن
الذين كانوا يتحركون في أهبَة عشائرية أو قبائلية تثلِج صدر السلطان ونظيره، وهذا
لم يكن ينسى أن الأرمن هم أرمن، ولو أنهم كانوا على علاقة بقوى أجنبية، وأن
الآشوريين والسريان هم كذلك، مثلما أن السلطان العثماني لم يكن أنه عثماني قبل أن
يكون مسلماً، وأنه صار تركياً، وهو تركي حتى وهو يعظّم العثمانية فيه كتاريخ ”
لنتذكر فورة العثمانية الجديدة، وما يُعَد لها وفي سبيلها، كما لو أن التركية كانت
استراحة زمنية لافتة للعودة إلى واجهة القوة التاريخية مجدداً ! “، وليكون الكردي
مسلماً قبل أن يكون كردياً ومن ثم مسلماً ” حتى الآن ثمة نسبة ملحوظة تعرّف بنفسها
إسلامياً، قبل النسب الاثني أو القومي، وتتعاطف مع داعش وغير داعش، جرّاء الحمِية
الدينية المنشّطة في الذاكرة الجمعية ! ” .
إن التفكير في مجازر الأرمن، وها نحن
على عتبة القرن الثاني في مناسبة تذكرها” وهل يجوز نسيانها ليتم تذكرها في السنة
الواحدة مرة واحدة، كما هي مآسينا الكردية ؟ “، هذا التفكير يجب أن ينصب على ما هو
تاريخي، على أن الآخر ليس مفارقاً لنا، أن الاعتراف ولو بنسبة واحد من الألف من
المسئولية التاريخية من المشاركة، يعني رؤية ما كان يجري وما يمكن أن يكون لاحقاً.
نعم، كان هناك كرد وبإصرار وتعمد، تلمَّسوا في النيل من الأرمن وملاحقتهم، وفن
إيذائهم ” طالما أن المزيدة من الإيذاء من جهة هذا النسبة الكردية، يعني كسب المزيد
من الثواب والمكافأة دنيا وآخرة “، وأن الكردي، مهما التبست عليه مشاهد التاريخ
أولى بالحديث عما لحق ليس بالأخوة الأرمن وغيرهم ممن عنّفوا بأكثر من معنى على أيدي
السلطات العثمانية فالتركية وغيرها، حتى منهم أنفسهم، إذا أردنا أن نصادق على مدى
استمرار الكرد في مجابهة أعدائهم والتشديد على وحدتهم، والمطالبة بوطن يعنيهم، إذ
على مقياس عظمة المطلب، يكون الوعي ومن ثم تبيُّن المسئولية والاعتراف بالآخر. إن
الخوف من اعتراف ما، بأن ذلك قد يشكّل إدانة ضد الكرد، وتشويه صورتهم، ومن ثم
المطالبة بالدَّين، أكثر فظاعة من الاعتراف نفسه. من حيث المبدأ، لا أمّة، أو جماعة
تستطيع إشهار براءتها من جريمة معينة أو أكثر مرتكبة بصورة ما في حق الآخر، لا
دولة، مهما كان نوعها، أو حجمها، تستطيع التمايز في هذا الجانب.
اعتراف الكرد
بأن لهم نصيباً في إراقة دماء الأرمن وغير الأرمن، لا يعني تجريمهم بالمطلق، إنما
هو النظر في تاريخهم بشجاعة أكثر، وربما قضاء ” محكومية تاريخية، أخلاقية، رمزية “،
والاتعاظ، ثم التأهيل  لمعايشة كردية أخرى.
حتى اللحظة هذه، ليس في وسع نسبة
كبيرة من الكرد، وكما يجري الآن وباضطراد، ادعاء التحرر من سلطوية الديني، والتقدم
بشخصية الكردي القومية، رغم أن أعداءهم يستهدفونهم قومياً، وما تنازعاتهم أو
تخاصماتهم الفئوية والتحزبية، إلا لأنهم ينظرون إلى أنفسهم ذوي أسلاف عشائريين أو
متمذهبين، أكثر من تنسيب آخر، وبالتالي، فإن اعترافاً كردياً نسبياً، وليس بالمطلق
مجدداً، بمسئولية إراقة الدم الأرمني وخلافه، هو الخطوة الأولى لرؤية صورته في
مرآته القومية.
إن ألم الآخر اثني، شخصي، عياني، تاريخي، أرشيفي .
على
الكردي، إن أراد تاريخاً مفتوح الباب على مصراعيه، أن يعيش ألم الآخر، لأن ألمه
بدوره في المقياس ذاته !

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…