مصداقية الباحث العربي محمد جمال باروت مثالاً – الجزء السابع والثلاثون

د. محمود عباس
  قراءة في كتابه: التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية. 
التكرار والتناقضات: 
26 في صفحات عديدة وعلى خلفية مواضيع متنوعة، يكرر الحديث عن الهفيركية، باسم الـ (الهويركية) إلى أن يأتي لاحقا على تنسيخ حديث ملقن كردي، ويتعرض للدكشورية، ويعرضهما كعشيرتين وأحيانا كقبيلتين، وفي الصفحات التالية (247- 258) كتحالف، علما أنه ينوه أن العشيرة هي بمثابة القبيلة عند الكرد، وهنا مكمن الخطأ في جعل (الهويركية) الهفيركية والأخيرة هو الصح، والدكشورية عشيرتان، ذاكرا في الوقت ذاته أنهما، وفي معرض التحليل هنا فقط، كتحالف. 
والصفحات هذه بأسلوب عرضها وطريقة سرد الحوادث، والعلاقات بين العشائر الآشيتية الأربع الرئيسة، حسب مقولة الكاتب (حجي سليمانا، المحلمية، دوركا، وكاسكا) دون أن يعرف هو ولا ملقنه أن هذه العشائر تسكن منطقة سميت بمنطقة آشيتا، وكل العشائر الأخرى الساكنة ما بين قامشلو وحتى منطقة أليان يندرجون تحت هذه الصفة، وهم يختلفون في الانتماء حسب جغرافية شمال كردستان، إلى المنطقتين، هفيركا ودكشوري، مع مرور الزمن أصبح يعرفان نظريا كتحالفين، وليست عشيرة هفيركا أو دكشوري، فلا توجد عشيرة بهذين الاسمين( بالمناسبة بمقارنة الأحداث والتغيرات الجارية في المنطقة، من تسميتها سنجقا خلف أغا وسيادته الإدارية، إلى سيادة عبدالكريم علي رمو عليها حتى العقد الأول من القرن الماضي، وما كان يجري من روايات في الدواوين سابقا، أن أشيتا كتسمية أقدم من هفيركا ودكشوري، ولوالي ماردين عن طريق ضباطه في نصيبين دور ما في ظهور التسميتين الأخيرتين وبروزهما لخلق خلاف دائم بين العشائر الكردية في المنطقة التي كانت تسمى بطور عابدين). والحالتين مشابهة لتطورات الحالة من منطقة آشيتا إلى الآشيتا كعشيرة عند الأخرين، وخارجيي المنطقة يوصفون أبناءها جميعهم بالآشيتي، وهنا كذلك لا توجد عشيرة بهذا الاسم (أشيتي) فالعشائر الكردية المنطوية تحت أسماء هذه المناطق عديدة، مع ذلك كانت لكل منها سيادتها ورؤسائها، ولم يقبلوا يوما بسيادة عليهم من خارج عشيرتهم. تتبين من خلال السرد العشوائي للكاتب، أن هذه الصفحات منسوخة من أحاديث شفهية عن قضايا تخص العائلات الكردية وعشائرها، فيها الكثير من التلاعب والتحريف والتشويه لتاريخ المنطقة والعلاقات العشائرية، والكاتب بحد ذاته توسع فيها لغاية غير حميدة، استفاد من سذاجة وقلة إدراك الملقن، ومصدره، الكردي على الأغلب، يضع الشكوك حول ذاته. هذا الخلط التاريخي، وتعميم وتضخيم تاريخ عائلة على حساب تاريخ المنطقة وعشائرها، تشبه عملية فبركته لتاريخ العشائر الكردية في الجزيرة قبل ظهور القبائل العربية القديمة والحديثة، كما وهي طريقة خبيثة لإحياء ما فعلته السلطات العثمانية والتركية في المنطقة. أما من حيث تعريب الأسماء، إن كان متعمدا فهو لا يقل عن التحريفات التي حصلت لأسماء المدن والمناطق الكردستانية على مر التاريخ، كتحريفهم لاسم (آمد) إلى ديار بكر، وشنكال إلى سنجار، وغيرها، وفيما إذا لم يكن متعمداً فهي ناقصة لكاتب يقدم ذاته كمختص بتاريخ المنطقة الكردية، الجزيرة وعشائرها بشكل خاص، وعليه تكون مصداقيته والمعلومات التي يقدمها ومراجعه مرة أخرى محل تساؤل بل ومطعونة فيها. كما وتتبين من خلال المعروض أنه لا يعلم أو يتقصد على نشر هذا الخطأ، وهي أن منطقة تواجد هذه العشائر هي ذاتها على طرفي الخط الحدودي المتشكل بين سوريا وتركيا، فعرضه لهم وبحثه فيهم وبشكل منفصل وكأنهم ثلاثة عشائر أو تحالفات عشائرية مختلفة (آشيتا، تصريف من كلمة آشتي، تعني السلام، وكانت نتيجة لاتفاقية جرت بين عشيرتي دوركان والطي العربية بعد مناوشات بينهما في بدايات مرحلة تمدد القبائل العربية المهاجرة من حائل إلى مناطق جنوب الجزيرة الكردية، والهفيركية تعني المتعاونون، والدكشورية تعني السيف المسلول) دلالة واضحة على ضحالة معرفة الكاتب بمجريات تاريخ المنطقة وشخصياتها، وهنا يتناسى ما أورده في المقدمة عن تقسيم الجزيرة الكردستانية، مرابع العشائر الكردية ومن ضمنهم المذكورة، بين سوريا والعراق وتركيا الكمالية. والغريب هو ما يورده  من التناقض بين الصفحات التالية من هذا القسم وخاصة في الصفحة (695-696) والـ (696-697) ففي الأولى عن هجرة العشائر الكردية وعرضها هنا بطريقة الاعتراف، إما غير المباشر، بكردستانية الجزيرة، أو تماشيا مع المقدمة، معتبرا أنها هجرة خارجية (داخلية) فيقول ” يعود هذا الارتفاع في معدل النمو السكاني إلى عامل الهجرة الخارجية (الداخلية) أكثر مما يعود إلى معدل الزيادة الطبيعية” معتبرا هنا وبشكل غير مباشر كما ذكرنا، أن الجزيرة جزء من كردستان الكل، ولهذا يعتبرها هجرة داخلية، لكن هذا لا يزيل غطاء تلاعبه وشريحة من المثقفين العروبيين والسلطات الداعمة لهم، بالقضايا الديمغرافية والسياسية والاجتماعية الكردية، وفي الثانية يقدمها بعكس المقال سابقا عندما يقول ” في النصف الأول من الخمسينات كان جزء من الدرسميين المجتمعين حول ديار بكر، والآلاف من أبناء العشائر المليّة والهويركيّة والكيكية والدقورية والشيتية وبينار علي وأطراف بوشهر قد انضموا إلى عشائرهم وأقاربهم المستقرين في الجزيرة إما بشكل دائم أو موسميٍّ، وكانت الأعداد الأكبر مؤلفة من الهويركييّن والملييّن الذين مثلوا الكتلة البشرية الأكبر على طرفي الحدود، ثم شكلوا الكتلة البشرية الكردية الأكبر في الجزيرة” إلى جانب عدم الصحة في المعلومات حول الهفيركية، وجعلها الكتلة الأكثر في الجزيرة مصغرا بها دور العشائر الأخرى في المنطقة، كالكوجرا على سبيل المثال، يعود ويعتبرها هجرة خارجية، أي ينكر جغرافية كردستان المقسمة، وبناءً عليها يفصل بين الهفيركية والأشيتية، ويجعل الأولى عشيرة قائمة بذاتها، وكما ذكرنا فلا أحد في المنطقة يقول أنه هفيركي قبل أن يذكر اسم عشيرته، أي أن هفيركا مثلها مثل أشيتا كان وصف لمنطقة قبل أن يكون وصف لمجموعة من العشائر، وهذه تعني أن الجزيرة ما بين الحدود المتشكلة منطقة جغرافية واحدة عشائريا وسياسيا، والكرد كان يرفضونها وعليه كانت تتم التنقلات بين طرفي الخط السياسي المتشكل، وخير مثال لتوضيح هذه الجدلية البسيطة، ما يدور من النكت بين كرد غربي قامشلو، ودرجت على أن كل العشائر هناك غربين، وشرقها المعتبرة كل ساكني شرقي قامشلو أشيتيين، حتى منطقة أليان وأحيانا هم ضمنها، بالنسبة للغربيين وليس للشرقيين، وكثيرا ما يفهم أحيانا كمنطقة أو مجتمع  أو عشيرة.  وتنم هذه التناقضات والأخطاء عن أن بعض مصادره تواتريه غير موثوقة، كالتي أقتبسها من الجرائد الرسمية السورية في الخمسينيات والستينيات وهي الفترة التي انتشرت فيها المفاهيم العروبية، وتصاعدت أحزابهم العروبية، كالشعب والبعث، كما وهي نابعة من أن الكاتب: إما غير مطلع على تاريخ عشائر المنطقة فينسخها من مصادرها أو ما يقال له دون التدقيق في صحة المعلومات والتأكد من مصداقيتها، أو ضحالة معرفة مصادره، أو أن ملقنيه قدموا معلومات ملفقة، مثلما حدث معه عندما عرض حوادث ثورة الشيخ سعيد بيران ونسبها إلى الشيخ سعيد النورسي. أو إنها لغاية التعتيم أو تشويه التاريخ المعاصر للمنطقة مثلما فعلها سابقوه بتاريخنا القديم. ولا نستبعد أن بعض الذين أستند عليهم كانت بينهما غاية مشتركة مضرة بتاريخ المنطقة والعشائر الكردية الحضرية العريقة في الجزيرة، أو أنه تقصد حصولها من بعض الكرد البسطاء ذوي ضحالة معرفية بتاريخ المنطقة أو سذج إلى حد تفضيل المصالح الذاتية على المصلحة الوطنية والقومية.
27- المعلومات التي أوردها في الصفحة (717) الجزء الثالث، يدرجها بنفس الصيغة ولعدة مرات وفي أقسام أخرى، وهي عن مشاكل الفلاحين الكرد في قرية (أبو راسين) كرباوي قبل أن تعرب، التابعة لمنطقة قامشلو، مع توفيق نظام الدين، مثلما تم في الهامش (35) من الصفحة (136) وفي الصفحة (718) وغيرها، وعلى خلفية قضايا خلقتها وأثارتها السلطات العروبية بشكل دائم بين المجتمع الكردي لتتمكن منهم وتسخيرهم لغاياتها، واستند  عليها الكاتب وغيره من المثقفين العروبيين، في اتهام الكرد ذاتهم بما ألت إليه أوضاعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتبرأة السلطات السورية العنصرية. وهي نفس الغاية المذكورة حول النائبين الكرديين المثارة حول عمليات التسجيل وسنأتي عليها لاحقا، وقد ساقها سابقا مع النائب الكردي عن عفرين) أحمد جعفر الشيخ إسماعيل) متهما إياه بشكل مباشر بالمحرض الأول للدولة للقيام بتعريب الكرد في منطقة عفرين، علما أن النائب كان دبلوماسيا في طلبه  المعروض على البرلمان عام 1957م فتحت غطاء التعريب، طالب بإدخال اللغة الكردية إلى الإعلام السوري، وحاول الحصول على موافقة تخصيص برنامج في الإذاعة باللغة الكردية موجهة إلى مناطقهم، كما واقترح إدخال ملحق باللغة الكردية في القضاء والدوائر المتعلقة بها، وتحت حجة القضاء على الأمية في المنطقة طالب بفتح المدارس العربية في جميع القرى الكردية. واتهامه للنائب الكردي هذا، محاولة لتبييض صفحة العروبيين الأوائل من حزب الشعب السوري، والبعث، وقبلهم الشخصيات العروبية العنصرية المعروفة كذكي الأرسوزي، وميشيل عفلق وأكرم حوراني مؤسسي البعث العربي الاشتراكي ومخططاتهم التعريبية والتي نفذتها لاحقا حكومتي البعث والأسد.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
22/4/2016 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…