د. محمود عباس
نقولها، دفاعا عن شرفاء العرب، الذين يناضلون لإعادة العربية بصفاتها الإنسانية، وقيمها، وللحد من الفساد المستشري في مجتمعهم بيد العروبيين (الأعراب) والمنافقين من الشعوب والقوميات المستعربة، المتكالبون على العربية، راكبوا الإسلام، العارضون ذاتهم حماتهما، المزاودون على العرب الأصلاء كمركب نقص لا يفارقهم رغم مرور قرون على استعرابهم.
خضنا هذا المقال، بعد السقوط المدوي للعروبيين، أمام أردوغان وأحلامه العثمانية، كخيانتهم لسوريا وهجومهم على عفرين تحت رغبته. وعند أقدام أئمة ولاية الفقيه وطموحهم المذهبي الشيعي، بتسليم ثروات كركوك لإيران. ولنقل لهم، أنه لو تبوأ العرب الأصلاء الحركات العربية الأولى، لربما أنقذوا كرامة أمتهم من الدمار والانحطاط، ولأصبحت تنويرية ليس فقط للشعب العربي، بل لجميع الشعوب الإسلامية، ولرفعت من مكانة العرب، وجعلوا منهم القدوة في المنطقة، تنسخ عنهم القيم الديمقراطية، والأخلاق الحضارية.
لكن للأسف، هيمنت عليها الشريحة العنصرية، ففرقت بين الشعوب في المنطقة، وركزت على توحيد ثقافة الأنظمة العروبية، وخلقت سلطات استبدادية، نشرت مفاهيماً شوفينية على مدى العقود الماضية، أعاقت التطور، وتكاد أن تقضي على العادات والتقاليد العربية الأصيلة، وإن استمروا على ما هم عليه من التدمير لربما سيعيدون بالشعب العربي إلى الفترة الجاهلية.
والمؤسف عليه أكثر، أنهم سطوا على زمام أمور الشعب العربي إلى درجة لم يعد الأخرون يميزون بين العرب والعروبيين، وهو ما أدى إلى تزايد كراهية أغلبية البشرية للشعب العربي بدل العروبيين، ودون الانتباه إلى أن العروبيين هم المسببين الرئيسيين لهذه الإشكاليات، والعرب الأصلاء براء من جرائمهم.
فمن الواجب الفصل بين العرب، والعروبيون الذين جعلوا من العروبة مصطلح لقيطا إلى أن أصبحوا يمثلون الأغلبية، بينهما مسافة فكرية ثقافية واسعة، فللأخيرة بصماتها الواضحة على مجريات الأحداث المأساوية الجارية في المنطقة. لذلك لابد من عزل العرب عن العروبيين لمعرفة من يقف وراء انتشار كل هذا الفساد، وأسبابها، وخلفيات ظهور كل هذه المنظمات الإرهابية في منطقتنا، وبهذه الخواص المنحطة.
بين العرب والعروبيين، مسافات تغيب فيها الوعي والحكمة، فهما على طرفي نقيض، كالبعد بين الفرقة الناجية والفرق الضالة المارقة في الإسلام، من حيث المفهوم الفقهي الإسلامي. ورغم هذا البون الشاسع والواضح بين شعب ككل الشعوب في المنطقة طامح إلى العيش بسلام مع الآخرين، وأنظمة وأحزاب موجهة جل أعمالها للقضاء ليس فقط على العلاقات الإنسانية بين العرب والشعوب الأخرى في المنطقة، بل للقضاء على القومية العربية بحد ذاتها، نجد أن الأغلبية متأثرة بمفاهيمهم دون أن تدرك أن أمتهم تتجه إلى الهلاك.
شتان بين القومية والعنصرية، الوطنية والشوفينية، بين الشعب وشريحة انتهازية منافقة، هذا ما يجب على الشعب العربي، وخاصة الشريحة المثقفة، بل والشعوب المحتلة من قبل الأنظمة العروبية، معرفتها، وإدراكها أثناء المقاربة بين العرب الذين هم مع حقوق الشعوب الأخرى في تقرير مصيرها، والعروبيون الذين يشرعون انتهاكات الجيش التركي والإيراني حرمة مقدساتهم الوطنية.
يتناسى العرب، ومعهم العالم، أن العروبيين وأنظمتهم، بأحزابهم القومية العنصرية والإسلام السياسي العروبي الراديكالي أو الليبرالي، ليس فقط لم يخدموا القومية العربية، والإسلام وشوهوا سمعتهما، بل كانوا المسببين الحقيقيين لكوارث شرقنا، وتخلف شعوبنا، علماً أن منطقتنا كانت مهد الحضارات، ومنبت الأديان السماوية، وكان بإمكانهم، وعلى خلفية الإمكانيات المتوفرة لديهم، أن يشرعوا الأبواب للثقافة الحضارية، والمفاهيم الديمقراطية. ولا يدركون أنهم حولوا شرقنا وفي فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز القرن إلى منبع للشر والكراهية، وتغذية الثقافات العنصرية. فيها سادت المفاهيم العروبية بالوجه البشع منه، وتنامت الأفكار القومية العنصرية، بدل القومية والوطنية الديمقراطية.
ظهرت المنظمات المتطرفة الأولى في المنطقة من العروبيين، وتحولت إلى أحزاب بمفاهيم فاشية، مبنية على كراهية الآخر، تحت غطاء القومية العربية والدفاع عن مصالحهم، وتجاوزت كراهيتهم للشعوب الأخرى ليشمل قسم واسع من الشعب العربي ذاته، وخاصة الشرائح الثقافية-السياسية المعارضة. ومن بين تلك الأحزاب، الحزب الناصري، والشعب سابقا في سوريا قبل البعث، والبعث، والإخوان المسلمين، وغيرهم من الأحزاب والحركات العروبية وبأسماء مختلفة، المنتجة للأنظمة الموبوءة والمشكلة لسلطات شمولية متنوعة حكمت ولاتزال تحكم العديد من الدول في شرقنا، وهذه بدورها فقست معارضات لا تقل عنها تشوها، كأغلبية المعارضة السورية العروبية، والمصرية، وغيرها.
استمد هذا التيار أفكاره من عمق التاريخ، من القبائل العربية البدائية الجاهلة، والمفضلة منطق الغزو على مفاهيم الدين الصحيح والعادات العربية القيمة. كما ونسخوا تجارب السلطات العربية الطاغية، وعلى أسسها بنوا أنظمتهم، المحتضنة في ذاتها مفاهيم تيارين، العروبي القومي العنصري، والإسلامي السياسي التجسيدي الراديكالي، المستمدة جذورها من الخلافة الأولى، إلى أن انفصلا عن بعضهما في بدايات القرن الماضيٍ. وما يجري اليوم، تتحملها هاتين الشريحتين وما يتبعهما، فهما وراء معظم الحروب والكوارث الحاصلة والجارية في شرقنا.
كان بإمكان الحركات العروبية في بداياتها أن تتبنى قضايا معظم الشعوب والأقليات والأديان في المنطقة، وأن توسع من قاعدتها، وتنتمي إلى معظم شعوب المنطقة، تحت غطاء لغة القرآن وتسخير الإسلام الصحيح، وحماية الأديان الأخرى، وحل الإشكاليات العالقة بين العرب على الأقل وبين الشعوب التي ظلت محتلة أو مستعمرة من قبل الأنظمة الاستبدادية الحالية. لكنها، لعنصريتها والتي هي الجهالة بشكل أو أخر، والوباء الثقافي المهيمن على عقولهم، حكموا المنطقة من منطق السيد والموالي وبسذاجة، فحولوا الوجود العربي من شعب بنظر الأخرين حملة الرسالة الإسلامية، يشاركونهم الوطن، إلى شعب عنصري تقودهم سلطات شمولية فاشية، مدعومة بفروع أمنية إجرامية، تقمع الشعوب الأخرى، وتلغي الأديان، ومن بينها السماوية، وتفرض مذهبه على المذاهب الأخرى، وتفاقمت هذه الصور النمطية عنهم إلى أن أصبحت العروبة شعارا للحقد والكراهية والعنصرية.
علينا جميعا وقبلنا الشريحة العربية الواعية، الانتباه إلى أنه للعروبيين الدور الرئيس في تحريف الثورات عن مساراتها، وخلق الحروب الأهلية الجارية، وهذه ليست بشائعهما الأولى، بل أن سجلهما التاريخي حافل بمثلها، لسنا بصدد ذكرها الأن. فمن المهم العمل معاً على عدم الانجرار مع المفاهيم التي روجوها وفرضوها عن طريق السلطات الاستبدادية والمعارضة المبتذلة -الافتراضية ذات التوجه الإسلامي السياسي الراديكالي أو حتى الليبرالي، اللذين خدما ويخدمان منظمات عالمية، كالماسونية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
يتناسى أغلبية العرب، أنه إذا استمرت هذه الأنظمة بتياريها، على هذا المنحى، أنها قد تعيدهم كشعب إلى مجتمع مكروه إسلاميا وعالمياً، وسيتحولون من شعب سائد على 22 دولة، إلى أمة مساده بشكل أو آخر، وسيعودون إلى مزاريب الانتداب والوصاية، ولهم في هذا تجارب عديدة، كالفترات التي ضاعوا فيها، أثناء الحكم الصفوي والمملوكي، والاستبداد العثماني الممتد على مدى أكثر من أربعة قرون متتالية. وفي الواقع لم يتجاوز حكم العرب لأنفسهم بشكل كامل أكثر من ثلاثة قرون، منذ ظهور الإسلام وحتى اليوم، والمسببون الرئيسيون لهذا السجل التاريخي الأسود هم العروبيون الذين سيطروا بأوجه وأشكال مختلفة.
مع ذلك لايزال العديد من المثقفين العرب وسياسييهم لا يودون التمييز بين العرب والعروبيين، والأغلبية تتباها بهذا المصطلح المتطفل، يحلمون النهوض بالقومية العربية على حمالات أفكارهم الموبوءة، متناسين أنه حتى الشذرات التنويرية الفكرية التي ظهرت في بدايات القرن الماضي، قضيت عليها من قبل التيارين وهي في مهدها، كما ويتناسون أن سيطرتهم على الساحة السياسية وفيما بعد على الثقافية، جلبت ما لا يحصل من الكوارث لمنطقتنا، عن طريق بث متواصل للشعارات الفاسدة، ونشر الأفكار المشوهة، المروجة حتى اللحظة ليس خدمة للشعب العربي بل لأجندات قوى خارجية.
وكأحد أخطر الأساليب لتشويه سمعة القومية العربية والشعب العربي، ترويجهم وترسيخهم مصطلحي العروبة والوطن العربي ونشرهما مع ثقافة فاسدة، فبهما خلقوا شرخاً قاتلاَ في العلاقات الأخوية الإنسانية بين العرب والشعوب الأخرى في المنطقة، وبين الإسلام والأديان الأخرى، بل وحتى بين المذاهب الإسلامية ذاتها.
وللأسف لايزال تقبل المجتمع العربي لمفهوم العروبة والعروبيين كأنظمة وأحزاب في تصاعد، تتبعهم ليس فقط العامة بل شريحة واسعة من المثقفين والسياسيين، وللعلم ما دام هذا الانهيار الثقافي مستمرا، وظل العروبيون بشقيهم مسيطرون، فعلى العرب السلام، وعلى السلام بين شعوب المنطقة والأديان والمذاهب الرحمة.
ملاحظة: للاطلاع على تكملة هذا الموضوع يمكن مراجعة مقالنا المنشور في 26-9-2016م تحت عنوان (ماذا قدم العروبيون-1-2).
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
21-1-2018م