إبراهيم محمود
لم يكن وزير الخارجية الحالي، ومدير وكالة الاستخبارت الأميركية سابقاً: مايكل بومبيو، في لقائه بناشطين وناشطات، صحفيين وصحفيات في الكونغرس الأميركي، يتوقع أن ناشطة إيطالية، وهي تتقدم منه، وتحمل بيدها علبة مغلفة، ظناً منه أنها هدية قيّمة، فيفرح لها، ويرحّب بها أمام أجهزة التصوير المباشرة، فتمدها إليه، وهي تخاطبه: خذها إنها طعام الكلاب. الكلاب أوفى منكم، لأنكم تخليتم عن الكرد.
ليس المهم، ما جرى عقب ذلك، وقد تم إخراجها من القاعة، إنما ما يتضمنه هذا الموقف من جرأة استثنائية، لا بد أنها صدمت المسئولين الأميركان قبل غيرهم، وأُرّخ لها في الحال، ولم يعد في مقدور أي جهاز مراقبة محْو هذه اللحظة الانعطافية، وقد تأرشفت في ذاكرة الكاميرا، وحُوّلت إلى الخارج مباشرة، لتصبح تعرية للموقف الأميركي في شخص قامة دبلوماسية عالية المستوى. وحتى لو أن إدارة الفيسبوك شددت على الحيلولة دون حفظ المقطع، إلا أن هناك من حفظها، ولا بد أنه سيبثها هنا وهناك. وبذلك، تمارس- أحياناً- لحظة غير متوقعة، تغييراً في تاريخ دبلوماسية لدولة عظمى، وهي ” أميركا ” هنا. أي ما ينصب على إرادة المجابهة، ومما لم يكن متوقعاً، ومن ناشطة إيطالية، وهي تناصر الكرد، أي، وهي تترجم ضميراً حياً، تجاه هذا السفور الأخلاقي العالمي، والأميركي في الواجهة، وهي تتذكر، كما هو متوقع كذلك، ما بذله الكرد بدمائهم وبسالتهم من أوجه مقاومة مستميتة ضد الغزو الداعشي.
لا بد أن مقطعاً كهذا، يتم تداوله، أو التوقف عنده، بتكرار مشاهدته، وسماع ما يجري، وأمام الملأ العالمي بالصوت والصورة، في موقف لا يحسَد عليه وزير في مقام بومبيو، الذي لا أعتقده سينساه مدى دهره أو عمره، ولا رئيسه، ولا مجلس شيوخه، أو بنتاغونه ، في عنف دلالته وصرختها.
الكلاب أوفى منكم! تلك هي زبدة الكلام! جملة أطلقت، وأسمعته إياها هذه الناشطة، لينقلب ضحكه صدمة، وصدمته خذلاناً، وخذلانه هزيمة بأكثر من معنى.
أي إجراء يتخَذ لا جدوى منه. سوف تبقى صورة الكلب، عالقة في ذهنه، هو وغيره.
الكلاب لا تنسى أصحابها، إنها تحمل ذاكرة شمّية قوية تبقيها على تماس طويل الأمد معهم، عدا عن ذاكرة النظر، تأكيداً على حس الوفاء، وجميل الإخلاص.
لا أحد يستطيع التأكيد على أن الأميركان في تاريخهم المديد، قد جسّدوا وفاء للآخرين، في أحادية سلوكياتهم، فالبراغماتيكية تترجم سلوكاً انحرافياً، زئبقياً، ومكراً قاتلاً، وللكرد أكثر من لدغة تاريخية منهم هنا .
لا يمكننا القول هنا، أن موقفاً مباغتاً كهذا، سوف يغيّر في سياسة الأميركان ” عديمي الوفاء ” تجاه الآخرين، وللكرد، خصوصاً، وإنما، سيثبت حقيقة، وهي أنه إذا لم يكن في مقدور من تعرض لغدر أميركي، الرد عليه بالمثل، فإن الممكن هو التأريخ لغدر كهذا، وطبعة الغدر الأميركية، كما هو معلوم، ليست كأي طبعة غدر أخرى، من أي جهة أخرى.. بوركت يا إيطالية !