وجوه قامشلي التي لم تكنْها «في زيارتي السنوية إليها صيف 2019 » – 12

ابراهيم محمود
12- في معرض زانا قامشلي للكتاب :
كان معرض ” زانا ” للكتاب معرضاً للكتاب حقاً، وذلك من خلال نوعية الكتب المعروضة إجمالاً، بلغات شتى: كردية، وعربية، قبل كل شيء. ولعل أهم ما يمكن قوله بهذا الصدد هو أن الكتاب يشكّل شهادة حية على طبيعة المكان الذي يُسمى به، والزمان الذي يؤرّخ له.
سوى أن السؤال المطروح هنا، هو إلى أي درجة يمكن النظر في معرض كهذا، معرض موحَّد، لكنه انطوى على انقسامات/ تقسيمات لافتة من خلال الذين ظهروا في أجنحة كتبهم؟
لأكنْ صريحاً مع الذين كانوا معنيين بأمر الكتاب في عمومه، والذين شوهدوا معنيين بتسويق الكتاب، وآلية تسويقه، وطبيعة العلاقات القائمة، وقد زرتُه عدة مرات، حيث استمر ما بين 20- 25 تموز 2019، وأنا أقول بألم: ما أوسع الكتاب، ما أضيق المكان، إن جاز التعبير! وهنا تبرز مرارة الكتاب، مأساة الحرف وهو ينشد فضاء واسعاً، ومن خلال أهليه الحرفيين، وليس عبر بانوراما ذات طابع تسويقي إعلامي، كون نسبة ملحوظة من الذين انشغلوا بأمر الكتاب المعروض، لم يكن لهم أي صلة قرابة فعلية بمحتواه ، وهذا ما ينبغي النظر في حقيقته، جهة التعامل مع الكتاب، التعامل مع الكتّاب ومن هم في المكان، وتنوع أفكارهم، واختلاف كتبهم.
ثمة مساحة لا بأس بها، ضمت مجموعة كبيرة من العناوين، كما قلت، ومن حضروا مع أو من خلال كتبهم، قياساً إلى المكان، والسنة السابقة، وهي التي تحفّز كل ذي نظر ليتأكد من طبيعة العلاقات القائمة بين المعنيين بالكتاب، وموضعه، وعلاقات افتقرت إلى آلية الانفتاح المطلوبة.
أأشدد على الجانب الترويجي لمنظمي المعرض ودعويته، وهو الذي لا يجب أن يغفَل عنه، وبما أن المقصد هو كيفية التحضير لمجتمع ذي تعددية، مجتمع يشعر الجميع أنه يعنيهم ؟
ربما أتحدث هنا عن تجربة شخصية، تعنيني، وقد زرت المعرض مراراً. كنت متحفظاً، لأني على علم مسبقاً، بخاصية المعرض، سوى أنني أردت تأكيداً على ذلك. لم أشأ النظر في وجوه المتواجدين وراء ” قطاعات ” كتبهم، تبعاً لدور النشر وخلافها، إلا نادراً، انطلاقاً مما نوَّهت إليه، وهو الأرضية التي يقوم المعرض عليها. لم ألتق بأحد، وليس من أحد، أراد لقاء كهذا، وكما تفترض العلاقة الكتابية. ولعلي، فيما أشرت إليه، قد أثير حفيظةَ من لهم علاقة مباشرة بأمر المعرض، وهو ما أريده تماماً، وأعني بذلك، صفة المخاتلة. ولا بد أن هناك تحضيراً مسبقاً بالكيفية التي ينبغي أن يكون عليها المعرض، وحتى بالنسبة لأنشطته. أحدهم، وهو اسم له حضوره، تودد إلي، في اليوم، وكنت صحبة الصديق زيور حاجو، ورحب بنا اثنينا، سوى أنه في اليوم التالي، كان أقرب إلى السلبية، حيث كنت صحبة الصديق لوند داليني، ولا بد أن الجاري في الحالتين واضح. الأمر الذي دفع بي إلى تجاهله هو ومن كانوا يجالسونه في الأيام التالية، ومن باب الاضطرار، وهذا يدخل في صلب التسويق الإعلامي والمزاجية الموجهة .
فتاة/ آنسة، امرأة في مقتبل العمر، استوقفتني، راغبة في السلام علي، معلّقة، على طريقة تجوالي بين أجنحة المعرض، دون النظر يميناً ويساراً، وكنت واضعاً طاقيتي على رأسي. أعلمتها طوعياً، أنني لا أريد ملاقاة جل من جاؤوا باسم الكتّاب أو بوصفهم حرفيي الكتاب، لأن أغلبهم لا يستحقون تواجداً في مكان يضم إليه كتباً تعرَف بتنوعها،ويساء إليها استخداماً.
هل أسمي الجاري باسمه المباشر: غواية الإيديولوجية بتنوع مراتبها؟ ذلك بعد جلي يستحيل تجاهله، وهو ما يدفع بي إلى تأكيد مقولة رئيسة، أؤمن بها منذ عقود طويلة من الزمن: التعامل مع الكتاب، لا يتطلب التخوف من فكرته، أو مؤلفه، طالما أن هناك رغبة في التعلم، رغبة في الاستنارة، رغبة في تأكيد سلطة، تبقى في حكم الغياب، جرّاء المساحة المعطاة للكتاب.
ذلك ما يشكل بعداً مكانياً عاماً، فالتعامل، بالطريقة هذه، مع الكتاب، يتداخل بالتعامل مع قيمة الثقافة، وسمة الحرية، وفعل الإبداع، ومن يستحقون أن يكونوا مثقفين، مبدعين، أو كتاباً، بالحرف الواحد، ويتنفسون حيوية الكتابة وفعلها الذاتي، بالعكس، يحتفى بالمختلف فيها.
ما كتبته عن معرض كتاب زانا لهذا العام ، ليس من باب العتاب إطلاقاً، وإنما ملاحظة مباشرة من خلال رؤية مباشرة، تخص مجتمع الكتاب، ومن يودّون أن يكونوا بُناته،كما يستحق غدُه .
ملاحظة: الصورة ملتقطة في المعرض، مع الصديق الدكتور فرزند حمزة علي
……… يتبع
13- صيارفة قامشلي 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…