نقد أداء المجلس الوطني الكوردي أو التسليم بالأمر الواقع ….

قهرمان مرعي
مع اختلاف الثقافات يعتبر النقد في العرف الاجتماعي الشرقي ، انتقاصاً سواء تعرض له أشخاص بذواتهم أو هيئات بوصفها شخصيات اعتبارية ، لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها مظاهر المباهاة والوجاهة الشكليتين ، التي يتقمصها الشخصية الفردانية وفق سلوكياتها التربوية في المجتمعات التقليدية المتخلفة وبقائها أسيرة سطوة موروث الاستبداد المُشينْ للحاكم والمحكوم وفق سلّم التدرج الهرمي للطغيان ، أي التماهي التام بالمُتَسلِّط وهو ما  استدل عليه الدكتور مصطفى حجازي في كتابه ’’ سيكولوجية الإنسان المقهور’’ بأنه ” استلاب الإنسان المقهور الذي يهرب من عالمه كي يذوب في عالم المُتَسلِّط ، أملاً في الخلاص “. 
طبعاً على عكس المجتمعات الغربية أو الشرقية المتحضرة أو التي في طور التحضر والمدنية ، الخاضعة للقوانين والنظم واللوائح التنفيذية وهي مجتمعات حية ملتزمة بتنفيذ القانون طوعاً ، على اعتباره يمثل الفيصل المشروع الذي يَمْتَثِل له ويَحتكِم إليه جميع الأفراد بوصفهم متساوون في الحقوق والواجبات وإن مجرد التكليف بمهام ، ليست سوى مسؤولية إضافية ، تكون دائماً تحت منظار المجتمع من خلال سلطة الإعلام  الناقد والحر، على هَدي حركة تداول السلطة وسلاستها بوصفها وعياً وحضارة .
 و نظراً لتغوِّل الأشخاص المكلفين بمسؤوليات في الحزب السياسي الكوردي/ الكوردستاني ، إلى درجة التماهي مع المنصب ، ومع الزمن يتحول الأمر إلى وظيفة تَدُر على صاحبها مكاسب معنوية ومادية يستحيل الفكاك منها بالاحتكام للطرق الشرعية وهكذا تبقى بين الشد والجذب حتى يقع الخلاف وينتهي بالقطيعة والشقاق و ينسحب الوضع على المجلس الوطني الكوردي فإن إعادة هيكلة المجلس من خلال النظر في مكاتبه ولجانه ومعايير الاختيار وآليات الترشيح و تقييم عمل اللجان واستبدال أعضائها حسب الكفاءة والنزاهة ، دون تدوير المهام وفق المُحاصصة الحزبية ، قد يؤدي إلى زعزعة وجود المجلس بتشكيلته الحالية ، حيث انحصر عمل المجلس ونشاطه في إتجاهين متناقضين : 1) السعي الحثيث على الشراكة مع منظومة ب.ك.ك التي تحكم بعض مناطق غرب كوردستان بالتوافق مع النظام , بالرغم من اختلاف المبدأ حول حل القضية القومية الكوردية ومشروعها السياسي , وكان آخر المحاولات , ما سمي بالمبادرة الفرنسية ولاحقاً تناهت إلى الأسماع المبادرة الإنكليزية .؟ بينما جهود ممثلي المجلس مع الأمريكان من خلال زيارات القاعدة العسكرية في كوباني لم تسفر عنها نتائج ومن المفروض أن تَعُول عليها المجلس بشكل أساسي عل اعتبار أنها تتم بشكل مباشر مع أصحاب النفوذ و القرار في شرق الفرات .
2) رغبة المجلس الكوردي على البقاء ضمن الائتلاف السوري بوضعه الحالي، الذي يمثل جزء من المعارضة على خلاف زمن نشوئه ، يؤكد ذلك (عدم وجود المبرر) التمثيل الخاص الذي حصل عليه المجلس ضمن هيئة التفاوض كتحصيل متأخر، بفعل الامتياز الذي حصل عليه منصتي موسكو والقاهرة ، بحيث لم يعد وجود المجلس ضمن هياكل الائتلاف السياسية والعسكرية ذات مغزى ومن الممكن البحث عن شكل آخر من العلاقة خارج هذه التشكيلات بدءاً من الحكومة المؤقتة وما يسمى بالجيش الوطني ، تكون تطوير الوثيقة السياسية الموقعة بين الطرفين أساساً لتجديد العلاقة من عدمها، علماً أنه لا يوجد للمجلس أي جهد عملي معلن في هذه المؤسسات التي أصبحت رديفاً للاحتلال التركي وما حدث ويحدث في عفرين لها دلالات قد تتكرر في مناطق أخر من غرب كوردستان ( الجزء الكوردستان الملحق بالدولة السورية) .
جهود ممثلي المجلس ولجانه في الفترة الأخيرة كانت محل انتقاد من مختلف الأطراف والشخصيات، سواء من داخل المجلس أو خارجه وخاصةً إن معظم الممثلين من متبادلي الأدوار أو محتكري المنصب لأسباب تعود بالأساس إلى الشراكة الحزبية المهيمنة ولاعتبارات داخلية بكل حزب حسب حجمه العددي ، حيث تضاربت المصالح و تعددت التنظيمات في الداخل والخارج والجوار وتلونت بطابع المكان، حيث تعاني غالبيتها أزمات تنظيمية بنيوية، تعصف بها رياح الصراع السلبي والتنافر.
وكان لحضور ممثلي المجلس في إطار وفد الائتلاف المشكَّل أساساً من ممثلي الفصائل العسكرية التي تتبع تركيا،محادثات استانا /13 (روسيا، تركيا، إيران ) و التي تسعى جميعها بتحقيق مصالحها على حساب الشعب السوري بالمقايضات وتبادل المنفعة وما جرى مؤخراً لممثلي المجلس الاجتماع مع الفصائل العسكرية التي شاركت الجيش التركي في احتلال عفرين في إطار زيارات وفود الإئتلاف إلى ما يسمى بالمناطق المحررة , ترك الأثر السلبي على الرأي العام الكوردي، مع رافقه من تصريحات تؤكد ردود الفعل بدلالة أفاعيل منظومة ب.ك.ك وتعاملها مع غاصبي كوردستان على حساب قضيتنا القومية ولم تَبدُر من المجلس في اجتماعاته، ما يفيد ذلك وتم التعمية على مثل هذه المواقف بالإشارة إلى ما يدور الحديث عنه بخصوص المنطقة الأمنية التركية ( المنطقة الآمنة) . طبعاً هذا لا يعني الركون إلى الانعزالية وعدم التعامل السياسي مع مختلف الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية على مبدأ تحقيق المصلحة العليا للشعب الكوردي .        
ـ مقررات استانا 13 شهر آب/2019 ـ الفقرتين  4ـ5) ” ….ناقشت الدول الضامنة الوضع في شمال شرق سوريا من خلال الحفاظ على وحدة أراضي سوريا واحترام سيادتها   ورفضت كل المحاولات لإيجاد واقع جديد على الأرض بذرائع مكافحة الإرهاب بما فيها مبادرات غير شرعية للحكم الذاتي وأبدت الدول عزمها على الوقوف في وجه المخططات الانفصالية (إنشاء كيانات انفصالية) الرامية لتقويض السيادة السورية وتهديد الأمن القومي للبلدان المجاورة ….”
وكذلك كانت زيارات لجنة العلاقات الخارجية إلى كل من روسيا وأمريكا محل جدل على الأعلام ولم يفلح أعضائها بالدفاع عن مواقفهم التي لم تتعدى عن كونها مجرد زيارات علاقات عامة ، باستثناء تذكير تلك الجهات بدعم جهود ممثلي المجلس الكوردي في أعمال اللجنة الدستورية المُرتقبة ، أوما يتعلق بالاستفسار عن شكل المنطقة الآمنة التي هي طي السرية في أدراج مكاتب المسؤولين العسكريين في كل من تركيا وأمريكا .
أما بخصوص زيارة هيئة رئاسة المجلس إلى ألمانيا ، في نهاية الشهر الفائت /آب واجتماعها مع الخارجية الألمانية في برلين ، دون بيان مستوى الموظفين المضيفين ، فمن جملة ما تم نشره على موقع المجلس (… وبيّن المجلس لرؤيته للمنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا , مؤكداً أن تكون تحت إشراف دولي ….) .
السؤال الجوهري هنا، هل طلب الوفد من الطرف المقابل ، دعم الحكومة الألمانية عبر عضويتها الغيردائمة في مجلس الأمن خلال الفترة (2019ـ 2020) لتبني هذا التوجه وتقديم مقترح إنشاء منطقة آمنة تحت إشراف مجلس الأمن الدولي ونحن نعلم بأنه من المستحيل أن لا يصطدم بالفيتو الروسي ولو تقدمت به معظم الدول الدائمة، فما بالك بدولة تمثيلها مؤقت، ولكن السؤال هنا موجه للمفاوض الكوردي ، هل ذكَّرتم  مستقبليكم بالدور الألماني ،فيما إذا كانت هناك نية في المساعدة ولو لمجرد توصية ، بناءً على طلب المجلس الوطني الكوردي ، تُدْرَج ضمن ملفات مجلس الأمن، علماً أن مثل هذه الأسئلة قد تعطي انطباع أكثر إدراكا بعدالة القضية ومصداقية الطرح للطرف الذي يشاركك الطاولة ونحن نعلم بأنه ليس بإمكانهم الجواب المباشر، فهل ترك الوفد أجوبة معلقة ينقلها ممثلي الخارجية الألمانية  إلى وزارتهم وحكومتهم أم كان مجرد استئناس لمجمل المواقف والرؤى والآمال التي ينشدها كل كوردي و كوردستاني هائم على وجه في الجهات الأربع وهذا الأمر ينسحب على وفد العلاقات الخارجية إلى كل من روسيا وأمريكا .
الملاحظ لا يوجد تنسيق بين ممثلي المجلس وهذا بادٍ من تصريحات البعض منهم ، بأن المجلس لا يقوم بالدور المطلوب منه ، سابقاً ما حصل لـ عفرين وحالياً ما يتوقع أن يحدث لـ شرق الفرات.؟ هذا يعني بأن المجلس بحاجة إلى إعادة الثقة بين أطرافه وبالتالي لدى مناصريه وجماهيره وهذا ما يؤكده واقع الأمر بأنه لم يخرج بنتيجة تفيد واقع الحال الذي يعيشه أبناء الشعب الكوردي ، ونحن منذ ثماني سنوات نعيش حالة التناحر بين مختلف الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية ، على أمل أن يتحقق لنا عدالة في الحقوق فاصحبنا نواجه صراعاً على الوجود . 
 الشكر والتقدير للجهود المخلصة لكل فرد من أبناء وبنات الشعب الكوردي ، يساهم في فتح آفاق الحل لقضيتنا القومية الكوردسانية  بوعي وإدراك لخطورة المرحلة ويسعى لحشد الدعم لحقوقنا المشروعة و يبقى درجة إتقان الأعمال والأمور في مجملها نسبيّة ولا يوجد شي مطلق في نشاط وحياة الإنسان بوصفه فرداً وبالمقابل لا يُستهان بالفعل الجماعي القائم على المشاركة والمشورة ، التي تُقرِّر مصير شعب .
 في 15.09.2019

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…