د. محمود عباس
8- وبالتالي عندما ينتهي المزارعون من كل هذه الإشكاليات ومراحل النهب، ولربما ينتظر بعضهم أسبوع فيما إذا كانوا محظوظين ويذهبون ليستلموا ثمن محصولهم، عليهم أن يدفعوا إكرامية، كما يقال، وهي ضريبة لا مفر منها.
9 وللتغطية على هذا الفساد المستشري، نشرت السلطة ومثلها الإدارة الذاتية، دعاية أنهما سيقومان ببيع البذار للمزارعين، للموسم القادم، بقيمة تقل 45% من القيمة التي يمكن أن تبيعها للمنظمات الدولية، متناسية أنها تشتري محاصيلهم من القمح بقيمة أقل بـ 200% من ثمن القمح القاسي في الأسواق العالمية، وحتى في الداخل السوري تقل بـ 25% من سعر الأسواق المحيطة بالمنطقة، علما أن السوق السوداء الداخلية هي لتجار الحرب سماسرة السلطة أو خدم المسؤولين فلولا الحصار على التجار لكانت الأسعار ضعف ما فرضته السلطة والإدارة الذاتية. وهي عمليا تعيد محصول المزارع إليه بضعف ثمنها، أي بعدما أشترت منه بنصف ما تبيعه له كبذار، ونحن لا نضيف إليها أموال الرشاوي، تحت حجة تمريرها تحت التعقيم والتحضير للبذار.
وبالتالي يخرج الفلاح والمزارع الكردي من المركز منهكا، يحمل الأسف والأسى، على عدم بيع محصوله بأقل الأسعار لتجار وسماسرة المحافظ وقاطرجي، ويقال أحيانا بينهم من الإدارة الذاتية أيضا أو يحتمون تحت أسمها، أو لربما تنشر هذه الأخيرة لتقاعس مسؤولي الإدارة من القيام بعمل ما أمام هذه الكارثة، مثلما لم تقدم على فعل للوقوف في وجه مرسوم السلطة حول فرضها على المصرف الزراعي إجبار المزارعين الذين سيبيعون في مراكز الدولة، دفع الديون المترتبة عليهم وبفوائد فاحشة، بعد تغطية إعلامية تجميلية منافقة، بأنها قسطت الديون على مدى عشر سنوات.
وفي الواقع هذه من ضمن نتائج حرب الأسعار الوهمية ما بني السلطة والإدارة الذاتية، والتي خلقت مشاكل استباقية عديدة للفلاحين، في الوقت الذي كان يجب أن تخلق منافسة للسوق بين الجهتين، وتعيد بالمنفعة للفلاحين، لكنها وللأسف وبسبب القضايا المرافقة للتسعيرة وأساليب التعامل بين السلطة والإدارة وتعاملهما مع الفلاحين أصبحت مسيرة البيع طامة أن لم تكن كارثة على الشعب، فقد كانت لكل جهة حججها في تحديد سعر الشراء ما بين 185 للنظام و160 للإدارة الذاتية، علما أن هذا السعر هو السقف الأعلى لأجود محصول، وهذا ما لا يحصل عليه أي مزارع مهما بلغ جودة قمحه، في الوقت الذي يقال إن السماسرة وتجار الحروب يحصلون عليها بسهولة.
ومن المؤلم أن الإدارة الذاتية والتي يعول عليها تقديم خدمات أفضل من النظام، والحد من تجاوزات دوائر السلطة وخباثة السماسرة وتجار الحروب، الذين هم من ضمن الأدوات المستخدمة لتعكير الحياة على أبناء المنطقة من الكرد أكثر مما هي، وذلك بتحكمهم بالأسواق والبضائع وتسعيرتها، وحتى بلقمة الفقراء، والإدارة الذاتية تتقاعس بتقديم المقابل، بل أحيانا تفاقم من الضغوطات الاقتصادية على المواطنين إضافة لما يعانونه، ونحن هنا لا نتحدث عن نقص الخدمات، كالماء وتنظيف المدن وحولها، وتعبيد الطرقات، وغيرها من البنية التحتية، بل كميات الضرائب والمناسبات العديدة التي يفرضونها على المواطنين بدءا من المزارعين والفلاحين إلى أصحاب المحلات الاستهلاكية، ففي الوقت الذي يأمل الجميع خيرا على أنها قامت بجرد واسع للخسائر التي حصلت للفلاحين، والمساحات المحروقة، وأعلنت أنها ستقوم بتعويضهم وبنسب مناسبة، ظهرت مفاجئة غير مرضية، وتبينت بعد تصعيد الضرائب أنهم سيعوضون الفلاحين المتضررين ليس على كمية الخسائر، بل على مساحة الأرض المحروقة، فعلى سبيل المثال، لكل 10 هكتارات سيحصل الفلاح على ثمن 10 أكياس قمح، أي بحدود 150 ألف ليرة سورية، في الواقع خسائر 10 هكتارات حسب الموسم الجاري تصل قرابة 5 مليون ليرة سورية، والتعويضات ستدفع:
1 من أموال الجباية على المحلات والمطاعم والدكاكين، وليست من المساعدات الخارجية ويقال إن الملايين من الدولارات دخلت المنطقة، وهذه الأخيرة لا تزال دعاية غير مثبتة.
2 وليست من أموال بيع النفط والغاز على سبيل المثال، والتي يجب أن تكون بينها وبين السلطة حصة ما بين 40 و60% على الأقل للخدمات التي تقدمها لسوريا، وحيث تأمين النفط الخام في المناطق التي حررتها من داعش، أو التي ترسل من المناطق الكردية.
3 وبدل الضرائب على الشعب المنهك، يجب محاولة إقناع المنظمات الإنسانية العالمية للمساعدة، أو حتى الطلب المباشر من الدول الكبرى كأمريكا، كمساعدات أو حتى كقروض، وهي حاضرة في المنطقة وعيونها ترى ما يجري، وبالمناسبة فطلب القروض ستمدها بالقوة من الأبعاد السياسية والعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، أي أنها ستدخلها في بداية التعامل مع الهيئات الدولية كإدارة فيدرالية.
4 أو ربما عليهم عقد مؤتمرات كالتي تمت من أجل محاكمة عناصر داعش في عاموده، والتي لا بد وأن يحاكموا ضمن جغرافية جنوب غربي كردستان، لجلب انتباه العالم على ما قدمه الشعب الكردي من خدمات للبشرية ولهذه الإشكالية الاقتصادية الكارثية، ولربما يكون حافزا لتعريفهم عل ما يجري لهذا الشعب على خلفية ما قدموه.
فلاحينا الذين لم تحترق محاصيلهم في الجزيرة يكاد يعانون مثل ما يعانيه المحروق محصوله، الكوارث مصادرها واحدة، حتى ولو كانت ذات وجهين، ومن يغمض عينيه عن هذا الفساد المخطط، وعن الغاية الأبعد من الطعن في محصول سنة، يساهم المتآمرين في محاولاتهم القضاء على مكاسب الأمة الكردية في جنوب غربي كردستان.
ولا شك النظام الذي دمر سوريا ليس صعبا عليه تدمير الجزيرة عن بكرة أبيها، والمعارضة التكفيرية المرتزقة لا تقل عنها عداوة، فمن الجهالة الطلب من المجرمين وتجار الحروب الإنصاف والعدل والنزاهة في العمل، لهذا فالمطلوب من القائمين على الإدارة الذاتية وخاصة الواعين والحريصين منهم على مستقبل الشعب، الوقوف في وجه هذه التجاوزات الإجرامية، والعمل للحد من الفساد، فلا يكفي أن يتم: من جهة الدعاية على أنه تجري محاولات لتعويض المتضررين، بعدما تم دراسة الخسائر، ومن جهة أخرى تجمع الضرائب التصاعدية من بين فترة وأخرى من أصحاب المحلات ذوي الدخل المتوسط أو الأدنى، وإهمال الأساليب الأخرى المهمة، إلى جانب تركهم لتجار الحروب وهم يكدسون الأرباح أمام أعين الجماهير، وجميعهم معروفون للشارع الكردي.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
10/7/2019م