ماجد ع محمد
لا أدري لماذا مشهد إعلاء شارة النصر التي رفعها البعض من أهالي منطقة عفرين المهجرين إلى مقاطعة الشهباء بريف حلب، الذين رفضوا المساعدات الغذائية التي جاءت لتقدمها لهم القوات الروسية يوم الاثنين الواقع في 17/9/2019، أخذني كالسهم من تلك البراري إلى رياض تغريدات الكاتبة السورية نوال شق، التي كتبت عن “شارة النصر”، ليس كإشارة معبّرة عن النصر، إنما كتعبير عن حالة خاسرٍ يصر على تقديم نفسه كرابح من خلال علامات الجسد، وذلك بقولها: “لا أثق بإشارة النصر، فالإصبع الوسطى المنبوذة اجتماعيآ دعت جارتها السبابة للوقوف بجانبها في مشهدٍ مسرحيٍّ كاذب”،
وحيث أن أوهام الإنتصار من خلال شارة الأصابع ما تزال حاضرة لدى من خسروا بيوتهم وأملاكهم وحتى مواشيهم؛ ورغم الشك بالذي دفع الناس للتظاهر هناك بأنه مشاركٌ أصلاً في حبك اللعنة، إلا أنه ما من قرائن إلى الآن تؤكد بأن غباء قيادة ذلك الحزب أو تورطها المباشر كان وراء الذي جرى لأهالي عفرين.
علماً أن الجهة التي حرّضت الأهالي أمس في مقاطعة الشهباء للتظاهر ضد القوات الروسية بدعوى أن روسيا سلّمت منطقة عفرين لتركيا مقابل تكفل تركيا بإقناع الفصائل في الغوطة الشرقية للإنسحاب إلى الشمال السوري من أجل إخلائها لقوات النظام وهو الذي حصل، وحيث كان بمقدور تلك الجهة التي تسببت بخراب عفرين من خلال جر المعركة إليها، تجنيب أهالي المنطقة النزوح والتهجير من خلال إنسحاب مسلحيها إلى نفس المنطقة التي يقبعون فيها الآن!! وكان من الممكن جداً لـ: (PYD) القول للناس آنذاك بأنهم غير قادرين على مواجهة أكبر قوة لحلف الناتو في الشرق الأوسط، لذا لزم الأمر الإنسحاب عوضاً عن التسبب بقتل الناس وتدمير بيوتها.
ومن جانبٍ آخر فلنفترض جدلاً بأنه كان هناك اتفاق بين الأطراف الأربعة أي النظام وروسيا وتركيا و(PYD) بإعادة المنطقة لاحقاً إلى حضن نظام الأسد، ولكن عبر مسرحيات دامية، وبعد تحمل عشرات الآلاف من المهجّرين قساوة ظروف المخيمات، وكذلك الأمر تجرع المتبقين من أهل المنطقة في بيوتهم الذل على يد عناصر وقادة بعض الفصائل الذين حاربوا الكرد قبل الثورة بسلاح نظام دمشق، ومن ثم حاربوا ويحاربون الكرد في الوقت الراهن بسلاح تركيا، وطبعاً بدعوى محاربة (PKK) وهي الذريعة التي كان النظام يعتقل الكرد من خلالها قبل الثورة، واليوم يتم محاربة الكرد أيضاً من خلال نفس الذريعة ولكن هذه المرة على يد أدوات تركيا من السوريين.
على العموم فبما أن الرسائل الإعلامية المكررة عن موضوعٍ محدَّد وفي فتراتٍ محددة لا تأتي من فراغ، لذا فمراقب الخطابات والتصريحات المتعلقة بعفرين وأهلها يتذكر بأنه كان هناك ما يشبه التناغم بين وسائل إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلام الدولة التركية بخصوص مكونات منطقة عفرين، ومع أن تركيا بناءً على الأرشيف العثماني تعي جيداً بأن عفرين منطقة كردية شبه صرفة، ومع ذلك كان إعلامها قبيل غزوة عفرين وحينها يكرر جملة دائمة عن مكونات منطقة عفرين!، كما روّج لنفس تلك الديباجة إعلام أصحاب النظريات الإيكولوجية والأمة الديمقراطية، علماً أن عفرين لا تركمان فيها ولا سريان ولا آشوريين، وأغلب الأخوة العرب فيها جاؤوا بفضل الإحصاء الاستثنائي لحزب البعث العربي الاشتراكي، كخطوة أولية لتعريب المنطقة تماشياً مع نظرية “محمد طلب هلال” التي تبناها ومارسها عملياً حزب العفالقة، وبما أن عفرين لا تعاني من الاختلاط السكاني فيشير نشطاء ومثقفو المنطقة إلى أن التصريحات الخبيثة للساسة قبيل غزوها كانت آتية من باب تثبيت دعائم نظريتهم حول مكونات المنطقة، فيروجونها أولاً ومن ثم يسعون لتطبيقها لاحقاً، وذلك لإحداث تغيير ديمغرافي بما يتوافق مع أهداف ومزاج كل الحالمين بالتغيير الديمغرافي، طالما أن النظام السوري كان البادئ بتنفيذ مخطط الحزام العربي الذي قررته الحكومة السورية في عام 1965 بهدف تفريغ منطقة الجزيرة أو محافظة الحسكة من السكان الكرد الأصليين وتوطين أسر عربية بدلاً عنهم؛ وهو ما يتماشى مع رغبات تركيا، وحيث تشير الوقائع منذ عدة سنوات إلى أن تركيا لا يقلقها شيء من كل ما يجري في سورية من قتل وتهجير وخراب ودمار أكثر من قضية الكرد الذين زرعهم الله على غفلةٍ منها وبدون مشاورتها على طول حدودها المقدسة.