إبراهيم اليوسف
إن عنواناً كهذا- الكرد يهزمون ترامب؟! – سيبدو استفزازياً، مبهماً، لأول وهلة، إذ كيف يمكن الجمع بين طرفين متناقضين: أحدهما يمتلك مفتاح القنبلة الذرية، أو الإبادة الشاملة للعالم، والآخر لا يملك حتى حريته المتوخاة التي لما يزل منذ قرنين زمنيين يسعى لنيلها، وذلك ضمن معادلة واحدة، لاسيما إذا تمت شخصنة المعني بذلك: الكردي فرداً، أو مؤسسة، جهة. اتجاهات في جهة…!، في مرحلة ماقبل تكوين: دولته القومية، ولا أقول: كيانه، وهو يرابض في خط النار الأول، في وطن من صفيح ملتهب، بينما- في المقابل- رئيس أزعر، ابتليت به أمريكا والعالم، ويقال: أنه نتاج أول حنجلات رقصة الاستقراء العولمي للمشهد السياسي العسكري الدولي.
أعرف أن ثمة ماقد يدعو للسخرية: بدءاً، أمام هذه الطروحات، الرومانسية، أو السوريالية، وهوما تعوزه معاينات متعددة لمقدمات متعددة، حتى يمكننا التسامح مع النتيجة التي يرمى إليها هكذا عنوان، صادم، لطالما إننا لسنا أمام عنوان قصيدة عبثية، ولاعنوان لوحة لتشكيلي ما بعد حداثي، وإنما هي أسرودة- فحسب- لنقل أنها امتداد لكاريكاتيريات أطروحات الرئيس الأمريكي ترامب، في متناقضاته، وآرائه الزئبقية، الوحشية، أحاول شخصنتها من خلال مقاربة شخصية، ليس غرضها إلا استحثاث من أوجه إليهم الخطاب- أولاً- لفائدة أتوخاها، نتيجة مقتضى واقع الحال إزاء الدائر علينا، ومن حولنا، لاسيما بعد لعبة بعض قادة الأسرة الدولية:روسيا-أمريكا، وهم ينصاعون لأخطوطة أضغاث أحلام لدى الرئيس التركي أردوغان، ليبثوا فيها الروح، والروع، ويكون الضحية في النهاية، أو البدء: الكردي. الكردي الأضحية، المستدامة، منذ أجلٍ مسمى، وإلى أجل مسمى، أجلٍ راهن، لاسيما منذ أن قيض للغرب أن يكون راسم خرائط الشرق الأوسط، وفق إيقاع قراءات غبية، أرسى لها سايكس بيكو1916- لتكون إنجيل هذا الغرب الذي يمسرح هذه الجهة كي تكون مقبرة مفتوحة، من دون أن يخيل إليه: إنها مقبرة صورته!
ماسبق من كلام ليس إلا بعضاً من توصيف الحال. حال المنطقة. حال كرد المكان المصلوب، في أربع جهاته، أويزيد بموجب بعضهم، وقد قرعت أجراس الخطر على عوامنا وخواصنا. على أشجار زيتوننا وحقول حبوبنا وأقطاننا. على أنعامنا وإبلنا ودواجننا وأطيار سمائنا، وزواحف أريافنا ومدننا، بحيث يكاد ألاينجو كائن أو حتى حجر أو ذرة تراب من المخطط الرهيب الذي يدعو أحرار العالم للاستغراب من تخاذل قادة أسرته. أسرة العالم، لأن الخدعة التي تتم، أو تمت تجاوزت حدود الواقع إلى فانتازياها التي تحرك الكرة الأرضية على إيقاع إلكتروني لتغريدة غبية، مايدفع للنفير والنفيرالمعاكس، من دون أية حرمة لناموس، أوقيم!
وفق الموازنات الماثلة أمام العين لم يكن ليصدق مطلع. أي مطلع، أن يكون بيع الكردي في المزاد الأممي بهذه السهولة، لاسيما بعد معجزة بطولاته التي حققها في صنع هزيمة داعش، وحتى مقتل البغدادي الذي لولاه لما تيسرالأمر بهذه السهولة، لأنه لعب دوراً محورياً في مرحلة التمهيد لهذه العملية الدولية، باعتباره- خليفة الإرهاب- بل ما بعد الإرهاب، كما سَمَّيتُ تنظيمه، في بعض من المقالات التي تناولته فيها. عظمة شأو الكردي- هذه- رفعت من وتيرة التآمرعليه. وتيرة الخوف من دوره، من قبل من يضمر في داخله- النسخة الأصلية من خليفة داعش- بل ذلك الذي غدت خريطة بلده مسرحاً لتجارة الدم. تجارة النفط. تجارة الأرواح، ولعل ما بين أيدي المراقبين الدوليين- وحتى الكرد المعنيين-من أدلة، ووثائق على ذلك، بأختام أمراء داعش، ومنها: فواتير البيع والشراء، لهي جد كثيرة!؟
ثمَّة من يحتفل أمام محاولات أردوغان لتنخيع الشريط الحدودي الذي كان مسار الكردي، وهو يحارب الإرهاب، من منقار البطة- العين ديواري- وحتى أقصى نقطة في الطرف الآخر: عفرين، وما بينها من محطات مهمة: تل أبيض- سري كانيي – كوباني- إلخ، من دون نسيان قامشلو وعامودا والدرباسية، ناهيك عن عين عيسى، لاسيما عندما يتم الحديث عن إبعاد قوات”قسد” ثلاثين كيلومتراً ونيف، عن الحدود، بل احتلال تل أبيض وسري كانيي-رأس العين كما عفرين، والتخطيط لبناء ثكنات. مجمعات حربية: كل واحد منها لخمسة آلاف سوري مستجلب من مدن سورية أخرى، على غرار مخطط: إغراق المنطقة الكردية بالمستجلبين من محافظات أخرى، ومنحهم أفضل أراضي أبناء المكان، من قبل نظام البعث الشوفيني، حيث نفذ كل ذلك في مستهل عصر حافظ الأسد في مطلع سبعينيات القرن الماضي.
وقبل أن أخوض غمار نقطتين رئيستين-هنا- أبين أنني عندما بدأت- الثورة السورية- التي تمَّ إفراغها من قبل واجهات المعارضة جميعها: كل منها، على طريقتها، وهنا أتحدث عن اثنتين منها تنطعتا لتكونا-على التوالي- واجهتي الواجهات، وأعني: المجلس الوطني السوري، ومن ثم الائتلاف الذي ورثه، وكان انقلاباً دولياً على الأول، وقد تم كل ذلك في الدوحة في سنة2012، وكنت شاهد مخاضات الائتلاف، في البرهة المعنية، من التاريخ المعني، بعيد محاولات الأخوان إغراق المجلس، بتضخيمه من عشرات الأعضاء إلى مئات الأعضاء، وكان من بينهم: من أصبح قاضياً لداعش، ممن كانوا يلتفون حول هيثم المالح في مؤتمرقرطاج”كانون الأول2011″.أجل، مع بدايات هذه الثورة، وكان لي موقف شخصي خاص، وهوأنني كنت أرى ضرورة تشكيل- قوة عسكرية- من كل مكونات المكان لحماية أهلهم، وكان ذلك وفق تصوري آنذاك: سقفاً مهما لحضور الكردي، في ظل مصادرة خصوصيته، ولا أدري هل كانت رؤاي تلك صحيحة أم لا؟، أول هاتين النقطتين: إن الكردي- في كردستان العراق وفي كردستان سوريا استطاع أن يلفت أنظار العالم بأنه صانع معجزات البطولة أمام أشد قوة ما بعد إرهابية، فتاكة، وقد هزمها في شطري مكانه-على التوالي- ما دعا بؤر قوى الأعداء أن تتهيب دوره، فما إن انتصر البيشمركة على داعش، حتى أشعل- أردوغان- شرارة أوار العدوان عليه، عبرتهديداته، وإيغاره لصدر قيادة حكومة بغداد، متعاوناً مع إيران، وبغداد العبادي، لاسيما بعد الانتصار الأكبر الذي حققه الاستفتاء، ما جعل قوى الشر تضع سيناريوهها، بتوقيع: ترامب، وتواطىء روسيا، الصاعدة، للتو في المعادلة الدولية، بعد غيابها لحوالي ثلاثة عقود، قبل أن تجعل من-سوريا- مسرحاً لاستعادة فتوتها، فحولتها، بعد عنانتها، تدريجياً، مستفيدة من سياسات رئيسين أمريكيين، متناقضين، خدما مخطط الظهور الروسي، بعد مواته، أكثر من مما كان يمكن أن يفعله لينين وستالين، إن كانا حيين، من دون إراقة نقطة دم، في سبيل ذلك!
انتصارات الكردي، هي التي أججت عليه أضغان مخططي زواله، وكان ذلك عبارة عن محاولة تشكيل نسخة أخرى من داعش: الحشد الشعبي، بعيد تسجيل اختراق كردي متعدد الوجوه، لتقزيم هذه الانتصارات، ومحاولة “كسر رهبة قوته”، من دون أن يتحقق المخطط، كاملاً، لأن الإقليم بدأ يستعيد عافيته، ضمن خط الحماية الدولية، وهو في أوج يقينه باسترداد ما سلب منه، من أمكنة، وفي موقع القلب منها: كركوك، وبعد أن تم التأليب على دق الإسفين بين الإقليم وبعض إيزيدييه، وفق دسيسة متقنة، باتت تسقط هي الأخرى.
إذاً، لن يسكت مخططو محاولات قهقرة الكردي، بل محوه، من مكانه- وأولهم الفصامي أردوغان- ما جعله يقدم التنازل إثر الآخر، كي يحقق خطوات ما، وفق تأشيرات أممية: بوتينية/ ترامبية، وبرعاية روسية، لدواع تتعلق بخدمة نظام بشار الأسد، باعتبارها قد اتخذت دور الوصي عليه،إلا أن ثمة إرادة مضادة-لاسيما من قبل جهات أمريكية عليا- جعلت ترامب أهزوءة أمام الرأي العام المحلي، والدولي، وهو يسحب قواته، من كردستان سوريا، مرة، ويعيدها، مرة أخرى، تحت وطأة لعاب سائل على النفط، قد يكون مردوده أقل مما ستتكبده أمريكا، في إطار تنصيب حراس لها على هذه الآبار المتناثرة!
لم يحدث في تاريخ الكرد، أن حدث انقسام كبير في بلد القطب الواحد، كما سميناه، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، من أجل الموقف من قضية الكرد، ولكم كان الأمر جدّ سلس، باتخاذ موقف أمريكي واحد، لولا أن الرئيس/ الوحش: ترامب كان ذا موقف أصيل مبدئي، ولعل هستيرياه نتيجة خضوعه لناد دولي، أكبر، هومن جاء به، وهو المعادي لتطلعات الكردي، إلا أنه وبالرغم من هذا وذاك فقد لقن ترامب دروساً على موافقته على احتلال المناطق الكردية في سوريا، والبدء بجنوسايد بحق الكرد، كما خطط أردوغان لذلك، لئلا يكون هناك إلا كركي” من الكردي التركي”..!؟
إن وقفة المؤسسات الأمريكية: مجلس النواب- الكونغرس، بالإضافة إلى الجمهوريين كما الديمقراطيين، وتجاوزهم لما بينهم من خلافات من أجل الموقف من الكردي، إنما هو مؤشر على استيقاظ الضمير الغربي الذي اعتاد ألا يستيقظ إلا وفق مؤشر المصالح، في مرحلة: استنزاف خيرات الشرق الأوسط، وابتزاز إنسانه، في الوقت الذي لا يملك فيه الكردي سوى: قضيته، ولاسلاح لديه إلا دمه، وإيمانه، وبسالته!
ثمة انتصار كردي
ثمة هزيمة ترامبية
لعلنا نختلف، في هذا وسواه، لاضير من كل ذلك…؟؟؟