د. محمود عباس
سهولة استغلال الدول الإقليمية، المعارضة السورية، في مؤامراتهم ضد الكرد ضمن سوريا، بل وضد المجتمع السوري بمجمله، جاءت لانتهازية بعض قيادييها، وهذه أضافت كراهية، بين الشعبين، على المتراكمة منذ هيمنة البعث على السلطة، وفاقمت منها هجمات العديد من قياداتها المسعورة، وبلغة دونية، وبأوامر من سلطات إقليمية، ليس فقط للطعن وبغدر في الحركة الكردية السياسية، وخاصة النزيهة منها، بل لتجريح الأمة الكردستانية، ومنهم من حاول التشكيك في تاريخها وقيمها الاجتماعية وبأساليب منحطة، وبدون أي رادع أخلاقي،
كما واستخدم البعض منهم وبخباثة، الإعلام العربي المتعاون معهم أو إعلام المعارضة لضرب العلاقات الإنسانية بين الكرد والعرب، وبنفس عنصري مقيت، إلى أن بدى لنا وكأننا أمام جدلية الخدمات المتبادلة بين قيادات من المعارضة السورية والسلطات المعادية للكرد، متناسين وبإدراك وليست لسذاجة بل لارتزاق وخيانة بالمجتمع السوري، أنهم بأفعالهم تلك يخلقون شرخا مميتاً بين الشعبين، وجرحا سوف لن يندمل بسهولة، وبها نجحوا في تقزيم المعارضة أمام السلطة، السعيدة ببشائعهم وخيانتهم للشعب الكردي بل وللمجتمع السوري برمته.
لا شك، كانت لسلطة بشار الأسد ضلع فيما كان يجري من وراء الكواليس، إما عن طريق عملائها المبثوثين إلى داخل المعارضة من البعثيين، أو عن طريق مرتزقة تركيا وقطر والسعودية، وبينهم خريجي أملاءات سجون السلطة وثقافة مربعاتها الأمنية.
معظمهم كانوا يعترضون على حضور القوى الكردية كطرف مستقل في المؤتمرات قبل وفد السلطة، بل ولم تنتهي واحدة منها دون تصريح منحط من أحدهم بحق الشعب الكردي أو أطراف حركته، بل وعملوا بتفاني مع تركيا وبعض الدول العربية لإلغائه كشعب قائم على أرضه التاريخية ضمن سوريا الحالية، أو أنه جزء رئيس من المجتمع السوري، مرة تحت الشعارات الوطنية، وأخرى بشكل مباشر وبتصريحات عنصرية، ونحن هنا لا نتحدث عما فعلوه من تدمير للعلاقات الإنسانية بين الشرائح الأخرى في المجتمع السوري، والتي تحتاج إلى الكثير، فعدد الفصائل العسكرية وخلافاتها وتبعيتها مثل تبعية مرتزقتها السياسة في الخارج للدول الإقليمية، وإلغائهم للأخر غير العربي أو المسلم السني، تعكس الحقيقة.
تدرك القوى الكبرى أن سوريا لن تستقر إلا بمعالجة القضية القومية والمذهبية، وعلى رأسها القضية الكردية وبشفافية، كشعب قائم على أرضه التاريخية، ولن تنتهي الخلافات ما لم يتم البحث في الحلول المستقبلية من خلال النظام الفيدرالي اللامركزي، والتخلي عن الوصاية على القضية الفلسطينية، فهم أدرى بحل قضيتهم مع الإسرائيليين، كما ولا بد من إبعاد العداوة الظنية المسبقة لإسرائيل، وهذا ما كانت على المعارضة التركيز عليها وعرضها أمام وفود السلطة في جميع المؤتمرات التي جرت من جنيف إلى الرياض إلى إستانبول إلى القاهرة إلى الأستانة، ولكنها لم تتجرأ من تجاوز ثقافة الفكر الشمولي الاستبدادي، فظهرت ضمن جميع هذه المؤتمرات كبديل إرهابي إسلامي تكفيري منبوذ من الدول الحضارية، وليس بأفضل من السلطة الأسدية الشمولية الدكتاتورية.
هذا النهج تم استغلاله من قبل تركيا وإيران، فالأولى، سخرت المعارضة وبسهولة على محاربة الكرد، وسخرت معها أطراف من الحركة الكردية والكردستانية كأدوات، مثلما يجري الأن في منطقة عفرين، وجرت سابقا في كوباني، والمؤدية إلى توسيع الشرخ بين الكرد والعرب، خاصة بعد أن أقنعوا مرتزقتهم في إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق الكردية، فهذا التحشيد العنصري يسخر الأن في تركيا كانتصار لصالح حزب العدالة والتنمية وسيستثمر في الانتخابات التركية القادمة، وبالمقابل تستخدمه سلطة بشار الأسد كمسوغ لإدامة عمرها، المرتبطة بعلاقة جدلية مع وجود أو انتهاء المعارضة التكفيرية المحتضنة أردوغانيا وقطريا.
ولهذا فحفاظ تركيا الشكلي على المعارضة العسكرية ومساعدتها للسيطرة على إدلب وجرابلس والباب وعفرين خدمة مباشرة لبشار الأسد، وذلك بناءً على الاتفاقيات السرية بينها وبين إيران وروسيا، لذلك ليس فقط تتساهل فيها روسيا بل تدعمها إيران استنادا على الاتفاقيات المعقودة في القمم الأخيرة التي جرت في سوجي وأنقره وطهران، وهذا ما أدى إلى وضوح نية الثانية حول القضية الكردية، بالتساهل مع التجاوزات التركية أي تجاوزات المعارضة، لتعود السلطة إلى سابق عهدها في التعتيم على القضية الكردية في سوريا، واستغلال أطراف من الحركة الكردستانية لإنجاح مخططها، وهذا ما تنتهجه سلطة ولاية الفقيه تحت غطاء الدولة الإسلامية في الجغرافية الإيرانية.
لا شك، ورغم كل هذه المخططات والمؤامرات على الكرد، فإن أردوغان مثل السلطات التركية السابقة والقادمة وأئمة ولاية الفقيه يدرك أنه وبدون حل عادل للقضية الكردية، لن يكون هناك استقرار، ليس فقط في الدول الأربع المحتلة لكردستان، بل في المنطقة، وأن عمليات التغيير الديمغرافي للمناطق الكردية، والاعتداء السافر على الشعب الكردي في منطقة عفرين، ليس فقط لا تحل الإشكاليات العالقة بل تزيدها تعقيدا، مثلما يعلم أن هذه القضية هي من أحد أهم النقاط الخلافية بين تركيا والدول الأوروبية، ولذلك فمعالجته الواقع الكردي في غفرين بأساليبه الجارية، ودون إدراجه كجزء من القضية الكردستانية في تركيا، فلن تنعم لا سلطته ولا القادمة باستقرار سياسي أو اقتصادي، وستستمر المشاكل وستنجرف تركيا إلى ما لا يحمد عقباه، كما وعدم الاقتناع أن جنوب غربي كردستان امتداد ديمغرافي وجغرافي لكردستان الشمال، ستوصله إلى نهاية نفق مظلم، لذا وعلى الأغلب في القادم من الزمن ستعيد حكومة أردوغان حساباتها، وحينها من المتوقع أن يبحث عن حلول سلمية، ليست كما تريده المعارضة والسلطة السورية، بل من منطلق مصالح تركيا، مع ذلك تبقى إشكالية مدى التزامه بنهج الإخوان المسلمين المتعارض مع الحلول القومية حاضرة وبشكل سلبي.
كما وتدرك المؤسسات الأوروبية والأمريكية والروسية المعنية بالقضية الكردية والسورية، أن عملية تساهلهم في نقل منطقة عفرين من احتلال إلى أخر، وغض النظر عن التغيير الديمغرافي الجاري على الساحة، زادت من تعقيد الكارثة السورية، خاصة وهم يشاهدون كيف أن الكرد أصبحوا، أي كانت الأسباب، القوة العسكرية الثانية في سوريا، ولهم ثقلهم السياسي رغم الإنكار والتهميش، وقطع كل الطرق الدبلوماسية عليهم ومحاولات عزلهم سياسياً داخليا وخارجيا، لذلك ومن أجل تسهيل الأمور في حل الإشكاليات السورية عندما تحين اللحظة المناسبة، سوف يعيدون النظر في العرض الكردي حول الفيدرالية في سوريا، أو نظام مشابه له، ولربما بدون التسميات المذكورة، ويحتمل أن تكون هذه من القضايا المطروحة مستقبلاً على طاولة البحث بين روسيا وأمريكا، ولا يستبعد أن تفرض بشكل أو أخر على القوى الإقليمية، حتى ولو استمروا في معاداتهم للكرد، والمؤشرات عديدة، فرغم التعتيم المفاجئ بعد قضيتي كركوك وعفرين، بدأت تنمو من جديد، حراك دولي، يطالبون فيه إعادة الاعتبار للقضية الكردية في سوريا، ربما ليس من أجل المصلحة الكردية بل لأن مصالحهم تتطلب ذلك، ويتم البحث عن تشكيل قوة أكثر ديمقراطية ورصانة وتعكس إرادة الشعب وليست الأحزاب الكردية أو القوى السياسية المتصارعة والراضخة لأجندات القوى الإقليمية، وهذه المطالب بدأت تتصاعد، متزامنة مع مخططات إيجاد البديل عن سلطة بشار الأسد والمعارضتين السياسية والعسكرية السورية المتبقية فلولها في إدلب ومنطقة عفرين وجرابلس.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
12-5-2018م