الترجمة المحرّفة لكلام السيد أوجلان

ابراهيم محمود
قبل ثلاثة عقود من الزمن أعلن السيد
أوجلان أنه سيعيد كُرده الذين نزحوا من ” الشمال: التركي ” إلى ” الجنوب : السوري
“، إلى عين المكان الذي خرجوا منه ؟ ” وكأن نزوحهم كان طوعياً، أو إلى أرض أخرى
ليست أرضهم !”، وقد صدق وعده، لأن الذين يتحدثون باسمه في ” الجنوب: روجآفا اليوم
“، نفَّذوا وينفذون كلامه بالحرف، سوى أن حماسهم العقائدي الفارط دفع بكردهم هؤلاء
لأن يتجاوزوا المكان الموعود إلى أوربا وغيرها: إلى شمال آخر، كما هو المتعارَف
عليه بالهجْرة ذات الاتجاه الواحد من الجنوب إلى الشمال .
قبل ثلاثة عقود من الزمن أو ما يعادل هذا الحساب الزمني وربما أكثر، كان الحديث عن كردستان الكبرى، وها نحن الكرد نجد انزياحاً عن الاسم حتى على مستوى كردستان الصغرى من حيث الاسم، كما هو مسرح الأحداث شمالاً وجنوباً.
قبل ثلاثة عقود من الزمن
وأكثر، كان الحديث يشدّد على البعد الطبقي للحزب” حزب العمال الكردستاني “، وهي
صيغة مشتقة حرفياً من ” حزب العمال التركي ” اليساري التوجه ذات يوم، وها نحن نجد
راهناً مدى التحام العمال الترك بشعبهم وانفتاحهم على ” تركيتهم،”، بينما ظل ” حزب
العمال الكردستاني ” دون كردستانه، دون عمل، فالذين أمكنهم العمل انخرطوا أو
أجبِروا على الانخراط في ” حزب الجيش الكردي تجاوزاً “، محكوماً بأوامر وتعليمات
تبدّد فيه كرديته، فلا عمال إلا كحبات المسبحة المتناثرة، ولا فلاحين إلا وهم يبكون
بوار أرضهم قسراً.
قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن تدفقت أفواج من ” أخوتنا
الكرد ” من ” سرختي ” إلى ” بنختي ” واحتضنَّاهم وواسيناهم واهتممنا بهم، أكثر من
إكرام الضيف، أكثر من إغاثة الملهوف في الجوار، ليكونوا في أكثر من موقع ” مهاجرينا
” لنصبح في أكثر من موقع ” أنصاراً ” لهم، وللأسف الشديد، فإن ما فعله مهاجرونا بنا
ويفعلونه حتى الآن أكثر مما فعله ” المهاجرون ” أولئك بـ” الأنصار ” أولاء “، حيث
يحددون فينا نسبة الكردية أو غيابها، لنخسر أكثر من الحرث والنسل نفسهما، وكأن
الكردية باروكة مركَّبة من قبلهم، ولعلها هكذا من خلال أسلوب التعامل مع الكردية
والرأس الذي ينبغي أن ” يناسب ” باروكتهم الفريدة من نوعها .
قبل ثلاثة عقود من
الزمن ، كان التدريب ” الكردي ” في البقاع اللبناني، والسيد أوجلان على مرمى من ”
الباب العالي ” للنظام في سوريا، في عاصمة العروبة دمشق، وهو محتفى به  لبعض الوقت
لا حباً فيه إنما كراهية موثَّقة في ” شعبه “، وعند انتهاء المهلة المحددة يُسلَّم
من قبل النظام لأنظمة أرادت به سوءاً وبشعبه، ولما تزل، وكان فرداً، وزلزل ” الرفاق
” جهات أرضهم معادين النظام، وها هم أنفسهم يعيدون التجربة ذاتها وبنوع من الوحام
الصوفي، كما لو أن الذي كان وقيل لم يكن حقيقة، ليبقوا تحت مظلة القائد إلى إشعار
آخر، ليسلموا هم أنفسهم شعباً بكامله لأكثر من مصير مجهول في ضوء أحدث المستجدات،
والكردية ممثَّلة فيها.
قبل ثلاثة عقود من الزمن، كان لـ”روجآفا ” نكهة القهوة
السياسية الكردية رغم مرارتها، حيث الاحتضان الروحي للمكان رغم المحن القاسية، كما
شهدت الأحداث آنذاك، والذين تلقنوا ما هو عقائدي بزوا قائدهم في تحويل عسل المكان
إلى مرارة العلقم، وربما لأن ” عشب حوشنا مرٌّ فلعلة فينا كما يظهر ” ، لتكون
الكردية الفعلية ” أفيون” الكردي المطارَد من قبل أخيه الكردي الموتور الذاكرة
.
قبل ثلاثة عقود من الزمن، كان الحنين الأسطوري لـ” الجنوب ” إلى ” الشمال ”
وبالعكس، كما هو الترانزيت الروحي الحميمي، وها نحن الآن كردياً، نشهد كيف يسعى
المتحدثون بلغة ” الشمال ” ما ينسف ” الجنوب ” وقد نسفوا ” شمالهم “، ليبزوا الرمز
العقائدي، تحت سقف ” ديمقراطية الشعوب ” والشعب الاستثناء خارجاً هو الكردي واقعاً
.
قبل ثلاثة عقود من الزمن تقريباً، كان التبشير بولادة الأب الاستثنائي للكرد،
وتكاثر أبناؤه، ليجد الأب نفسه وهو دون أي ابن  أو ولد، محكوماً بسجن إيمرالي منذ
حين من الزمن، وليندفع أبناؤه ومن داخل عباءة ” الأب المقدس ” آباء مقدسين، ليلتبس
الأب على الابن والابن على الأب، وهم لا يدخرون جهداً في التفريق بين الأب وابنه
عملياً باسم الدفاع عن أرض الآباء والأجداد، ليكون لهم كلام بمعناه الواضح أكثر من
المتضمَّن في كلام السيد أوجلان، وهو ألا يبقى أب كردي قادراً على الإنجاب، ألا
يبقى ابن كردي قادراً على التحول إلى أب، لأن الجاري هو ألا يبقى أثر للكردية في ”
روجآفا ” وأبعد، كما هو المتحوَّل من الأحداث، ولا أدري أين تنتهي ” أو ستنتهي ”
حدود تحريف كلام السيد أوجلان عند أبناء يضيقون الخناق على كرديتهم
باضطراد…
دهوك- في 29 كانون الأول 2015 .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…