شاكلته، و من ثم اخنيار الأول بإعتباره القاتل الذي جربناه “و أفضل من الذي
لا نعرفه”، و كذلك بإعتباره القاتل المتعلم، حليق الذقن الذي يرتكب معظم جرائمه
بوسائل عصرية، و يستخدم في تعذيب ضحاياه أدوات حديثة نتيجة تطور تقنيات “علم
الإجرام” في مختبرات معتقلاته بعد تراكم خبرات القائمين عليها، مثل هذه
المفاضلة تشكل عاراً عندما تصدر عن شخصٍ كان حتى الأمس القريب من ضحايا
الدكتاتورية في بلاده، و رأى بعينيه شعبه يكتوي بنيرانها و يختنق بغازاتها
الكيماوية.
تلفزيوني بانه “إذا خُيرنا بين بقاء الرئيس السوري بشار الأسد بعد أربعة سنوات
من الثورة السورية وبين سقوط سوريا بيد الجماعات الإرهابية، فإننا سنختار بقاء الأسد.”،
فإن المرء ليحتار كيف يجابه مثل هذا المنطق الهش، الذي يصدر عن شخص المفترض به أن
يكون ضليعاً في السياسة بعد عمرٍ طويل و تجارب كثيرة عاشها إنتهت به إلى تولي
رئاسة بلد كان يتزعمه دكتاتور جرب مثل “مُفضله” الأسد كل الأساليب
الدموية للبقاء في الحكم، في الوقت الذي يقول فيه ألفباء ما يجري في سوريا من
سياسة، و التي بات حتى الطفل السوري يدركها بأن الجماعات الإرهابية التي يتحدث
عنها الرئيس معصوم ما هي سوى طفح جلدي ظهر على وجه نظام الأسد، طرحه في التداول
ليخفي به وجهه الحقيقي، و هذه الجماعات هي أساساً واجهته الخلفية التي ضرب بها بشكلٍ
غير مسبوق لينصب بذلك فخاً انجر إليه الكثيرون، و تمثل بخلق ظروف تؤدي إلى
المقارنة بينه و بينها.
الواضح و الحال كذلك بأن الصراع لم يكن
يوماً بين الأسد و الجماعات الإرهابية التي تقوم مثله بالتنكيل بالسوريين و تغطي
بالتالي جوانب
“التقصير” في عمله، فقد ترك النظام الحبل على الغارب لتلك الجماعات من
خلال عملية تبدو كتنسيق معها بصورة دفع بها إلى تصدر المشهد العنفي و سرقة الأضواء
منه عبر فظائع يقوم هو نفسه بإرتكابها في الخفاء في معتقلاته و قد ظهرت نتائج
بعضها، و هكذا لم يقدم نظام الأسد يوماً على التعرض لمعاقل تلك الجماعات بل هاجم و
بمساعدتها، و كذلك عبر صواريخ سكود و البراميل المتفجرة دوما و حلب و درعا و أماكن
أُخرى تشكل معالم المشهد الثوري السوري.
لكن ماذا لو انساق العالم لرواية النظام
العراقي الأسبق عن المعارضة العراقية التي كان الرئيس فؤاد معصوم و حزبه أحد
أركانها؟ ترى أين كان
سيجد نفسه اليوم لو قام من حارب صدام حسين بدعمه على اعتبار أن معارضيه، و كما كان
يقول إرهابيون و عملاء للخارج يقومون بارتكاب الفظائع و تهديد أمن البلاد؟ أليس من
التناقض أن يكون أحد المستفيدين من سقوط الدكتاتورية في بلاده، لدرجة الجلوس على
كرسي الدكتاتور ذاته باسم الديمقراطية من المشجعين اليوم على الحفاظ على دكتاتور
آخر بداعي الحفاظ على الإستقرار، حتى لو كان الثمن تجاهل سقوط مئات آلاف الضحايا على
يديه و تدميره لبلاده؟
الواقع هو أننا إذا ما اقتربنا من المشهد
العراقي أكثر و نظرنا إلى موازين القوى في العراق فإننا نجد بأن الرئيس، و كذلك
الحكومة لا يشكلان سوى
واجهة للتحالف الشيعي الذي يحكم البلاد بقبضة حديدية بصورة يستخدم معها ميليشيا
طائفية لإرتكاب أعمال قتل و تهجير على الهوية، و المعروف أن ذلك التحالف يدور مثل
نظام الأسد في الفلك الإيراني و يشكل معه نقاط علام فيما يسمى بالهلال الشيعي، و بالتالي
فإن تصريحات معصوم لا تخرج عن كونها محاولة لتبييض صفحة النظام حتى و إن كان من
بوابة إعتباره أهون الشهرين. يضاف إلى ذلك أن الرئيس فؤاد معصوم و حزبه، حزب
الإتحاد الوطني الكُردستاني من حلفاء نظام الأسد، و لا يمكن تجاهل الأخبار التي
تتحدث عن دورٍ للحزب و زعيمه الرئيس المتقاعد جلال الطالباني في دعم النظام و
حلفائه في المنطقة الكُردية السورية، هذا ناهيك عن أن الحزب يشكل البوابة
الإيرانية للتدخل في شؤون إقليم كُردستان و إفراغ مؤسساته من محتواها، و لعل صورة قاسم
سليماني، قائد فيلق القدس مع السيدة هيرو طالباني زوجة الرئيس السابق، و هي شخصية
غير معروف دورها أو موقعها الحقيقي في حزب زوجها أو الإقليم الكُردي، و هما مع
بيشمركة حزبها في مناطق تبدو جبهات قتال، تقدم شرحاً وافياً عن واقع الحال.