عفرين بعين ليكولين

سنحاول من خلال هذه النافذة تسليط الضوء على أساس ما سبق لنا البناء عليه كمركز قانوني في قولنا بأنّه ما من مصلحة لأحد سوى الدولة التركية في كل تفجير أو اشتباك أو عملية من شأنها خلق فوضى أمنية في عفرين و تحت أي ثمن، و كلّ جهة تتبناها أو تنسب لذاتها تلك الاعمال فهي يقيناً إما حمقاء أو  تخدم تركيا و تهديها خدمة جليلة و إما كاذبة .
وتوضيحاً لذلك نقول:
إن تركيا كدولة ذات طاقات وقدرات كبيرة شئنا أم أبينا ولديها من الخبراء والمستشارين وفي كافة المجالات ولا سيما القانونية والسياسية والاستخباراتية منها، إن دولة بتلك المواصفات وتضبط الأمن والاستقرار في تركيا التي هي بحجم قارة بأكملها، ليست بعاجزة اليوم عن بسط سلطتها وسيطرتها على منطقة جغرافية بحجم عفرين، وإنما مصلحتها ومصلحتها وحدها دون غيرها تتطلب وتتطابق مع هذا الواقع الذي تشهده عفرين.
لنرى ذلك وكيف؟ 
للمحتل أو لدولة الاحتلال في القانون الدولي جملة كبيرة من المسؤوليات والالتزامات تجاه الإقليم المحتل، والاخلال بها لا يضعها في خانة الإدانة والعقاب الدولي فحسب، بل يشوّه صورة تلك الدولة أشد تشويه في ماضيها وحاضرها ومستقبلها وعلاقاتها وسواه.
 وتبعاً لذلك فمن البديهي جداً أن تلجأ تركيا جاهدةً لنفي وتجنب ذاك الوصف أي وصف الاحتلال ولبسه. دون أن تتخلى في ذات الوقت عن تحقيق كل أجنداتها ومأربها من وراء احتلالها لعفرين ولكن بدون ذلك الوصف.
فما المطلوب منها إذاً للتوفيق بين الأمرين، أي تمرير كل أجنداتها ومآربها ولكن بدون صفة الاحتلال؟
اللغز ببساطة يكمن في قيام تركيا بالتحايل علي القانون الدولي و مواده المتناولة للاحتلال و خلع شروط الاحتلال.
بمثال بسيط: تنص المادة (٤٢) من اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام وقوانين وأعراف الحرب البرية على:
تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها
وبالتالي نلاحظ المادة توجب تحقق شرطين أساسيين لثبوت الاحتلال وهما:
١-شرط السيطرة 
٢- شرط القدرة على ممارسة الإدارة.
الآن وسنداً لذلك.. أليس من الطبيعي لتركيا أن تموّه هذين الشرطين بإحكام و تتحلل منهما .
وهذا هو تماماً ما تقوم به وتعمل عليه في عفرين عبر التفجيرات والاشتباكات من حينٍ لآخر في عفرين، لتظهر بمظهر أن الأمر والأوضاع خارجة عن إدارتها وسيطرتها وبأن الفصائل تتنازع فيما بينها على مناطق النفوذ. وبالتالي تكون قد حققت المراد بنفي اوصاف وشروط الاحتلال.
ليس هذا فحسب بل حققت بذلك أيضا جملة من اجنداتها بذات الحجر، والتي هي مثالأ: أنها تلك الفوضى الامنية والتفجيرات والاشتباكات تخلق لها الذريعة والوسيلة لأن تمارس عبر أدواتها القمع والاعتقالات بحق المدنيين سكان المنطقة بدواعي ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم، كما أنها ومن خلال مسرحيات اشتباكات تلك الفصائل فيما بينها تعطي انطباعاً بأن تلك الفصائل لا تتبع لها ولا تتلقى تعليماتها ولا تلتزم بأوامرها بدليل انها غير قادرة على ضبطها.
ناهيكم عن ان كل ذلك يحقق لها الخدمة الأهم والمتمثلة في حثّ السكان وارغامهم على ترك المنطقة وهجرانها نتيجة الفلتان الامني أو فقدان الأمان، وبالنتيجة تحقيق الغاية التركية الأبرز وهي مخططها في التغيير الديموغرافي ونزع الخصوصية الكوردية عن عفرين.
وهنا قد يتساءل البعض؟
بأن ضحايا تلك الأحداث هم نازحون عرب أو مستوطنون وعناصر مسلحة أيضاً وليس فقط السكان الاصليون.
نقول: نعم.. هذا صحيح ولكن ما الغريب في الأمر، ما زالوا من وجهة نظر واعتبار تركيا مجرد وقود لحافلة بلوغ أهدافها، وما زالت تركيا واثقة بأنهم غير قادرين على الخروج من عفرين و ما من مكان يخرجون اليه اصلا و مرغمون على تنفيذ الرغبة التركية في توطينهم و استخدامهم في التغيير الديموغرافي.
والآن ومقابل كل ما سبق اعلاه، ما هو دور الجهات والفئات التي تدّعي تمثيل عفرين ومواجهتها للمخططات والاطماع التركية إزاء كل ذلك وباختصار؟ 
في الحقيقة… ربما يكون الجواب صادما بعض الشيء إذا ما قلنا بأن دورها مساهمً وفي منتهى السذاجة وعدم المسؤولية للأسف.
بدليلين بسيطين نوردهما وهما: 
١-تصديق مسرحيات الاشتباكات والتهليل لها.
٢- تبني بعض تلك الجهات للعمليات داخل عفرين وتعظيم الغير لذاك التبني.
دون أن نسهو عن ذكر ما هم عليه أي تلك الفئة من خلافٍ وشقاق فيما بينهم في أحلك الظرف وأصعبها والذي لا يدل إلا على أنهم يفتقدون أدني شعور بالمسؤولية ومتطلبات المرحلة.
هذا ما استطعنا تبيانه كمركز قانوني وضمن اختصاصنا ونترك التحليل السياسي لأهله.
نرجو أن نكون قد قدمنا المأمول والمفيد قبل ان نترككم في رعاية الله وحفظه.
٢٩-٠٧-٢٠١٩
مركز ليكولين للدرات والابحاث القانونية. ألمانيا 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…