ســوريا .. أزمة مستعصية… لا حلول في الأفق المنظور

افتتاحية الوحـدة*
 في الأزمة السورية المستعصية التي طال أمدها ، ذاق
الشعب السوري الأمرّين بفعل تدهور مقومات الحياة الإنسانية ، حيث دفع ضريبة عنفٍ وعنفٍ
مضاد مستعرين ، وهو لايزال يئن تحت وطأة حالة مؤلمة ، تعددت فيها أشكال الاقتتال الهمجي
والقمع اللامحدود من جهاتٍ متعددة.
وإذا أمعنا النظر فيما يتعلق بسوريا من تحركات سياسية
دولية – إقليمية ومحلية والتي من المفترض أن تكون بوابة للدخول إلى فكفكة تعقيدات الأزمة ، نجد أنها ، مشتتة ومتضاربة ، ولا
تهدف إلى تحصيل نتائج مشتركة مُرضية للسوريين .
فأمريكا والدول الغربية عامةً مهتمة بمصالحها وفي
الدرجة الأولى بقضايا مكافحة الارهاب الذي بات يدق أبوابها الداخلية ، بعد أن تماطلت
ومعها الأسرة الدولية في إيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية منذ بداياتها ، وقبل أن تتفاقم
وتشكل أرضية خصبة لنمو الاسلام السياسي المتطرف الذي حظي بحاضنة مجتمعية ميؤوسة ورعاية
وتمويل جهاتٍ إقليمية وشبكات عالمية ، وبالتالي ظهور تنظيمات تكفيرية ظلامية تدميرية
وعلى رأسها ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش
).

أما روسيا – وهي دولة مؤثرة – أصبحت أكثر تمسكاً
بنفوذها في شرق بحر الأبيض المتوسط وبالملف السوري لجهة ترجيح طروحات النظام ، خاصةً بعد أن دخلت مع الغرب في صراعات ساخنة
حول قضايا الطاقة والنزاع في أوكرانيا الذي جلب لها عقوبات شديدة ، وقد بذلت موسكو
جهوداً حثيثة في عقد منتدى حواري أواخر الشهر المنصرم بين وفدٍ من النظام وعددٍ من
شخصيات سورية معارضة ، ورغم إيجابية أي تحرك سياسي ودبلوماسي ، إلا أن المنتدى لم يكن
على مستوى الطموحات والآمال من حيث التحضير والتمثيل أو المشاركة والاشراف ، فخرج ببيان
سياسي مقتضب .

ودول الخليج العربي التي يبقى همها الأساس ملف النفط
والحفاظ على أنظمة حكمها ، تخوض صراعاً طائفياً إلى حدٍ ما مع جارتها إيران ، و تتوجس تاريخياً من حركة الإخوان المسلمين
وأتباعها وكذلك شبكات تنظيم القاعدة ، فقد انصب اهتمامها خلال العام الفائت على دعم
وحماية النظام المصري الجديد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، كما أن دولة قطر التي
أرادت أن تنفرد بدور ريادي في المنطقة ومن خلال الوضع السوري خاصةً ، حيث فشلت فيه
، بادرت مؤخراً إلى المصالحة مع مصر المعروفة بمؤسساتها وديبلوماسيتها المُحكمة ، الدولة
التي بدأت تستعيد استقرارها النسبي ودورها الإقليمي ، وقد رعت أواسط الشهر الجاري اجتماعاً
لبعض أطياف المعارضة السورية ، الذي خرج ببيان تضمن عشرة بنود تنم عن عقلانية وواقعية
سياسية .

أما إيران ، دولة الملالي ونظام القمع والإمعان
في اضطهاد الكُرد والنشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين ، فلها نفوذ قوي وضارب في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق وغيرها ،
وتُنصبُ نفسها راعيةً للشيعةِ وتقود صراعاً لتوسيع نفوذها ، وتواصل دعمها اللامحدود
لسياسات النظام السوري ، وتناور لتحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب في ملفها النووي ، كلّ
ذلك في سبيل حماية نظام حكمها وإحكام قبضتها على وضعها الداخلي .

وتركيا ، الدولة الأكثر احتكاكاً، وتأثراً وتأثيراً
بالوضع السوري ، والتي حاولت وتسعى بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسها رجب طيب أردوغان إلى الاضطلاع بدور قيادي في الشرق الأوسط ،
تُشتم وتفوح منه رائحة الفوقية والاستعلاء القومي ، لاتزال غامضة ومرتبكة في تعاملها
مع الوضع الليبي والمصري والسوري وغيره ، خاصةً لجهة دعمها لأطراف الإسلام السياسي
وكذلك ارتباكها وعدم وقوفها على مسافة واحدة من أطياف المعارضة السورية ، وكذلك تحسسها
وتوجسها من الوجود والحراك الكردي العام في سوريا وخاصةً عدائها المبطن والظاهر أحياناً
للإدارة الذاتية القائمة في المناطق الكردية ، كما أنها تلكأت في القيام بدورها إلى
جانب التحالف الدولي في محاربة داعش وهجماتها على كوباني ، كدولة معنية بشكل مباشر
وعضوٍ في الناتو وحليف مفترض لأمريكا . وقد تحاول تركيا إعادة النظر في تعاملها مع
التحالف الدولي المناهض للإرهاب ، وكذلك مع الملفين المصري والسوري ومع الأكراد عموماً
، وتسير بمشروع السلام الداخلي مع حزب العمال الكردستاني إلى الأمام وبصدق وجدية ،
وهذا سيكون في صالحها وصالح شعوب المنطقة ومستقبل علاقاتها وتطورها ، خاصةً وأن حزب
العدالة والتنمية سيخوض انتخابات برلمانية ساخنة ومؤثرة على وضعه البرلماني وطموحات
رئيسه ، في حزيران القادم.

أما إسرائيل ، الدولة الأقل كلاماً وتصريحات بالشأن
السوري ، تتابع بدقة ما يجري ، ولاتقبل بأي شكل من الأشكال حضور أو مجيء من يهدد حدودها الشمالية وأمنها ، وتستبق إلحاق عدوه المفترض
بخسائر نوعية ، وهي مستمرة في تطوير وتحسين إمكاناتها العسكرية الدفاعية والهجومية.

المبعوث الدولي السيد ستيفان دي مستورا يقدم تصورات
لحلول جزئية قد تشق طريقاً ما ، لكنه لا يفلح وهو يتنقل بين العواصم دون أن يملك وسائل ضاغطة يمنحه إياها مجلس الأمن بأطرافه
الدولية المؤثرة .

أما العراق ولبنان فهما يعانيان أزمات داخلية مزمنة
وعميقة ، تتشابك مع الأزمة السورية بخيوط عديدة ، ودور الأردن في المسألة السورية ليس محوري ، إلا أنها أي المملكة الأردنية
تقف بوضوح ودون تردد إلى جانب التحالف الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن .

من حيث النتيجة وبعيداً عن نظريات المؤامرة ولغة
العواطف والشعارات ، ورغم أن العديد من الدول والجهات الجارة والصديقة قدّمت خدمات إنسانية جليلة ولا تزال لأبناء الشعب السوري
المفجوع ، وكذلك داعمي المعارضة السياسية والمسلحة تستمر في مساندتها لها، حيث من المقرر
أن يتم تدريب فصائل عسكرية ( معتدلة ) وفق برنامج طويل الأمد … ، فإن مجمل السياسات
الدولية المتبعة تؤول إلى الإبقاء على نظام الحكم القائم في دمشق ورئيسه ، حيث أن الجهود
تبقى مركزة على مكافحة الإرهاب كأولوية أساسية، إلى إشعار آخر .

في ظل هذه الوقائع والظروف ، يملي الواجب والمسؤولية
على المعارضة السورية بمختلف أطيافها التلاقي والتشاور لبلورة عمل مشترك للقيام به وتغادر درب الأوهام والمصالح الآنية
، عسى أن تأخذ زمام المبادرة وتفلحَ في إقناع كل الأطراف المعنية بضرورة إيجاد حل سياسي
لهذه الأزمة المستدامة وترجمته على أرض الواقع السوري.

بلدنا سوريا ، بلد الحضارات والثقافات ، بلد الثروات
والطاقات ، بلد شعبٍ عريق ، جريحٌ ، جرحه عميق وينزف دماً ، منكوبٌ بكارثةٍ قلّ نظيرها
، هلك في انتظار حلولٍ من خارج الحدود ، ويأمل من أصدقائه المفترضين تقديم يد العون
إليه لوقف نزيف الدم والدمار أولاً ، ويتمنى من أبنائه ، العقلاء منهم خاصةً ، الالتفات
والنظر في الداخل السوري لرؤية لوحة الواقع وتحدياته ، وذلك بغية إدراك ومعرفة ما هو
ممكن ومتاح للعمل في ضوئه وصياغة السياسات .

 
 
* جريدة الوحـدة – العدد / 258 / –
الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )

 
لقراءة مواد العدد انقر هنا  yekiti_258

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…