مشاهدات ( مجزرة عامودا ) 3 / 3

مظلوم قرنو

 
بينما كنت قد وصلت للتو
إلى الحي الذي أقطن فيه ،  لأنني كنت مع المتظاهرين عندما اطلقوا علينا بعد أن
أسعفت شخصاً وقع بالقرب مني ، وكنت في مشفى داري القريب من مكان الحادث ، وكان معظم
أهالي عامودا كانوا مجتمعين امام باب المشفى لكثرة الجرحى ، ولم أشاهد شقيقي برزاني
هناك ، وبحثت عنه لأصحبه إلى البيت ، ولم يخطر لي على بال ، أنه من الممكن أن يكون
برزاني في مشفى بهزاد . وعندما رجعت إلى الحي ، رأيت الناس مجتمعين ، وبعدها بدقائق
سمعنا صوت ثلاث طلقات ، وبعدها بدقائق ايضا ، سمعت صوت أحدهم وهو يركض باتجاهنا 
مسرعاً ، ويصرخ : قتلوا برزاني  قتلوا برزاني ..  فركض المجتمعون باتجاهه ، وسأله
أحدهم : من هو برزاني ؟. برزاني ابن من ؟. ، لأن في كل بيت في عائلتنا يوجد اسم
برزاني . فعرفت بأنه اخي برزاني الشجاع . 
فركضت مسرعاً باتجاه السوق ، لكن  شخصاً قابلته على الطريق أخبرني بأن برزاني بخير
، وهو في مشفى بهزاد ، فذهبت باتجاه المشفى ، فوجئت بوصول والدتي وإخوتي قبلي ، كان
جميعهم حفاة ، و حتى هم أنفسهم لم يدركوا كيف وصلوا إلى هناك ، بعد سماعهم نبأ
استشهاد برزاني ، وهناك طلب منّا الأطباء ، بضرورة نقله إلى مشافي تركيا ، فرافقناه
أنا وأخي ياسر وشخصين آخرين من المهربين الذين ساعدونا في نقله الى تركيا
.
وعندما بلغنا الحدود التركية ، ذهب أحد المهربين وتحدث مع الجنود الأتراك
باللغة التركية ،  وأخبرهم باننا نحمل جريحاً ، وهو بحاجة للعلاج ، وأخبرهم أيضاً
عن منع مليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي من اسعافه الى قامشلو ، بعدما ارتكبوا مجزرة
بحق اهالي عامودا ، والجنود الأتراك أيضا كانوا قد سمعوا اصوات اطلاق النار من
عامودا ، وعندما أخبرهم القصة ، طلب الجنود إمهالهم بعض الوقت كي يتصلوا مع الضابط
المسؤول . 
  أنا وشقيقي ياسر ، كنا نعانق شقينا برزاني الذي كان يحتضر ، وكنّا
نبكي وننادي بصوت مرتفع : ساعدونا إنه يموت ، ولكننا لم نكن نلق جوابا لاستغاثتنا .
وبعد مضي نصف ساعة أدخلونا إلى الطرف الثاني من الحدود ، واصطحبونا إلى مخفر جدودي
، وبقينا هناك أكثر من ساعة ، ولم تصل سيارة الإسعاف ، وعندما ذهبت الى غرفة الضابط
، وطلبت منه الاستفسار عن سيارة  الاسعاف ، وكنت أصرخ وأبكي ، عندها نهض الضابط
واعتدى عليّ بالضرب ، وكان يصرخ متحدثاً بالتركية ، ولكنني لم أكن أفهمه . فتدخل
بعض الجنود الكورد بترجمة ما يقوله الضابط ، وكانت الترجمة تقول : أنه ينبغي علي أن
أسكت وأنتظر حتى تأتي سيارة الإسعاف . فذهبت وجلست بالقرب من شقيقي ، وأدركت بأن
برزاني قد فارق الحياة ، بسبب كثرة النزف من رأسه. وأخيراً  وصلت سيارة الإسعاف ،
وأخبرنا الطاقم الطبي بأنه قد فارق الحياة منذ نصف ساعة ، فطلبنا منهم ان نعود
أدراجنا إلى عامودا ، لنقوم بإجراءات الدفن ، ولكنهم رفضوا ، وقالوا لنا ينبغي ان
تذهب جثة الى المشفى ، لاستكمال الإجراءات القانونية . وبعدئذٍ سنسمح لكم بالرجوع . 
وفي يوم التالي ، وبعد الانتهاء من الاجراءات ، اتصلنا مع الأهل في عامودا ،
لإجراء الترتيبات اللازمة للجنازة ، وكان ردهم بأننا لا نستطيع الدخول إلى عامودا ،
وذلك بسبب الحصار المفروض عليها من قبل ميليشيات ب ي د ، وقد تم اعتقال جميع نشطاء
البلدة تقريباً ،  ولا زالت المداهمات مستمرة ، وبيتنا محاصر بالسيارات المسلحة
برشاشات الدوشكا ، والقنّاصون يتمترسون  فوق أسطح الجيران ، ولا أحد يستطيع أن يخرج
او يفتح باب بيته ، وحتى الشهداء الذين استشهدوا البارحة لم يسمح ب ي د بدفنهم حتى
هذه اللحظة ، وطلبوا من ذويهم أن يتم الدفن سراً ، والبلدة مقطعة الأوصال بسبب كثرة
الحواجز ، بدءاً من مداخل عامودا ومخارجها ، مروراً بأحيائها وحاراتها ، وقد تعرضّ
علي رنده وجاره دارا داري إلى إطلاق نار ، وتم نقله إلى مشافي تركيا .
  وبعد
أربعة أيام قضيناها في مدينة نصيبين ، سمحت لنا ميليشيات ب ي د بالدخول ، واشترطت
علينا من قبل شخص من انصارهم ، وهو من أكراد تركيا ، بالسماح لنا بالرجوع ، بشرط
الدفن  سراً وفي الليل ، أو أنهم لن يسمحوا لنا بالرجوع ، وإذا حاولنا أن نقوم
بتشييع الجثمان سوف يقومون بإطلاق النار علينا وقتلنا جميعاً . فوافقنا على شروطهم
. وعندما ذهب شخص ليطلب سيارة إسعاف من البلدية لنقل جثمان الشهيد إلى معبر درباسية
، رفضت رئيسة بلدية نصيبين ( عائشة كولكان ) إعطاءنا سيارة الإسعاف ، بحجة أننا
أعداءهم ، وبأننا كنا مرتزقة وأردوغانيين ، ونقف بالضدّ من  حزب ب ي د . 
مما
اضطر أكراد سورية الذين أتوا إلى المشفى لمساعدتنا ، إلى استئجار سيارة خاصة ،
لنقلنا إلى معبر درباسية ، وعند وصلنا الى هناك كانت الساعة الرابعة عصراً ،
رافقتنا ثلاث سيارات مدججة بالأسلحة الثقيلة ، حتى بلغنا عامودا ، وعند وصولنا الى
حاجز ب ي د على مدخل عامودا كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً ، وبينما الطريق لم تكن
تستغرق نصف ساعة ، فقد عملوا على تأخيرنا على الطريق  لكي نقوم بدفنه ليلاً ، ودون
أن يشاهدنا أحد ، أو يشركنا أحد ، ولم تستطع والدتي أن تودّع ابنها ، ولو للحظات ،
لأننا قمنا بدفنه على عَجَل وليلا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…