ابراهيم محمود
أمّي العزيزة
لا بد أنك قلقة علي الآن، إن أنفاسك ما تزال تدفئني، سوى أن دعاءك الذي قلت فيه، ووجهتي عفرين: لينصركم الله على الظلمة، بدَّد هذا الدفءَ الذي آمنت به، في هذا الجو الشديد البرودة، وجعله سوطاً يصفعنا أنّى تحركنا. لقد أوقعونا في ورطة يا أمّي، والذين واجهونا بهم يظهر أنهم ليسوا الظلمة، لقد أصبحنا نحن الظلمة، والذين يقودوننا إلى هلاك محتم، لا يتركون كل شيء على حاله، تُرى ما ذنب الشجرة التي تجتَثّ، والنبع الذي يردَم، وحتى القط الذي يقتَل، والحمام الذي تصوَّب إليه النار؟ إنهم يشددون علينا بأن ندمر أو نخرب أو نحرق أو نفجّر كل ما نراه:
البارحة ألزمونا أن ننهب بيتاً شبه مهدَّم لعجوز كردية ثمانينية أبت أن تخرج، عرّيناه من كل شيء، وهي تحدّق فينا بنظرات إدانة مريعة، ومن ثم لغَّمنا البيت وهي فيه والضابط التركي يقرّعنا: انسفوا البيت وهي فيه، لا بد أنها أم إرهابي ! فمن الكفرة فينا يا أمي هاه؟
في اليوم السابق داهمنا بيتاً كان فيه طاعن في السن وزوجته، ويتكلمان العربية مثلنا، كان علينا أن نقرّعهم غصبناً عنا، وهما لاجئان من حلب، كنت قائد المجموعة، وكان علي أن أتقيد بالأوامر، وأن أظهر شديداً، لم يكن في بيتهما المتداعي ما يستحق النهب، فتركناهم، سوى أنني وأنا في سورة غضبي، رجعت إليهما وفي نفسي أمر آخر، وأنا أرعد وأزبد، لئلا أثير شبهة من تركتهم ورائي، وكنت على يقين أنهم فعلا الصواب، ولم يؤلمني إلا صواب الرجل العجوز، وهو يوجهني بسبابته:
كيف تأتمر بمن يريد أن يدمر بلدك، وشعبك وأخوتك” وكان يعني بهم الأكراد “، أهذا هو جزاء إحسانهم إلينا؟ ثم شدَّد في لهجته وهو يركز عينيه المتعبتين علي: إن ابني الآن يقاتل معهم، أما أنتم فتقاتلون مع من يدفعون بهم إلى قتل أهلكم وناسهم وأخوتكم، اذهب قبل أن يأتوك ويقتلوك! وأدار وجهه المحتقن إلى الطرف الآخر..
لقد رأيت أشياء فظيعة يا أمي…كل ما قيل لنا كان معكوساً، الأضرب هو أنهم يراقبون كل حركة فينا..كل واحد فينا رقيب على الآخر، ويمكن قتله بسهوله بزعم أنه متخاذل أو غير مقتنع، والتركي لا يهمه من يقتل من، وعلى يد من، المهم قتلنا وقتلهم، وتخريب كل شيء، والقضاء على كل شيء..إنها حرب إبادة..
آه يا أمي، ليتنا بقينا في بلادنا، سكنا هنا، أو مضينا إلى الخارج كغيرنا بعيداً عن هذا المستنقع القذر وللذين وجَّهونا إلى هنا دور كبير، ويظهر أنهم ينتقمون منا، فيسوقوننا أحياء، ويخلفوننا موتى، وهم لنا بالمرصاد قبل الأكراد..
ليتك يا أمي منعتني من الالتحاق بهؤلاء الذين لا صلة بين الواحد والآخر، لقد سلبونا البقية الباقية من حريتنا، وأطلقوا علينا لقباً مثيراً للسخرية: الجيش الحر، فكل منا مظنون في الآخر، والأتراك بالكاد يتركوننا يتنفس.
ها قد مضت ثلاثة أسابيع، ولم نحقق شيئاً، بالعكس، إنهم مثل الجان، لا ندري كيف ينالون منا.. لا بد أنهم على حق، مهما اختلفنا معهم، فهم في في أرض يعرفونها وتعرفهم، بينما نحن فقد وجّهنا لدمار الزرع والضرع، الأخضر واليابس، وكنا على موعد أننا سندخل عفرين في أيام معدودات وها هي أسابيع معدودات، ولم يعد في مقدورنا حتى سحب قتلانا وجرحانا من المواجهة معهم. كلهم مقاتلون أشدّاء، نسمع أصواتهم: نساء ورجالاً، وحتى يوجد الصغار بينهم، من خلال أصواتهم. إنهم مدربون بشكل رهيب، والأهم هو أنهم مؤمنون بما يقومون به، بينما نحن فقد أوقعنا بأيدينا في فخ نصبناه لأنفسنا بأنفسنا، وهم ” يوزّون ” في آذاننا عن أن أعداء الإسلام والإنسانية هم هؤلاء الإرهابيون” الأكراد “، وهم يريدون القضاء عليكم، وبناء دولتهم، وسوى ذلك من الكلمات الأخرى وهي أوهامهم أودعوها رؤوسنا، لكن المتبين هو أن الذين وجَّهونا هم الإرهابيون، وهم من أرادوا السوء لبلادنا ودق الإسفين بيننا.
أمي .. يا أمي
في كل خطوة أعتبر نفسي في خانة المقتولين، وأنا أقاتل لئلا أقتَل، وأجبَر على ذلك، وأسعى جاهداً لأن أجد مخرجاً لي من هنا: أن أسلّم نفسي بطريقة توحي عن أنني وقعت في كمين لهم، ولو مع آخرين، أو أختفي، لأن خوفي عليك وعلى أخواتي وأخوتي الصغار، في أن ينتقموا منهم هؤلاء الذين خدعونا وما زالوا يخدعوننا، هو الذي يرعبني.
ادعي لي يا أمي أن أخرج من هذه الورطة بأمان، وألا أشهد المزيد من القتل، وادعي على هؤلاء الظلمة الذين دفعوا بنا إلى الجحيم الذي لم نتهيأ له، وأن تكون نهايتهم وخيمة، فلا حدود لأطماعهم وطغيانهمة ونفاقهم .
ابنك المقاتل المخدوع والمسلوب الحرية “….”
8-2/2018