علاء الدين عبد الرزاق جنكو
ameer336@hotmail.com
على مرأى أشراف وزعماء قريش وهم جالسون عند الكعبة، يقف على رؤوسهم، ويكسر بصلابة إيمانه كل الحواجز التي تحول دون عبور الكلمة إلى الآذان، ويرفع صوته صادحا بالقرآن الكريم : ( الرحمن، علّم القرآن، خلق الإنسان، علّمه البيان، الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان ) .
ثم يواصل قراءته، وزعماء قريش مندهشون، لا يصدقون أعينهم التي ترى، ولا آذانهم التي تسمع، ولا يتصورون أن هذا الذي يتحدى بأسهم وكبريائهم، إنما هو أجير أحدهم، وراعي غنم لشريف من شرفائهم ….
عبد الله بن مسعود الفقير المغمور..!!
فقاموا إليه يضربونه في وجهه، ليرسموا لكل ظالم منهجا في تعامله مع مخالف له عندما يبوح بخلاف رأيه أو قوله وحتى نيته .
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ماض في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ..
ثم عاد إلى أصحابه مصابا في وجهه وجسده، فقالوا له : هذا الذي خشينا عليك..
فقال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا ….
قالوا : حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون”..!!
وهذا هو السلوك الماضي مع الإنسان، عندما يحكمه الظلم والطغيان، وعلى رقبته مسلط صولجان السلطان …
وحملت الصحافة على عاتقها مسؤولية نقل الحقائق الغائبة إلى الناس بأمانة وحيادية وموضوعية، فهي أشبه ما تكون بالمرآة التي تعكس الحالة الحقيقية التي يكون عليها المجتمع بكل تكويناته .
ورجالها هم حلقة الوصل بين الحق وفكر الإنسان …
وحرية الصحافة مرتبطة بشكل أساسي بحرية الفرد، فإذا ما تمتع الإنسان بحرية كانت الصحافة في مجتمعه بخير، وحينها تعمل الصحافة كجزء من حرية التعبير عن الرأي ضمن الضوابط الأخلاقية .
والصحافة بالصورة التي هي عليها اليوم قفزت قفزة هائلة مقارنة بعمر الإنسان فقد ارتبطت الصحافة بشكل كبير بوسائل الاتصال المتنوعة والمتطورة.
والملاحظ أن الصحافة بأكملها في مجتمعنا الكردي– إلا ما رحم ربك – هي بيد التيار العلماني، ومنذ أكثر من نصف قرن، ولا أدري هل هذا جاء نتيجة توجه مقصود من تلك التيارات، و المؤيد – عفويا – من قبل الحكومات أيضا نتيجة صراعاتها من التيارات الإسلامية مدة طويلة، أو بسبب قصور أصحاب التوجهات الإسلامية، وعدم قدرتهم على مواكبة العصر الذي يستدعي جملة من التغيرات والأساليب الجديدة حتى يتمكن من إثبات نفسه .
ليس المهم الخوض في أسباب ذلك، لأن الوضع الذي نحن فيه قد تغير نوعا ما، فلم يعد التيار العلماني يمسك بزمام الصحافة بشكل مطلق، ولا التيار الإسلامي غائب عن الإعلام، ولا يخفى على أحد أن بعض الحكومات قلَّبت موقفها إلى داعم لبعض التوجهات الإسلامية، حرصا على مصالحها لا دفاعا عن مبدأ ودين يحقق السعادة للناس كما أرى من وجهة نظري …
ولو عدنا مرة أخرى إلى الموقف من الصحافة، كيف نظر إليها الإسلام بحكمه الدين الذي يدين به مجتمعنا الكردي .
ففي مقالات سابقة لي، بينت أن الإسلام يتبوأ صدارة الأديان والمبادئ والنظريات في منحها حرية الرأي واحترام الرأي الآخر والأدلة القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة كثيرة في هذا المجال ….
ولعل الحوار الذي دار بين الخالق والشيطان من جهة، وبين الخالق والملائكة من جهة ثانية، درس وإشارة إلى أهمية الحوار، والتواصل مع الرأي المخالف حتى إلى نهاية الأمر كما أعطى رب العالمين الحق للشيطان أن يستمر في غوايته للبشر إلى يوم القيامة !!!!
كما أن قوله تعالى : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) ضرب أروع المواقف في عدم الحجر على الحق، ومعطيا الاحتمال أن الرأي الآخر قد يكون صوابا ….
وكم أتعجب من بعض الكتاب الذين يرمون أحكامهم جزافا من غير التحقق فيها، فترى من يتهم الإسلام بالحجر على حرية الرأي عندما لا يقبل المسلمون شتما وسبا لأحد مصادره أو رموزه، في الوقت الذي تقوم قائمة أحدهم إذا ما سُب وشُتم والده مثلاً !!!! فهذه الازدواجية برأيي مرفوضة عند أصحاب العقول النيرة من أي اتجاه وتيار كانوا .
ذكرت ذلك لارتباط الصحافة الوثيق مع حرية الرأي، ولا يتضح الموقف من أحدهما إلا ببيان الموقف من الآخر .
كما أن الإسلام دعا إلى ذكر الحقيقة والقول به، بل جعل إعلان كلمة الحق أعظم أنواع الجهاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) ، فكيف إذا كان هذا الحق غائبا عن شعب بأكمله، ثم يقوم الإنسان بتوضيحه .
ومن طرائف ما سمعت :
روى لي صديق عزيز على قلبي – كردي مثلي – أنه ركب سيارة أجرة في العاصمة المصرية مدينة القاهرة، ودار حوار بينه وبين سائق السيارة، فعرَّفه بنفسه قائلا : أنا من الأكراد ؟؟ فيسأله السائق : إي يعني أكراد ؟؟ فأجابه : نوع من السندويشات تشبه الهامبوركر ؟!! فيسأله السائق : وهل يوجد مثلها عندنا في مصر ؟! وكم ثمنها ؟!!
صديقي لم يبد عجبا من موقف صاحب السيارة، لأنه كان صحفيا، وكان على علم كم أثرت الصحافة الحكومية على تعتيم وتضليل القضية الكردية، وبدورها الصحافة الكردية لم تقم بالدور المناط بها بشكل مقبول فهي مشغولة بتعويض أيام الأحزان والمآسي والحرمان بمشاهد الرقص والغناء والموسيقا المتطورة !!!!
وفي يوم الصحافة الكردية الذي يصادف 22 نيسان أقف بكل جلال واحترام وأذكر بكل حب وتقدير ذكرى شهداء الصحافة من أي بلد وقومية ودين كانوا …
كما وأشد على يد الإخوة الصحفيين – والكرد خاصة – بسبب حملهم أثقل ما يتصورون، قضية شعب سحق تحت شعاراته المقدسة !!
كما وأذكرهم – بما لا ينسوه إن شاء الله – أن الصحافة المتزلفة والمنحازة والمأجورة تؤدي إلى ضياع الحقوق وانقراض هذه المهنة ونهايتها يوم بعد يوم، وأن لا يخرِجوا العمل الصحفي بأي حال من الأحوال عن ضوابطه الأخلاقية، تلك التي تكسوها أجمل أثواب الصدق والأمانة والاحترام .
أعود لعبد الله بن مسعود ( رضي الله عنه ) صاحب الجسم العصفوري، والساقان النحيفتان، وهو يقف على صدر أبي جهل – أحد الذين ضربوه يوم أن أفصح بقراءة القرآن في مكة – ليعلن انتصار الحق وانتصار صوته المتمثل في الصحافة وإعلان الحقيقة في غزوة بدر- وأبو جهل مستمر في تكبره وجبروته وطغيانه، وتصوره انه ما زال رئيسا وزعيما لا يقهر، فيقول لابن مسعود : لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويع الغنم …
فرد عليه رمز المستضعفين : ما رقاني إليه إلا الإسلام يا عدو الله ……
فلكل طاغية نهاية …..
ولكل مخلوق أجل …