الشعب السوري الأمرّين بفعل تدهور مقومات الحياة الإنسانية ، حيث دفع ضريبة عنفٍ وعنفٍ
مضاد مستعرين ، وهو لايزال يئن تحت وطأة حالة مؤلمة ، تعددت فيها أشكال الاقتتال الهمجي
والقمع اللامحدود من جهاتٍ متعددة.
دولية – إقليمية ومحلية والتي من المفترض أن تكون بوابة للدخول إلى فكفكة تعقيدات الأزمة ، نجد أنها ، مشتتة ومتضاربة ، ولا
تهدف إلى تحصيل نتائج مشتركة مُرضية للسوريين .
الدرجة الأولى بقضايا مكافحة الارهاب الذي بات يدق أبوابها الداخلية ، بعد أن تماطلت
ومعها الأسرة الدولية في إيجاد حلٍ سياسي للأزمة السورية منذ بداياتها ، وقبل أن تتفاقم
وتشكل أرضية خصبة لنمو الاسلام السياسي المتطرف الذي حظي بحاضنة مجتمعية ميؤوسة ورعاية
وتمويل جهاتٍ إقليمية وشبكات عالمية ، وبالتالي ظهور تنظيمات تكفيرية ظلامية تدميرية
وعلى رأسها ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش
).
أما روسيا – وهي دولة مؤثرة – أصبحت أكثر تمسكاً
بنفوذها في شرق بحر الأبيض المتوسط وبالملف السوري لجهة ترجيح طروحات النظام ، خاصةً بعد أن دخلت مع الغرب في صراعات ساخنة
حول قضايا الطاقة والنزاع في أوكرانيا الذي جلب لها عقوبات شديدة ، وقد بذلت موسكو
جهوداً حثيثة في عقد منتدى حواري أواخر الشهر المنصرم بين وفدٍ من النظام وعددٍ من
شخصيات سورية معارضة ، ورغم إيجابية أي تحرك سياسي ودبلوماسي ، إلا أن المنتدى لم يكن
على مستوى الطموحات والآمال من حيث التحضير والتمثيل أو المشاركة والاشراف ، فخرج ببيان
سياسي مقتضب .
ودول الخليج العربي التي يبقى همها الأساس ملف النفط
والحفاظ على أنظمة حكمها ، تخوض صراعاً طائفياً إلى حدٍ ما مع جارتها إيران ، و تتوجس تاريخياً من حركة الإخوان المسلمين
وأتباعها وكذلك شبكات تنظيم القاعدة ، فقد انصب اهتمامها خلال العام الفائت على دعم
وحماية النظام المصري الجديد بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، كما أن دولة قطر التي
أرادت أن تنفرد بدور ريادي في المنطقة ومن خلال الوضع السوري خاصةً ، حيث فشلت فيه
، بادرت مؤخراً إلى المصالحة مع مصر المعروفة بمؤسساتها وديبلوماسيتها المُحكمة ، الدولة
التي بدأت تستعيد استقرارها النسبي ودورها الإقليمي ، وقد رعت أواسط الشهر الجاري اجتماعاً
لبعض أطياف المعارضة السورية ، الذي خرج ببيان تضمن عشرة بنود تنم عن عقلانية وواقعية
سياسية .
في اضطهاد الكُرد والنشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين ، فلها نفوذ قوي وضارب في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق وغيرها ،
وتُنصبُ نفسها راعيةً للشيعةِ وتقود صراعاً لتوسيع نفوذها ، وتواصل دعمها اللامحدود
لسياسات النظام السوري ، وتناور لتحقيق أكبر قدرٍ من المكاسب في ملفها النووي ، كلّ
ذلك في سبيل حماية نظام حكمها وإحكام قبضتها على وضعها الداخلي .
وتركيا ، الدولة الأكثر احتكاكاً، وتأثراً وتأثيراً
بالوضع السوري ، والتي حاولت وتسعى بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسها رجب طيب أردوغان إلى الاضطلاع بدور قيادي في الشرق الأوسط ،
تُشتم وتفوح منه رائحة الفوقية والاستعلاء القومي ، لاتزال غامضة ومرتبكة في تعاملها
مع الوضع الليبي والمصري والسوري وغيره ، خاصةً لجهة دعمها لأطراف الإسلام السياسي
وكذلك ارتباكها وعدم وقوفها على مسافة واحدة من أطياف المعارضة السورية ، وكذلك تحسسها
وتوجسها من الوجود والحراك الكردي العام في سوريا وخاصةً عدائها المبطن والظاهر أحياناً
للإدارة الذاتية القائمة في المناطق الكردية ، كما أنها تلكأت في القيام بدورها إلى
جانب التحالف الدولي في محاربة داعش وهجماتها على كوباني ، كدولة معنية بشكل مباشر
وعضوٍ في الناتو وحليف مفترض لأمريكا . وقد تحاول تركيا إعادة النظر في تعاملها مع
التحالف الدولي المناهض للإرهاب ، وكذلك مع الملفين المصري والسوري ومع الأكراد عموماً
، وتسير بمشروع السلام الداخلي مع حزب العمال الكردستاني إلى الأمام وبصدق وجدية ،
وهذا سيكون في صالحها وصالح شعوب المنطقة ومستقبل علاقاتها وتطورها ، خاصةً وأن حزب
العدالة والتنمية سيخوض انتخابات برلمانية ساخنة ومؤثرة على وضعه البرلماني وطموحات
رئيسه ، في حزيران القادم.
أما إسرائيل ، الدولة الأقل كلاماً وتصريحات بالشأن
السوري ، تتابع بدقة ما يجري ، ولاتقبل بأي شكل من الأشكال حضور أو مجيء من يهدد حدودها الشمالية وأمنها ، وتستبق إلحاق عدوه المفترض
بخسائر نوعية ، وهي مستمرة في تطوير وتحسين إمكاناتها العسكرية الدفاعية والهجومية.
المبعوث الدولي السيد ستيفان دي مستورا يقدم تصورات
لحلول جزئية قد تشق طريقاً ما ، لكنه لا يفلح وهو يتنقل بين العواصم دون أن يملك وسائل ضاغطة يمنحه إياها مجلس الأمن بأطرافه
الدولية المؤثرة .
أما العراق ولبنان فهما يعانيان أزمات داخلية مزمنة
وعميقة ، تتشابك مع الأزمة السورية بخيوط عديدة ، ودور الأردن في المسألة السورية ليس محوري ، إلا أنها أي المملكة الأردنية
تقف بوضوح ودون تردد إلى جانب التحالف الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن .
من حيث النتيجة وبعيداً عن نظريات المؤامرة ولغة
العواطف والشعارات ، ورغم أن العديد من الدول والجهات الجارة والصديقة قدّمت خدمات إنسانية جليلة ولا تزال لأبناء الشعب السوري
المفجوع ، وكذلك داعمي المعارضة السياسية والمسلحة تستمر في مساندتها لها، حيث من المقرر
أن يتم تدريب فصائل عسكرية ( معتدلة ) وفق برنامج طويل الأمد … ، فإن مجمل السياسات
الدولية المتبعة تؤول إلى الإبقاء على نظام الحكم القائم في دمشق ورئيسه ، حيث أن الجهود
تبقى مركزة على مكافحة الإرهاب كأولوية أساسية، إلى إشعار آخر .
في ظل هذه الوقائع والظروف ، يملي الواجب والمسؤولية
على المعارضة السورية بمختلف أطيافها التلاقي والتشاور لبلورة عمل مشترك للقيام به وتغادر درب الأوهام والمصالح الآنية
، عسى أن تأخذ زمام المبادرة وتفلحَ في إقناع كل الأطراف المعنية بضرورة إيجاد حل سياسي
لهذه الأزمة المستدامة وترجمته على أرض الواقع السوري.
بلدنا سوريا ، بلد الحضارات والثقافات ، بلد الثروات
والطاقات ، بلد شعبٍ عريق ، جريحٌ ، جرحه عميق وينزف دماً ، منكوبٌ بكارثةٍ قلّ نظيرها
، هلك في انتظار حلولٍ من خارج الحدود ، ويأمل من أصدقائه المفترضين تقديم يد العون
إليه لوقف نزيف الدم والدمار أولاً ، ويتمنى من أبنائه ، العقلاء منهم خاصةً ، الالتفات
والنظر في الداخل السوري لرؤية لوحة الواقع وتحدياته ، وذلك بغية إدراك ومعرفة ما هو
ممكن ومتاح للعمل في ضوئه وصياغة السياسات .
* جريدة الوحـدة – العدد / 258 / –
الجريدة المركزية لحزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )