عفرين والخطيئة الأولى

جان كورد
لا يخفى على أحد أن الشعب الكوردي انتفض في عام 2004 ضد نظام الأسد، في معظم المدن والأنحاء التي يشكّل فيها أغلبية سكانية، في حين وقفت جماهير سوريا “العربية!” بأسرها موقف الحياد حيال ما جرى آنذاك، ومن تلك الجماهير، وبخاصة في المناطق العربية شرق الفرات، من وقف مع نظام الأسد وهاجم الكورد ونهبهم وسلبهم واتهمهم ب”الانفصاليين!” و”الكفار!”، ولم يعترف الكثيرون من المثقفين العرب الذين يحتلون اليوم مناصب هامة في المعارضة السورية وفي قيادات ما يسمى ب”الجيش السوري الحر!” بأن ما حدث في المنطقة الكوردية كان انتفاضة، بل اعتبروا الحدث “فتنة!” وخيانة للأمة العربية ومحاولة انفصالية فاشلة… 
ومع الأسف، يتجاهل البعض من “المفكرين السوريين!” أن الشعب الكوردي قد ساهم في بدايات الثورة السورية المجيدة من أجل الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان مساهمةً جديرة بالاحترام والتقدير، ولم يكتفوا بذلك بل شرعوا وسعوا ولا يزالون يسعون لتقزيم الدور الكوردي في مجمل الحراك العام للتغيير في سوريا.  وأعتقد بأن هناك سوريين من مختلف التيارات الوطنية يشهدون اليوم على أن أوائل المؤتمرات السورية المطالبة بالتغيير في أوروبا وأمريكا وإستانبول، قبل الثورة بفترة، قد تمت بمساعي ناشطين كورد ومن خلال علاقاتهم مع قوى الحرية والديموقراطية في العالم الحر الديموقراطي، والوثائق التي بين أيدينا تثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك.   
ولكن هذه النواقص والأخطاء في تفكير أقطابٍ هامة من المعارضة السورية، رغم أنها جسيمة، وكذلك موجات الحقد والكره التي نفثها البعض ضد الشعب الكوردي وحراكه السياسي الوطني الذي لا يتجاوز طموحه الكبير في انتزاع حقوق قومية عادلة ضمن إطار السيادة السورية وفي نطاق العمل المشترك مع الحراك السوري الكبير،  أدت إلى رسم “صورة” كالحة للكورد في الإعلام السوري المعارض ونسج نسخة سيئة من تلك الصورة في وعي ما سموه ب”الجيش السوري الحر”، فتحوّل الكورد في نظر أغلب السوريين من حلفاء وشركاء إلى أعداء لا فرق بينهم وبين أتباع النظام وزبانيته القتلة، وزاد السم الذي نفثه الطورانيون ضد الكورد في الطنبور نشازاً،  وبسبب حاجة المعارضة والجيش السوري الحر إلى الدعم التركي  رضخت للرسام التركي الذي رسم صورةً كبيرة ملطخة بالسواد عن الكورد، فجاءت النتيجة كالتالي: 
تنكّر بعض زعماء المعارضة لوجود وحقوق الشعب الكوردي واتهام حراكه السياسي ب”الانفصالية”
استعداد الجيش السوري الحر والفصائل الإسلامية الهاربة من مناطق تواجدها في العمق السوري لأن يصبحا قوة “مرتزقة” في القتال ضد الكورد، كما نراه جلياً اليوم في منطقة “جبل الكورد – كورداغ” التي مركزها مدينة عفرين، في شمال غرب سوريا.
والحديث في هذا المجال يستدعي صفحاتٍ عديدة، ولذا نكتفي بهذا لننتقل إلى الخطيئة الأولى التي يمكن تسجيلها على الحراك الكوردي وليس على الحراك السوري العام، وهو محاولة بعض القوى الكوردية ابتكار “خط ثالث”، بين خط الثورة السورية وخط نظام الأسد، وفي الحقيقة، فإن هذا الخط مجرّد تغطية إعلامية على تحالف سري وعميق بين النظام وتلك القوى الكوردية، في بعض المواقع القتالية على الأقل، وهذا ما تسبب في دق اسفينٍ كبير بين قوى الثورة السورية وتلك القوى،  كما حدث في محافظتي الحسكة وحلب، وعلى الأخص في الأحياء ذات الأغلبية الكوردية في مدينة حلب، وبعض القرى والبلدات والأنحاء في شمالها، مما انعكس سلباً على مجمل الحراك السياسي  الكوردي، ولم يستفد المجلس الوطتي الكوردي (الأنكسه) كثيراً  من انضمامه إلى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية لأن الائتلاف لا يزال في حضن الحكومة التركية التي ليست لها مصلحة في “تبييض” وجه الحراك الكوردي، بل استغلت ولاتزال تستغل رعايتها للمعارضة السورية، والفصائل الإسلامية منها بشكل خاص، في إثارة مزيدٍ من الغبار على الصورة الكوردية بشكلٍ عام.
وعليه، ومن أجل إظهار الحقيقة للشعب الكوردي، لا يحق لأحد منا التستر على الخطيئة التي تتحمل بعض قوانا الكوردية مسؤولية حدوثها والقاء اللوم على المعتدين الآثمين وحدهم، ومحاولة اسكات أفواه الناقدين بذريعة أننا في “حالة حرب” وفي الحروب تسكت المعارضة! 
بل يجب الاعتراف بما ارتكبته بعض قوانا من أخطاء لدرجة أنها فقدت حلفاءها السوريين والروس والإيرانيين في يومٍ واحد، كما أن حلفاءها الأمريكان صرحوا بأن ما يجري في عفرين ليس الأهم لديهم وإنما دحر التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق بسلاح ودماء الكورد… فكيف يحدث أن تفقد حركة سياسية قوية ذات قوى قتالية عظيمة كل حلفائها دفعةً واحدة، إن لم تكن ثمة أخطاء جسيمة ارتكبتها قياداتها؟ 
فمن الجاني هنا بسبب ابتكار “الخط الثالث”؟
أم نقول: عفا الله عما سلف …  وننتقل إلى مأساةٍ أخرى وأمهات الكورد تودّع كوكبةً من الشهداء الشباب إثر كوكبة…؟ ومن دون أن يتحمّل أحد مسؤولية هذه المهازل الدموية والتدمير؟
  ‏31‏ كانون الثاني‏، 2018
facebook: Kurdaxi1                    kurdaxi@live.com    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…