اللوحة السياسية في غرب كردستان واستحقاقات التغيير

عبدالرحمن كلو *

حديث يومي وجدل كبير، حول الشأن السياسي الكردي في سوريا، كل الاجتهادات السياسية والتحليلات تحاول البحث في حقيقة ما يجري على الصعيدين السياسي والأمني في غربي كردستان، الجميع يجتهد ويتنبأ بمستقبل المنطقة من خلال قراءة المشاريع الاقليمية والدولية أو من خلال  قراءة الواقع اليومي والمعطيات الآنية، بكل الأحوال فالقراءات كلها موضع اهتمام ومتابعة من لدن الشارع الكردي بتبايناتها وتقاطعاتها، لكن لا بد من الاشارة والتذكير بالثوابت التي لا تقبل الاجتهاد أو الجدل. 
من المفيد هنا وعبر الحالة التشاركية لذاك الجدل وتلك الاجتهادات، التذكير بأن الأحزاب السياسية الكردية  في غرب كردستان بانشطاراتها وشظاياها ولدت من رحم حقبة زمنية مختلفة تماما عن المرحلة الحالية ونشأت في ظل السكون والرتابة التي فرضتها الانظمة الدكتاتورية والقمعية، ومع كل التقدير لنضالات الرعيل الحزبي الأول، كانت الأحزاب السياسية – باستثناء البدايات ومرحلة التأسيس-  أشبه بجمعيات ثقافية تكتفي بنشاط سري غير معلن فرضتها مناخات الحرب الباردة التي وفرت الرعاية والحماية لكل الممارسات القمعية لتلك الأنظمة.
لكننا اليوم نعيش مرحلة مغايرة تماماً بكل المقاييس، وفي كل الجوانب، فالمنطقة بعمومها تعيش اليوم حالة مخاض انتقالية، مرحلة العاصفة بعد السكون، مرحلة ما بعد سايكس بيكو وما بعد حدودها الصنعية، فالحسابات تغيرت كثيراً وأصبحنا في مرحلة الجغرافيا السياسية للمكونات القومية والعرقية والطائفية، والمهام باتت أكبر وأوضح، ومن المنطق والحكمة أن نؤمن بأن التغيير في اللوحة السياسة الحالية ضرورة حتمية، ولا بد من أن يطال التغيير كل جوانب الحياة السياسية والثقافية والفكرية، وخاصة على صعيد واقع اللوحة الحزبية القائمة للوقوف على مدى مشروعية التعددية المفرطة، ومن ثم على صعيد الاصطفافات المحورية وتجاذبات المشاريع الإقليمية في سوريا والعراق، كما على صعيد آلية العمل الحزبي التقليدي ومحاولات البحث عن الحالة المؤسساتية في حياة الحزب الداخلية،   لذا يمكن القول وبشفافية عالية أن اللوحة الحزبية الحالية باصطفافاتها وآليات عملها لم تعد مؤهلة لقيادة المرحلة بمستجداتها الراهنة، إذ لا مكان للصغار ولا للضعفاء في هذه المعركة الكبيرة والمصيرية وعلى الجميع مراجعة الذات الحزبية الانعزالية المغلقة، وإعادة النظر في أطرها التنظيمية القائمة إذ لم تعد الحالة الحزبية الانعزالية ولا الأطر السياسية القائمة المؤتلفة ولا آليات العمل التقليدية المألوفة بحجم المهام، ولا بقامة المشروع القومي التحرري، خاصة وأننا نعيش مرحلة انتفت فيها مبررات حالات التعددية الحزبية المفرطة التي اعتمدت ذريعة الأيقونات الأيديولوجية، إذ لم يعد أحداً يتحدث في الأيديولوجيا اليوم، بل الجميع يعيش محكومية المشاريع الاقليمية والدولية، ويعاني من تداعيات ومفاعيل بعض هذه المشاريع وأجنداتها على الأرض التي تعمل بشكل ممنهج وممانع للطموح الوطني الكردستاني،  لذا تأتي الوحدة الاندماجية بين عدة فصائل سياسية بمثابة الخطوة الصحيحة الأولى في هذا الاتجاه، مع الادراك على أن الحالة الحزبية لم ولن تنتهي بوحدة جمعية تراكمية لأنها ليست عملية حسابية، إذ لا بد من تغيير نوعي مرافق لهذا المتغير الكمي، أي أن الحزب الجديد لا بد من أن يخرج من جلباب الحالة الحزبية السابقة والموروث الشعاراتي الرتيب الذي رافق حقبة السكون السابقة للولادة الجديدة، و أن يدرك أنه  كيان نوعي متمايز وليس مجرد جمع أرقام، ولا يمكن الخروج من الحالة الحزبية التقليدية تلك إلا عبر مؤسسة حزبية سياسية ثقافية فكرية، تستوعب كل طاقات المجتمع الكردي وخاصة على الصعيد التخصصي والكفاءات النوعية، وفق مفاصل حركية فاعلة –بمرجعية مركزية- تعمل معاً على تحريك الجسم السياسي الحزبي بالاتجاه الصحيح وفق مستلزمات مهام المرحلة، كما أن الحالات الحزبية الأخرى التي تختار لنفسها العمل المنفرد وفق خصوصيتها الحزبية فهي أمام تحديات أكبر، لأنها بالإضافة إلى حاجتها  للمنظومة المؤسساتية في حياتها الداخلية، تحتاج من جهة أخرى إلى أن تكون حالة نوعية تتسم بجرأة الطرح والمبادرة الوطنية ووضوح في الرؤية السياسية، لتستمد شرعية وجودها من تمايزها النوعي، من خلال الموقف السياسي المؤثر والواضح لراهنية الحالة السياسية في مسيرة العمل الوطني الكردستاني، وفي كل الأحوال المرحلة الانتقالية لا تسمح بالتعددية الحزبية الحالية المفرطة، إذ لا بد من البحث في الصيغ الوحدوية كخيار استراتيجي والعمل على توفير مستلزماتها، لأن المهمة الوطنية أصعب من أن تكون مهمة حزب بذاته أو حتى مجموعة أحزاب مجتمعةً بل هي مهمة شعب بأسره وربما يمكن التعويل في مرحلة انتقالية على أداء المجلس الوطني الكردي، كإطار سياسي جامع  للعمل الوطني الكردستاني المشترك في غرب كردستان كبداية صحيحة لوحدة حال تفاعلية مع مهام المرحلة هذا مع السماح بحرية حركة المفاصل النوعية لتوفير مكامن آلية الحركة الشاملة للجسم السياسي المتمثل بالمجلس الوطني الكردي كمؤسسة سياسية قومية كردية، وفي هذا الصدد يمكن الاشارة والاشادة بالخطوة التاريخية الجريئة والنوعية التي أقدم عليها المجلس مؤخراً بطرد ثلاثة  أحزاب من بين صفوفها من الذين كانوا عملياً في الطرف الآخر، لأن مثل تلك الخطوة يمكن أن تكون بمثابة توجيه البوصلة نحو مؤسسة سياسية منسجمة مع ذاتها أولاً ومع المشروع الوطني الكردستاني الذي يقوده الرئيس بارزاني ثانياً، كما هي بمثابة المواجهة الفعلية مع كل المشاريع الممانعة للمشروع الوطني ببعده الاستراتيجي كردستانياً، وهذا ما سيساهم في إزالة الضبابية المشوشة للموقف السياسي من الأزمة السورية عموماً، على أن تليها خطوات أخرى تستكمل منظومة الحالة المؤسساتية المؤثرة ومفاعيلها السياسية، لأننا وبكل الأحول أمام استحقاقات مرحلة مفصلية تاريخية انتقالية. 
11/1/2015

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…