أبعد من حدود الأرقام

إبراهيم محمود
نسمع عن أعداد الضحايا جرّاء العدوان التركي العصري، نسمع عن الجرحى، أو المصابين. إن كل رقم يقدّم هو دون الحد الأدنى، وبكثير، مما هو عليه في الواقع. أبعد من كل رقم عن الضحايا الفعليين، والمصابين الفعليين. هناك ملايين الناس، والكرد في الواجهة، مشروع موت هذا العدوان، ومن يتابع العدوان، ويمتلك القوة بالمقابل، من يتفرج على العدوان، ويكتفي بالتنديد من القوة المتنفذة في العالم. فالصور تقول شهادتها، وليس كل ما يجري على الأرض، يتم تصويره، ونقل صورته إلى الشاشة. 
حتى الصورة الواحدة لا تقول حقيقة ما يراد بثه فعلياً، وإيصاله إلى الرأي العالم العالمي، وما دون العالمي. كل صورة أبعد من حدود أي رواية يمكن أن تُكتب اليوم أو غداً أو بعد غد. للموت أكثر مما هو عليه في مفهومه الفعلي. الملايين يعيشون حالة الموت، وهم لا حول لهم ولا قوة، أمام جبروت الطيران التركي المتعجرف، وطغيان آلة الحرب التركية، وهول الجاري إعلامياً، وكيف يجري تصوير الجاري تركياً بوصفه حرباً مقدسة، وأن في قتل كل كردي أولاً، وغير الكردي، حسنة عصرية، حداثية وما بعد حداثية في منطق الإعلام التركي المعهود المتفشي مجرثماً ، ووجدان التركي المعهود.
وراء كل لحظة تمر، ثمة ميتات رمزية، جرّاء رعب الأطفال، الأمهات على أطفالهن، الآباء الذين يستشعرون تقييداً لحواسهم وحركاتهم، لرجولتهم، أو قواهم، أو أبوتهم، وهم مجتاحون من عدوان يستهدف كل أخضر كردي وغير كردي .في ظل كل صرخة خوف، أكثر من موت مرافق، مع كل تخوف موت وشيك، في ظل كل ترقب ، معايشة موت قائم. من يمكنه الآن إحصاء الميتات إذاً؟
من يعيشون الموت الذي يتنقل بين الأمكنة، البيوت، داخلها، في المحلات، في الطرقات، في الساحات، وليس من ضمان لأي منهم، بأنه لن يكون الضحية التالية، أو المصاب التالي. هوذا الهدر المريع الشنيع. ميْت من لم يمت، مصاب من لم يُصَب واقعاً. فمشهديات التهديد والوعيد تعني إمكان القضاء على أي كان، لو سنحت الفرصة، إمكان تجريد أي كان من روحه، وما ملكته يداه، وما له من مال وممتلكات.
 أي اعتبار لكل هاتيك الأرقام، وهذه القوى التي عهدت في نفسها حتى الآن، وعلى مستوى العالم، تشغيل آلة حربها المصنعة، وأحقادها الهمجية، ورؤية حصاد قواها الحية والمدمرة للآخرين: الملايين بالجملة، والكرد أمة معدَّة لصنوف إبادة شتى ؟؟!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…