تحية إلى أهلنا في آمد وكردستان تركيا

توفيق عبد المجيد

يذكر التاريخ قبل ستة وسبعين عاماً أن وزير العدل التركي في ذلك الوقت ( محمود أسعد ) – الذي يبدو من اسمه أنه كان مسلماً – خاطب الأكراد في كلمة ألقاها في الناخبين عام 1930 قائلاً :      ( إننا نعيش في تركيا أكثر بلدان العالم حرية ..

والتركي هو الحاكم الأوحد والسيد الوحيد في هذا البلد
أما أولئك الذين لا ينتمون إلى العنصر التركي النقي ، فإن لهم عندنا حقاً واحداً لا غير ألا وهو حقهم في أن يكونوا خدماً ، حقهم في أن يكونوا عبيداً ، فليفهم أصدقاؤنا وأعداؤنا سوية هذه الحقيقة ولتفهمها أجبال هي الأخرى كذلك ) هذا كلام لوزير تركي مسلم ، كان قد استوزر في وزارة ( العدل ) ، ولم يشذ القادة الأتراك عن هذه القاعدة حتى الآن ، بل ازدادوا تمسكاً بها وتطبيقاً حرفياً لها حتى وهم في القرن الحادي والعشرين ، مقلدين النعامة التي تخبئ رأسها في الرمال ، مغلقين النوافذ بإحكام كي لا تدخل منها رياح العصر الجديد فتلامس أنوفهم التي تعاني من بالزكام .
لقد استطاع الحكام الأتراك وعلى مدى التاريخ وحتى نهايات القرن العشرين أن يقمعوا الثورات والانتفاضات الكردية بوحشية وعنف قل نظيرهما ، فعند التنقيب والغوص في متون التراث الكردي والتركي نجد أنهم  قمعوا وسحقوا بعنف ثورة الشيخ عبيد اله النهري عام 1880 ، كما قمعوا ثورة بدرخان التي امتدت بين عامي ( 1842-1843 ) والتي اندلعت ضد الدولتين التركية والإيرانية ، ثم تابع هؤلاء الدمويون مسلسل البطش والقمع فكانت ثورة هكاري وبوتان اللتين اندلعتا في عام 1853 – إلى عام 1856 بقيادة القائد يزدان شير ولم تكن انتفاضة ديرسم ( 1877- 1878 ) أفضل حظاً من سابقاتها ، ثم كانت حركة بدليس في عام 1912 بقيادة الشيخ سليم والشيخ شهاب الدين والتي قمعت هي الأخرى بقسوة بالغة ، وفي عام 1917 انتفض الكرد في مدن ديار بكر وخربوط والموصل وبوتان وماردين والسليمانية لإبعاد شبح الإبادة الجماعية والتصدي لمعاهدة سايكس بيكو ، ثم توالت الانتفاضات والثورات فكانت ثورة الشيخ سعيد بيران ( 1920-1925 ) تلتها انتفاضة جبال أرارات ( 1927-1930) بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا وسميت بانتفاضة ( أكري داغ ) لكنها قمعت هي الأخرى من قبل فوات أتاتورك .
يذكر الكاتب الكردي الأستاذ ( كوني رش ) في كتابه : ( جمعية خويبون ووقائع ثورة أرارات ) وفي الصفحة (51) أن الجنود الأتراك ( وضعوا جثث الشهداء الكرد في أكياس من الخيش ربطت بإحكام وألقي بهم في بحيرة وان ) كما نشرت صحيفة ( مليت ) التركية ( صورة رمزية لضريح ثورة أرارات تعبيراً عن الواقع في كردستان كتب على شاهدة الضريح ( ” هذا ضريح كردستان الخيالي ) لكن ذلك الموقف البطولي لقادة الثورات الكردية وهم على أعواد المشانق اختزنته الذاكرة الكردية دائماً وأبداً ، واحتفظت به إرثاً نضالياً بطولياً ورجولياً للأجيال القادمة ، فلقد حافظ هؤلاء القادة الأبطال على روح البطولة وهم يترنحون على أعواد المشانق ليذكرهم الشعب الكردي في كل مكان بإجلال وإكبار ، وقد ضرب الشيخ سعيد بيران مثلاً رائعاً على ذلك عندما قال ( لقد بلغت نهاية الحياة الطبيعية ، ولست نادماً على أنني أضحي الآن بحياتي في سبيل وطني ، ومن أجل شعبي ، ويكفينا أن أحفادنا  سوف لن يخجلوا أمام الأعداء  ) .
وفي خطوات استباقية ، ولكي لا تنتشر جذوة الفيدرالية الكردية من كردستان العراق إلى كردستان تركيا – أكبر الأجزاء مساحة وسكاناً – كانوا يتدخلون مراراً في كردستان العراق بحجة ملاحقة المقاتلين الأكراد ، ثم هددوا أكثر من مرة بأنهم سيتدخلون في كردستان العراق لمنع قيام كيان كردي وخاصة إذا ضمت كركوك لإقليم كردستان العراق مراهنين على التركمان الموجودين هناك ، مضخمين عدد سكانهم الذين أثبتت الانتخابات الأخيرة حجمهم الحقيقي ، ثم رضخوا للأمر الواقع أخيراً واعترفوا بالإقليم بصورة غير مباشرة عندما قبلوا الدخول إلى تركيا بجوازات سفر كردستانية .
لن تنفع الحكام الأتراك سياسة النكران وعدم الاعتراف بمن كانوا يسمونهم ( أتراك الجبال ) حتى وقت قريب ، لن ينفعهم ارتداء أثواب الحداثة ، لن تنفعهم تسديد الفواتير والاستحقاقات الكردية في تركيا بالتقسيط ، والتقسيط المريح ، لن تنفهم هذه المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي سمحوا بها مؤخراً بعد أن كبلوها وأثقلوا كاهلها بهذه القيود والممنوعات الكثيرة ، الشعب الكردي هو القومية الثانية في تركيا ولا نقول القومية الأولى ، وليست المواطنة شيئاً من الكماليات إنها مثل الخبز والملح والهواء ، وهي حق مقدس منحه الرب ، وليست هبة أو صدقة أو منحة من أحد ، المواطنة حق مقدس ، والكردي صاحب حق تاريخي دفع الكثير الكثير للحصول علبيه .
كفاكم هذه السياسة الإنكارية فأنتم في القرن الحادي والعشرين ، ألا تذكرون ما قاله بيل كلينتون في برلمانكم عام 1998 عندما جعل العقد الأول من الألفية الثالثة عقداً كردياً ؟
أقول بمرارة شديدة وأشجب وأستنكر وأدين هذا الصمت من قبل الأشقاء أولاً ، وهذه التقييم الحزبي التحزبي ثانياً – وقد أكون على خطأ – وهذه اللامبالاة من قبل المجتمع الدولي المتحضر ثالثاً ، ثم أنحني احتراماً للشهداء والجرحى الذين سقطوا بسلاح البطش التركي ، فها هي المظاهرات تستمر (حتى هذه اللحظة تحت مسمع ومرأى العالم كله دون أي تدخل دولي لوقف آلة القمع التركية ودون أن تراعي الدولة التركية أية قدسية أو حرمة لتعهداتها وتواقيعها لمواثيق حقوق الإنسان والأمم المتحدة والتزاماتها أمام الإتحاد الأوربي ) .

موقع كسكسور
ومن الجدير بالذكر ( أن أياً من الاحزاب الكردية في سوريا لم تدلي بأي تصريح أو بيان استنكاري ضد الاحداث التي تشهدها دياربكر و كردستان الشمالية من قتل واعتقالات للشباب الكرد ) موقع بيامنر في كردستان العراق
ختاماً أقول : سينتصر شعبنا في كردستان تركيا بالتأكيد ، وستضطر الدولة التركية الديكتاتورية دولة العسكر والجندرمة أخيراً إلى الاعتراف بحق الشعب الكردي في تركيا في تقرير مصيره بنفسه وبالطريقة التي يقررها هو ، وستتخلى الدولة التركية عن هذه الوسائل العنفية إن عاجلاً أم آجلاً وستنحني أمام العواصف الدولية العاتية ، فكفاكم هدراً للوقت ، وكفاكم سفكاً للدماء ، وكفاكم تبديداً لثروات الشعب التركي ، وكفاكم هذه النـزعة الاستعدائية الانتقامية الإلغائية ، وهذا التعامل الاستعلائي ، وهذا التدمير الممنهج ، وكفاكم تخندقاً وراء أيديولوجيا الدعس والسحق والتدمير ، وستحصدون ما زرعتم ، ولا مفر أمامكم من ذلك وإن تأخر الموسم ، وليكن في معلومكم (أن الحرمان والكبت والقمع والاستبداد، ينمي التعصب والتطرف بكل أشكاله ويولد الاحتقان والغلو ويسبب الانفجار ، حيث تكون السياسة ردود أفعال سلبية أكثر من أن تكون فعلاً  ايجابياً  ) .
وعليكم حل القضية الكردية في تركيا قبل فوات الأوان ، لأن الشعب الكردي نهض من خموله وخرج من كهوفه المظلمة ، وحطم حاجز الخوف ، ورفض أن يبقى إلى الأبد ضحية تغول الدولة التوتاليتارية المركزية واستبدادها القومي العنصري ، أم أنكم لازلتم مؤمنين بنظامكم الرجعي بامتياز ، رافضين نظرية تفكك الكيانات القمعية الدموية ، عاجزين عن التكيف والتعاطي مع المتغيرات والمستجدات ، ناسين أو متناسين أن زمن التعامل مع الأيديولوجيات اليقينية قد مضى وجاء وقت التعامل مع الواقع ، لكنكم عوضاً عن الاعتراف بالواقع المتغير دوماً ، تعودون القهقرى كلما وجدتم أنفسكم بمواجهة عقبات وعقد يستوجب عليكم حلها ، وتستمطرون ذاكرتكم المعطوبة فتجدون في زواياها المعتمة والمهجورة قول وزير عدلكم المسلم قبل ستة وسبعين عاماً .
الهوامش :
1-  كتاب كوني رش (جمعية خويبون ووقائع ثورة أرارات )
2-  ( موقع كسكسور الانترنيتي ) مع الشكر الجزيل للقائمين عليه لأنهم أول من كتب عن أحداث آمد
3-  موقع ( PNA ) كردستان العراق
4-  موقع الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…