د. ولات ح محمد
لطالما كانت قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتصرفاته محل استغراب واعتراض وإدانة حتى من قبل أركان إدارته ومن أعضاء حزبه أنفسهم. كثيرون ربطوا ذلك بشخصية الرجل غير التقليدية وآخرون عزوه إلى عدم امتلاكه الخبرة السياسية الكافية لإدارة دولة بحجم أمريكا. من هذه الزاوية كان قراره بخصوص العملية التركية العسكرية في الشمال السوري ومن ثم سكوته عن الجرائم التي ارتكبت هناك مثار جدل واسع أمريكياً ودولياً. التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً عن الأصهار الثلاثة قد يكشف السر الذي يقف وراء محاباة ترامب لأردوغان ويقدم تفسيراً لكل ما حصل.
كشفت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً عن وجود علاقة نفعية تجارية قوية بين ثلاثة أصهار قد تكون هي سر العلاقة الطيبة (النفعية) بين ترامب وأردوغان وسبب سكوت الأول عن تجاوزات الثاني وجرائمه، إذ تحدثت الصحيفة في تقريرها عن وجود علاقات عمل بين كل “من صهر ترامب ومستشاره (جاريد كوشنير) و صهر أردوغان ووزير ماليته (بيرات آلبايراك) و(محمد علي يالجينداغ) صهر رجل الأعمال التركي الكبير آيدين دوغان وشريك منظمة ترامب للعقارات”. وأضافت الصحيفة أنه “من خلال العلاقات غير الرسمية لهؤلاء الأصهار الثلاثة تدار العلاقات بين أمريكا وتركيا، فما يعجز عنه الوزراء ينجزه هؤلاء، ولا أحد يدري بذلك”.
هذه العلاقة بدأت (حسب التقرير) قبل عشر سنوات عندما دعا محمد علي يالجينداغ كلاً من ترامب وإيفانكا لزيارة إسطنبول وبناء برجين تجاريين، المشروع الذي تم إنجازه بالفعل، والذي تتقاضي عليه عائلة ترامب من يالجينداغ عشرة ملايين دولار سنوياً. يالجينداغ هذا (حسب التقرير) يلتقي ترامب وإيفانكا على الأقل ثلاث أو أربع مرات في السنة.
إن معرفة مثل هذه المعلومة (علاقة الأصهار) إضافة إلى كون ترامب رجل تجارة وليس رجل سياسة قد تكشف أحد أسباب القرارات الغريبة المفاجئة التي يتخذها سيد البيت وتصب في مصلحة أردوغان وتكون في الوقت نفسه مثار استغراب من أركان إدارته (واستقالات أحياناً) واستنكار من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، والتي كان آخرها قراره الفردي بالسماح لأردوغان باجتياح جزء من الشمال السوري وتهجير سكانه وسط إدانات أمريكية وعالمية واسعة.
هذا الأمر قد يكشف أيضاً عن أحد أسباب سكوت ترامب عن عدم التزام أردوغان باتفاق وقف إطلاق النار في الشمال السوري الذي أبرمه مع الجانب الأمريكي، سواء لجهة المسافة المتفق عليها (120كم) أم لجهة جرائم الحرب التي ارتكبها جيش أردوغان وميليشياته هناك واستخدامه السلاح الكيميائي. تلك التجاوزات التي قام ترامب بتغطيتها بقوله “إن وقف إطلاق النار يسير بشكل جيد”.
إن مثل هذه العلاقة المصلحية التجارية بين الأصهار الثلاثة (وهي مصلحة للرئيسين أيضاً) قد تكشف أيضاً أن التهديدات التي يطلقها ترامب بحق أردوغان هي فقط لذر الرماد في عيون ملاحقيه، إذ تتوقف تلك التهديدات دائماً عند حدود اللغة دون أن تتجسد في إجراءات فعلية ودون أن تجعل أردوغان يشعر بالخوف من العقوبات الأمريكية المحتملة. وبالنتيجة يفسر كل ذلك سر اطمئنان أردوغان وتحدثه بهذا الصوت العالي عن إصراره على العملية العسكرية وعدم توقفه عند حد معين.
قد يكشف هذا الأمر أيضاً أنه لولا معارضة المؤسسات الأمريكية من كونغرس ومجلس النواب ولولا ضغط الصحافة والموقف الأوربي والدولي عموماً لذهب أردوغان (المطمئن والمسكوت عنه ترامبياً) إلى أبعد مما فعل، ما دام نظيره في البيت الأبيض قد حوّل بلاده إلى شركة مقاولات تجلب الأرباح له ولعائلته حتى وإن كان على حساب أرواح الناس ودمائهم وممتلكاتهم وتهجيرهم عن جغرافيتهم التي هي أغلى على قلوبهم من كل عقارات ترامب وأردوغان وصهريهما مجتمعين.
إذا كان الحديث حول أهلية الرئيس لمنصبه قد بدأ منذ فوزه المشكوك فيه في الانتخابات قبل ثلاث سنوات (بمساعدة روسية)، وإذا كان يواجه الآن اتهاماً بمحاولة تقديم “رشوة” لأوكرانيا للفوز بالانتخابات المقبلة، فإن حكاية “الأصهار الثلاثة” قد لا تكون آخر هذه الفصول الترامبية وقد يكون ما خفي منها عن الناس أعظم.