استحقاقات كردية مقننة

فرمز حسين
لا يعد اكتشافا إذا قلنا بأن القضية الكردية لها النصيب الأكبر من التميز السلبي مقارنة مع مختلف قضايا التحرر الأخرى قديماً كانت أم معاصرة. ولا شك أن أبرز عوامل هذا التميز هو التوزع الجيوسياسي للشعب الكردي بين أربعة أنظمة استبدادية متجاورة إيران, تركيا, سورية والعراق هذه الأنظمة لعبت على أوتار الشعارات القومية كأداة لاستمرارية حكمهم عقوداً طويلة وما رافق كل ذلك من محاولات الدمج القسري وما سبقها من إرهاصات التعريب , التتريك والتعجيم وما خلفت من تداعيات معارك الحفاظ على الهوية والتي بعضها كانت كارثية ومدمرة و ما ترك كل ذلك من شرخ عميق و إرث ثقيل من المآسي..
 الحالة النوعية الأخرى التي تعطي التميز السلبي تفرداً أكثر هي أن الأنظمة الأربعة المذكورة آنفاً كانت ولاتزال تعاني من صراعات بينية شتى بعضها مذهبي وأخرى اثني بالإضافة إلى تضارب المصالح السياسية فيما بينهم وباستثناء إيران فالدول الثلاث الأخرى والكرد فيما بينهم يعيشون ضمن جغرافية تم رسم حدودها لهم من الخارج.  فتتوتر العلاقات بينهم تارة وتتحسن تارة أخرى لكن المضحك المبكي بأنه في كلتا الحالتين يشكل الكرد وقود صراع التوتر وأضحية مقايضات الوفاق بينهم. وعلى سبيل المثال لا الحصر حين كانت العلاقات بين الأسد الأب وتركيا سيئة كانت ورقة الضغط تتم عبر منظومة العمال الكردستاني في الصراع وحين بلغ التوتر أوجه وأصبح الخطر حقيقياً تم عبر أتفاق أضنة الأمنية منذ قرابة عشرون عاماً انهاء خدمات زعيم العمال الكردستاني من سورية وليخرج بعد ذلك هائماً على وجهه من عاصمة إلى أخرى ,  ليتم الإيقاع به في نهاية المطاف من خلال مؤامرة استخباراتية دولية.
لا اعتراف بحقوق للكرد كشعب بل هناك سقف منخفض من الاستحقاقات الكردية يتم التغاضي عنه و القبول به من طرف هذه الدولة أو تلك و لكن بمجرد محاولة رفع سقف المطالب  يتحول حليف الأمس نفسه إلى عدو لدود  و هذا بالضبط ما فعلته ادارة أردوغان في العام المنصرم مع السيد مسعود البارزاني  لأنه قام بإجراء  استفتاء الاستقلال  و أكملت إيران عملية بعثرة القوى الكردية وضربها ببعض و دعمت الجيش العراقي و مليشيات الحشد الشيعي لاجتياح كركوك للسبب نفسه و حتى النظام السوري لم يبقى صامتا حيث جاءت التصريحات الرسمية منذرة كرد سورية بالاتعاظ مما جرى لأخوتهم في كردستان العراق , كل ذلك لأن الدول المعنية تعتبر مجرد تفكير الكرد في الاستقلال تمادياُ يتجاوز السقف المسموح لهم.
.
في هذا الوقت تحديداً يتبادر إلى الذهن سؤالين الأول:
 
هل تستخلص القيادات الكردية العبر من تجارب أسلافها ومن تجاربها؟
على الأغلب الجواب الأقرب إلى الواقع يأتي بالنفي فعلى الرغم من معرفة الجميع بغياب استراتيجية كردية مشتركة من شأنها تنسيق العمل التحرري تأتي ممارساتهم على أرض الواقع لتثبت عدم محاولتهم خلق المناخ الملائم للتنسيق المشترك وكل محور يخوّنُ الآخر من جهته  وكلّ منهم مستمر في السير في الوحل منفذين بذلك أجندات الدول المذكورة مقابل امتيازات آنية لهذا التنظيم أو ذاك وبالطبع على حساب تقزيم القضية الكبرى وتمييعها.
  
السؤال الثاني:
 الحراك الكردي في سورية إلى أين بعد كل هذا؟
بعد نجاح النظام بمساعدة إيرانية روسية في سحق المقاومة المسلحة وبعد انتهاء مهمة تحييد الأكراد من قبل فرع العمال الكردستاني ,هناك نوعين من السيناريوهات:
 السيناريو الأول يأتي من خلال دراية النظام  التامة بأن الكرد يشكلون الحلقة الأضعف و لا ضير في أن يبقوا كآخر عقدة يتم حلها و ليس هناك أسهل من تأليب مختلف الإثنيات و الطوائف ضدهم ليأتي التدخل الرسمي للنظام كحل أمثل و من ثم ابرام معاهدة مشابهة لاتفاقية أضنة لتنهي دعم تركيا للمسلحين في إدلب و الانسحاب من عفرين مقابل تحسين العلاقات مع تركيا على حساب الأكراد . أما السيناريو الآخر فهو  تشجيع الكرد للانخراط في الادارة  المحلية بدلاً عن الإدارة الذاتية فيكون النظام بذلك قد قدم جائزة ترضية لتركيا نوعاً ما من خلال تدجين الكرد في مؤسساتها الخلبية و في الوقت نفسه يبقى محتفظاً  لديه بكوادر الفرع السوري للعمال الكردستاني جاهزة لحين الطلب فيما اذا خطرت لتركيا يوماً ما أن تدعم قوى سنية مرة أخرى!
 خلاصة القول منع حدوث التحول الديمقراطي يتماشى يداً بيد مع بقاء الاستبداد ما يعني بطبيعة الحال العودة إلى حظيرة النظام (وتيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي)..
ستوكهولم
2018-09-20
Farmaz_hussein@hotmail.com
Twitter.com/FarmazHussein
Stockholm-sham@blogspot.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…