عدنان بدرالدين
من أوصل كردستان الغربية إلى هذا الحضيض الذي يتمرغ فيه ما تبقى من شعبنا فيه في خوف وذل وهوان؟ من جعل المهاجر مأوى لأكثر من مليون من أبناء هذا الشعب، جلهم من الشباب وأصحاب الكفاءات؟ من قدم كل كردستان الغربية لجماعات عبدالله أوجلان بالجملة، لتتولى هي بعد ذلك توزيعها بالمفرق على الأصحاب والخلان من الترك والعربان؟ من أعطاهم الفرصة أصلا لكي يتنمروا على هذا الشعب ويعاملوه بطريقة أسوء من أسوء إحتلال؟ هل قيادة كردستان العراق بريئة تماما من مسؤولية الكارثة الحالية التي تنذر بضياع شعب وقضيته…
ربما إلى الأبد؟ هل غسلت أربيل، وهي الأمل الوحيد الذي تتعلق به أنظار ملايين الكرد وقلوبهم في كل مكان يتواجدون فيه، هل غسلت يديها تماما من القضية الكردية في سورية ياترى؟ السيد نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم ينصح كرد سورية، بمن فيهم “جماعتنا” التي لا يتذكر حتى إسمها، ينصحهم بحل مشكلتهم في دمشق، فهل يتوقع السيد الرئيس أن تستقبلهم “قلب العروبة النابض” بالأحضان؟ هل ستتمكن تركيا من تنفيذ مخططها بإنهاء الوجود الكردي فيما تسميه شمال وشمال شرق سورية عبر إحتلال المنطقة وإسكان ملايين المهاجرين العرب فيها وبتمويل من الأمم المتحدة كما تأمل؟ هل خانت أمريكا جماعات عبدالله أوجلان حقا؟ وهل يتوقع أن تلعب روسيا دورا إيجابيا في إيجاد حل معقول للقضية الكردية في سورية؟ ماهو مستقبل القضية الكردية عموما في ضوء الشلل شبه التام للحركة السياسية في كردستان في مواجهة التحديات الوجودية التي باتت تدق على الأبواب، والتي يبدو أن محنة كردستان سورية الراهنة هي أول فصولها؟
من سلم كردستان الغربية للأوجلانيين؟
الرواية الشائعة تقول أن السيد جلال الطالباني، رئيس جمهورية العراق السابق، والزعيم التاريخي للإتحاد الوطني الكردستاني، قام بالتوسط بين حزب أوجلان ونظام دمشق، بدافع رد للجميل لعائلة الأسد على “إحتضان المعارضة العراقية أيام سلطة النظام البائد” . وبحسب ذات الراواية فقد إتفق الطرفان برعاية طالباني على نشر الآلاف من مقاتلي حزب العمال الكردستاني في مختلف مناطق كردستان الغربية، لحماية مؤسسات السلطة، وآبار النفط إلى حين” إنتهاء العاصفة”، أي ثورة الشعب السوري ضد طغيان آل الأسد، وذلك قبل أن تخطفها جماعات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين وفلول البعثيين ويصبغوها بطابع شوفيني وطائفي مقيت. نحن لا نشكك في هذه الرواية، ولكنها تقدم قسما فقط مما جرى فعلا. إننا نستبعد، وهذا رأي شخصي يحتمل بالطبع الخطأ والصواب، أن يقدم رجل بخبرة الراحل طالباني وموقعه، يعرف جيدا السير في الحقول الملغمة، نستبعد أن يكون قد أقدم على عمل خطير مثل نقل الآلاف من مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى سورية بدون الحصول على موافقة، أو على الأقل التشاور مع جهات عديدة مثل إيران والحكومة المركزية في العراق وتركيا التي تعتبر حزب أوجلان خطرا على أمنها القومي، وأيضا حكومة إقليم كردستان العراق، وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الدعامة الرئيسية للإقليم الكردي شبه المستقل.
الأحداث اللاحقة للدخول العنيف لمقاتلي حزب العمال الكردستاني في اللوحة السياسية في سورية تثبت وجاهة الرأي الذي نتبناه، إذ لم تعارضه فعليا أية جهة: إيران والحكومة التابعة لها في بغداد باركتا بصمت الخطوة لأسباب مفهومة، مع وجود إحتمال كبير بأن يكون عامل البناء السابق والجنرال الحالي قاسم سليماني صاحب الفكرة. تركيا لم تبد أي إعتراض، بل أنها إستقبلت السيد صالح مسلم رئيس فرع حزب أوجلان السوري آنذاك بحفاوة صاخبة، أما كردستان العراق فقد بدى كما لو أن موافقته كانت مشروطة بعدم تفرد جماعات أوجلان بالقرار الكردي السوري.
ولكن مالذي دفع هذه الأطراف المتعددة المشارب والمصالح للتوافق على قضية خطيرة كذلك؟ الواقع أنه كان لكل واحدة من هذه الجهات والأطراف دوافعها الخاصة. النظام السوري كان يبحث عن جهة موثوقة بها لتسليمها بعضا من مهامه في كردستان سورية مؤقتا، فكان حزب العمال الكردستاني حليفه لمدى عقدين من الزمن الخيار الأمثل، خاصة وأن ذلك لن يكلفه الكثير، إذ لم يعتذر ممثل النظام في لقاء السليمانية آصف شوكت لا عن طرد أوجلان من سورية، ولا عن إعتقال وتعذيب وقتل العشرات من كوادر الحزب في سجونه وتسليم آخرين منهم لتركيا، كما أنه رفض الإعتراف بفرعه السوري، أو إلغاء إسم حزب العمال الكردستاني من لائحة نظامه للمنظمات الإرهابية، ناهيك عن الإقرار بأية حقوق للشعب الكردي الذي تزعم جماعات عبدالله أوجلان بأنها ممثله الوحيد. ولا حاجة هنا للتذكير بدعم إيران ومن وراءها حكومة بغداد التابعة لها لهذه الخطوة، نظرا لأن نظام الأسد يشكل ركنا أساسيا من أركان سياسة طهران التوسعية والإرهابية في المنطقة والعالم.
تركيا رأت على الأرجح في نشر مقاتلي حزب العمال الكردستاني في كردستان الغربية إستدراجا لهم لمصيدة محكمة على إعتبار أن التعامل معهم عسكريا في بيئة جغرافية غير محصنة وضيقة سيكون أسهل بما لا يقاس مقارنة بالساحات التقليدية المترامية الأطراف وذات الطبيعة الوعرة التي درج الحزب على العمل فيها، علاوة على أنها وجدت فيه أيضا فرصة ثمينة لبث الفرقة والتناحر داخل الحزب، وذلك بوضع تيار زعيم الحزب عبدالله أوجلان الموالي لتركيا في مواجهة تيار قنديل السائد والموالي لإيران، وضربهما بعضا ببعض.
أما دوافع قبول كردستان العراق المشروط بإقحام الآبوجيين في اللوحة السياسية لكردستان الغربية، وتعامل الإقليم مع تداعيات هذ التدخل الذي أسس للكارثة الحالية التي يمر بها هذا الجزء من الوطن المقسم فهي موضوع الحلقة التالية من هذه الدراسة الموجزة.
للبحث صلة