ابراهيم زورو
إذا كانت الليبرالية تعني حرية التدين ومعها كل الحريات الأخرى وتحافظ على مساحة الفرد كي لا يزاحم حريته أحداً، كما يقول فلاسفة الليبراليين: يجب أن يعطى كامل الحرية له لا كما يُشاء الآخرين لأنه ولد حراً بدون قيود. فلا توجد حرية دينية لأن فيها مشاكل كثيرة، ومنها على سبيل المثال: الدين الاسلامي ومتنه: القرآن والأحاديث النبوية وهما ركنا وجوده أو بهما يكون الدين مفسراً ومكتملاً، ولا ينبغي أن نقفز فوق هاتين الفكرتين أو كما يقال أن القرآن يفسر بثلاثة طرق: تفسير القرآن بالقرآن، وبالأحاديث النبوية، وكلام الصحابة.
ولكن كيف يمكن أن نأخذ القرآن على أنه حرية المعتقد وفيه آيات كثيرة والتي تدعو صراحة إلى الحروب ومنها على سبيل المثال: فإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم [التوبة:5]. علماً أن الدين الإسلامي لم يخضع للنقد والتطوير كما حصل للدين اليهودي على يد موسى بن ميمون والحال مع الدين المسيحي على يد مارتن لوثر كينغ، كما أن الدين الإسلامي يرسم طريقاً للحياة اليومية لملايين البشر الذين يتبعون هذا الدين، وهذا التفسير لا يلائم الفكر الليبرالي أبداً لأننا نعلم جيداً أن الفكر الليبرالي ينبذ العنف ويضع الفهم والقناعة سبيلاً لتوعية البشر! وأيضاً لا يلائم الأحاديث النبوية كونها صُنفت على أن هناك أحاديث مسندة وآخرى غير مسندة، وهذا ما يجعل التعامل مع التفسير خاضعاً لمزاجية هذا التقسيم للأحاديث.
ما أحب أن أنوه إليه صعوبة ومعرفة التفسير الصحيح حتى يمكننا أن نشكل فكرة حول العلاقات الاجتماعية بين البشر و عاداتهم وتقاليدهم التي قد تخالف الدين وعلى الأرجح قد تكون متطورة أكثر من الدين نفسه، لهذا علينا فرز بين ما هو ديني عن ما هو غير ديني وترك ما هو ديني لعلاقة الفرد مع ربه، ولا اعتقد أن هذا سيوافق عليه الاحزاب الدينية، وهذا الشرح لا يناسب التفكير الليبرالي!. من هنا فلا ينبغي أن نأخذ كما جاء في سياق كراسة العمل اللبرالي في صفحة 21 ما يلي:( إن الدين الإسلامي تحديداً هو الأقرب إلى الفكر الليبرالي من البلشفية بكثير،،،) واعتقد أن الفكر الليبرالي هو الأبعد من هاتين المجموعتين معاً لأسباب منها: هما معاً فكرتين ايديولوجتين، ونحن نعلم جيداً أن الفكر الايديولوجي هو الذي يحتكر الحقيقة ولا يعترف بأي نظريات أخرى، فالأول، الدين الإسلامي له ربه القادر على فعل كل شيء، أو أن يقول له كن فيكون، فليس للبشر فيه قيد كلام، والفكر البلشفي أو بالعام الايديولوجية الشيوعية هي لا تقل عن الدين الإسلامي غطرسة وعنجهية، وقد قيل على لسان أحدهم: “الفرق بين محمد وماركس هو أن الأول جعل المجتمع شيوعي(الجنة) في الآخرة، بينما الثاني أشاد المجتمع الشيوعي هنا في دنيانا”، وأيضاً الدراسة افتقرت على التاريخية في تعاملها مع الدين الصحيح، قال: أمرهم شورى بينهم ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر…الخ.
هنا يمكن أن أحيلك في هذا المنحى إلى هذه المقولة لصادق النيهوم: إن المسلمين فيما بعد النبي جعلوا من الجامع مسجداً عندما بطلوا السماع إلى شكاوي الناس في يوم الجمعة، وهكذا كل ما بقي من الدين هو أن تسجد وربك سوف يعوضك في الآخرة، وهكذا احتكر فكر الشورى على غير رجعة، وهناك نقطة أخرى والأكثر اهمية وهي أن الدين الإسلامي لديه فكرة وايديولوجيا حول أوضاع المسلمين وتنظيمهم كمواطنين في الدولة، وأن يقودوا شعوباً وليس شعباً لأن هناك آيات توضح الطريق لقيادة المجتمعات، فالفكر الليبرالي يمكن أن يكون معارضاً أو ضد الفكر السائد كما هو الحال في بعض البلدان الاسلامية. ولنا في التاريخ القريب اتفاقاً حصل في الثمانينات من القرن الماضي بين حزب الشعب (مكتب السياسي) واخوان المسلمين في سوريا. رغم ملاحظتنا على هكذا اتفاق بين الفكرتين احدهما علماني والثاني ديني، فكم لمسنا الطغيان وعنجهية الفكر الإسلامي على حزب الشعب، فلا اعتقد بعد هذا الكلام الواضح والصريح أن لنا كلاماً لأنه سيكون مضيعة للوقت، حيث أن الحقيقة والنقد ليستا بحاجة أن نضعهم في جو مزدحم بالافكار التي لا طائلة منها ترجو!. ولم يكن يوماً ما أن الدين الإسلامي حارب الاستبداد فيمكن أن نقول أنه حارب كل من وقف في طريقه حتى يتسّيد على السلطة ويقضي على خصومه، ونحن نعلم جيداً ماذا فعل الصحابة وقبلهم النبي في هذا المجال! من سفك للدماء إلى محاربة معارضيه ونكل بهم أيما تنكيلاً، وكذلك ما فعله أصحاب الإيديولوجية الشيوعية في بلدان ما تسمى بالأسرة الاشتراكية ضد معارضيها من كتّاب ومثقفين بالدرجة الأولى!.
برأيي أن افضل التعامل مع الدين هو جعله ايقونة للتعامل الفردي وتركه في دور العبادة عن طريق فصل الدين عن الدولة، وهو أمر صعب في سياق الفكر الليبرالي للوهلة الأولى، ولكن من الممكن تماماً أن نبدع في الفكر الليبرالي لأن واقعنا لا يسمح لنا أن نترك الدين يلعب بحياتنا الاجتماعية كونه حامل للفكر الالهي الذي لا يناقش أبداً في قيادة المجتمعات الإسلامية وربما الأمر يتعدى إلى مجتمعات آخرى، صحيح أنه تم سقوط جدار برلين ولكن كما قالت ندى مصطفى رستم بحق، ولكن ما زال هناك ألمانيتين واضحتين في سياق الأمة الالمانية أمام عيوننا في وقتنا الحاضر، حيث المانيا الشرقية فقيرة ومقموعة والحياة الاقتصادية غير مريحة فهي على عكس المانيا الغربية، وإذا كان هذا الكلام صحيحاً فعلينا أن نؤسس عليه وضعاً أخر وهو يمكن ملاحظة ذلك بين اسبانيا الإسلامية-إذا جاز التعبير- كبلد الوليد والغرناطة وبين اسبانيا الغربية الاوربية. حيث نلاحظ هناك اختلاف لمستوى في كليهما!.
على الرغم أن الدراسة قد حاولت أن تشرح الليبرالية، فأن المجتمعات شرق الأوسطي بحاجة إلى شرح واستفاضة حول المصطلحات السياسية كي يستطيع المرء أن يكون أصيلاً لجهة الأرضية التي يجب أن يقف عليها، وهذا الأمر مهم جداً حتى نكون اعداء اصلاء ونقف ضد الفكرة عن سابق الأصرار والمعرفة، بكلا الحالتين، المرء بحاجة إلى أن يبدع سواء من جهة رفضه للفكرة بـ لماذا؟ أو أن يقبل الفكرة عليه أن يقول لماذا؟ ويقدم حجج وبراهين على ضوء فكرته حول موضوع ما، يقيناً البعض منا يقف بالشكل الصوري ضد الفكرة بناء على صداقته بشخص ما ويقول: أين يقف هذا الشخص فهو يمثلني! اعتبر ذلك من أشد الحالات إنكاراً لذاته ويؤسس أرضية مناسبة لأي ديكتاتور قادم؟!.
اعتقد من جهة أخرى أن الدراسة فرقتْ بين الايديولوجيتين معاً، وحاولتْ أن تقف إلى جانب الايديولوجيا الدينية أكثر من الأيديولوجيا الشيوعية، وهنا اخذت الليبرالية منحى أخراً في سياق مجتمع ديني! فهل هذا الموقف سياسي أم لا؟ إذا كان السياق وهو تخط أو تعد صارخ على الليبرالية لأنها تعتمد الحرية بمعناها القصوى ولكن ضمن أسس وثوابت معينة بمعنى أنه لا يمكن أن نجمع بين تناقضين في آن واحد، وهناك فرقاً شاسعاً بين السياسة كعلم وفن لقيادة المجتمعات أو كمظلة التي تنام تحتها الليبرالية والتي تختلف عن بقية المصطلحات الأخرى لأنها تعتمد على فكرتين لا يمكن التنازل عن أحدهما، وهما: الحرية والمساواة. فإذا كانت الليبرالية تدخل ضمن الحكم الانتقائي فهو أمر اعتقد أنه مرفوضاً على سبيل المثال، لستَ حراً إذا كانت الرغبة هي التي تقودك إلى مكان ليس بمكانك!. وأعتبر أن الوثائق التي تربعت في نهاية الدراسة هي جواب واف وكاف لبعض رموز المعارضة التي تتدعي ليل نهار على قلة عقلها ومصلحتها الشخصية في لوي عنق الحقيقة وهي أن المجتمع العلوي هو الذي يحمي النظام! رغم أن الأمر بات معروفاً لمن يعمل في الحقل السياسي أو الثقافي أن أي نظام ما هو إلا تكثيفاً لمصالح طبقة أو فئة معينة!. في ص 72 من الدراسة : ” عاملين رئيسين أدّت بأبناء الطائفة العلوية للانتساب إلى حزب البعث وغيره من الأحزاب اليسارية. أ- سكنهم في الجبال فقيرة بتربها ومياهها غنية بهوائها العليل. ب-الاضطهاد التاريخي الذي تعرضوا له وحرمانهم الطويل من الاستفادة من مؤسسات الدولة، وها هي الاحزاب اليسارية تطرح التحرر والمساواة وحقهم مثل غيرهم الى الوصول إلى اعلى القيادة في الدولة”. اعتقد أن هذان العاملان على قدر كبير من الأهمية ولكن ليست بتلك الصيغة المطروحة فسكناهم في الجبال وهي مصدر رزق لجهة الثروة السمكية والتجارة عبر البحر! والساحل السوري يشتهر بالاشجار المثمرة عدا اهميتها السياحية نتيجة وجود الأماكن الأثرية. وكافة العاملين كانوا من مناطق اخرى!، كما هي حالة نفط رميلان في مناطقنا الكوردية نموت بغازها، بينما الفائدة تعم لكل الشعب السوري إلا الكورد، هم مستثنون منها تماماً، وكما هو الحال بالنسبة إلى زراعة القمح!، هذا بالنسبة إلى البند الأول، أما البند الثاني فاعتقد أنه صحيح من حيث الاضطهاد والغبن وتمييز الهوياتي، هكذا يمكن أن يستقيم وضع الساحل السوري مع المنطقة الكوردية، وكذلك بالنسبة إلى جبل العرب من حيث الاهمية السياحية والأثرية والاشجار المثمرة،،، يكاد يكون هذان العاملان مشتركان لدى الاقليات الدينية والقومية في سوريا عموماً لأجل أن يحافظوا على وجودهم ضمن تلك الأحزاب اليسارية أو العلمانية وأن دل على شيء فأنه يدل على الخوف المستمر من الأكثرية الدينية وإلا لما هذا الخوف!، على اعتبار أن الدولة لا تحمي تلك الاقليات، وهذا الامر خطير جداً عندما ندرك ليس الكورد وحدهم المستهدفون! والسؤال الذي يطرح هنا هل الأكثرية السورية مثلاً لا تهمها القومية وهي مضيعة للوقت! بقدر ما يهمها سرقاتها؟ بمعنى آخر، ألا تعتبر الأقليات الدينية هم من العرب كدروز واسماعيلية والعلوية؟ طالما هذا الخوف يزجيهم إلى أحزاب علمانية ويسارية للحفاظ على وجودهم من الأحزاب السورية القومية والدينية على سبيل المثال لا الحصر؟. هناك استفسارات كثيرة يمكن استبيانها من هذين العاملين لأنهما يمسان العمق العربي في جزء من المنطقة العربية! التي هي سوريا ويعود بنا الأمر إلى أن نفكر بمصطلح وحدة الأراضي العربية!!، واليوم نلمس ذلك تماماً أن لإيران عمق الأقلياتي في الوطن العربي! سوريا، لبنان، البحرين والعراق، ولماذا لم يتحرك الأحزاب القومية العربية للوقوف مع شعوبهم ضد التدخل الإيراني، رغم أن اقليات دينية ضمن الشعوب العربية تتفاعل مع إيران، لماذا؟ هو سؤال في غاية الاهمية!. واعتقد إن اللغة في تلك الدراسة ببعض جوانبها حول الشخصيات: النبي وكواكبي والعظم…الخ قد كتبت بلغة الأقرب إلى العاطفة منها إلى لغة الدراسة العلمية التي تعتمد الرصانه العقلية. وعليّ في الختام! أوجه شكري وامتناني لصديقي المحترم ومعلمي، كامل عباس أبو فريد الذي ينتمي إلى مجموعة عمل اللبرالي في اللاذقية على هذه الدراسة القيمة!…