سوريا بين الغرب الآفل وروسيا الصاعدة – الحلقة (2)

 د. محمد أحمد البرازي
وجاء عهد دونالد ترامب، لا ليردم ما صدعه باراك أوباما؛ إنما ليتجه ببوصلته إلى جهة أخرى في التعامل مع منطقتنا. تعامل وبكل ما أوتي من قوة على حلبها وبأكبر قدر ممكن، فاعتبرنا بقرة حلوبا! شرق الأوسط بقرة حلوب! يا لهول الاستخفاف بنا، ذلك الغرب الذي لم يشبع من مص دمائنا، وفي النهاية يعتبرنا بقرة حلوبا! والأنكى من هذا، يركع فرحا وجزلا لهذه العبارة أمراء النفط في شرق أوسطنا ومهللين مكبرين لهذه التسمية المباركة التي خلعها عليهم حاكم أميركا الجديد، كأنها أحد الألقاب الرفيعة التي تمنح عادة للجدراء والأبطال… لأنه سيكون حاميهم الجبار، ولكن ليس دون مقابل، بل سيتقاضى على حمايتهم من شقيقهم المسلم! عشرات المليارات من الدولارات. 
بدلا من أن يتوجه هؤلاء الأمراء إلى أخيهم لإصلاح ذات البين، هرولوا إلى سيدهم (ترامب) لدفع المليارات من أموال النفط له، ليؤكدوا أنهم البقرة الحلوب. ندفع مليارات أموال نفطنا لمن يرتجف أمام زعيم كوريا الشمالية، ويهرول إليه ملتمسا منه السماح له بمقابلته. فحين حاول هذا الحاكم الجديد اللعب بذنبه مع كوريا الشمالية صرخ الأخير في وجهه، أن دولته ليست عراق ولا ليبيا، فتراجع الجبار والحامي، في أعين أمراء النفط، أمامه، ذليلا مهينا.
بالمقابل، ماذا يجري في هذا العالم بعد أن تعافت جروح روسيا، التي سبب لها اليانكي في أواخر القرن المنصرم! على ما يبدو أننا لا زلنا متوهمين بعظمة الغرب الآيلة للأفول، ولا نرى ماذا يحدث في الشرق الأحمر والأصفر. فروسيا اليوم غير روسيا يلتسين، وبوتين ليس غرباتشوف، ما يدعو للحزن والأسى أننا لا نرى في هذا التعافي ما نستفيد منه. نتجه إلى الغرب المتعالي علينا والآيل للزوال بقيادة ترامب لالتماس الحماية لديه، دون رؤية التقدم التكنولوجي الهائل، في المجال العسكري، لروسيا بوتين بعد أن أعاد لها هيبتها وعظمتها. ومضى هذا الرجل بالتطور التكنولوجي لترسانته العسكرية إلى مراحل يصعب على الغرب المتكبر علينا اللحاق بدولته الصاعدة. ولن يكون هذا اللحاق قبل مضي عقد ونيف من الزمن.
وروسيا بوتين تمد يدها إلينا جميعا، وإن كان ما مسّنا منها في أعماقنا، فنحن بهرولتنا نحو الغرب المتعالي، لم ندع أمامها خيارا آخر غير الذي اختارته، كان علينا التوجه إليها لا إلى من يهيننا، كي تتفهم وضعنا، ولا تميل إلى من يعتدي علينا. كم من مرة طلبت منا الحوار، ولكننا تعلقنا بأثواب الغرب المتكبر.
تشير الوقائع إن سوريا تبقى إلى جانب روسيا مهما تشدق الغرب وتباهى أنه سيد الموقف في سوريا وغيرها من هذا القبيل. فالأمثلة على بطلان مزاعمه واضحة وضوح الشمس: قرم، دوتينسك، لوغانسك، كوريا الشمالية إيران، يمن… لم يستطع الغرب حتى الآن فعل شيء يردع روسيا، سوى مناورات استقدام الجنود ونشرهم هنا وهناك على التخوم روسيا الحصينة وتحليق الطائرات بالقرب من أجوائها… وما هي إلا ذر الرماد في عيوننا وعيون الأوكرانيين… فضرب سوريا من قبل الثلاثي الغربي، تم إعلام روسيا مسبقا به! أبهذا الشكل تحارب روسيا، لولا مخافته (الغرب) منها بشكل جدي؟
أرى أنه علينا التوجه نحو روسيا والتخلي عن الأوهام والآمال التي يضللنا بها الغرب بقيادة ترامب. فالحل في سوريا، مهما طال الوقت، سيكون بيد روسيا.
كازاخستان-ألماتا 
25-6-2018

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…