لقد بات واضحاً للجميع أن سياسة القمع والتنكيل والاعتقال التعسفي بحق المناضلين أينما كانوا، ليست حلولاً للقضايا الوطنية في أية بقعة من بقاع العالم، ولم ولن تنجح أية قوة مهما كبرت وتجبّرت أن تفرض حلولها العنفية الزجرية كوصفات لمعالجة القضايا المعقدة أو تصبح بديلاً عن الحوار والتفاهم الوطني، خصوصاً إذا ارتقت هذه القضية إلى مستوى قضية شعب مظلوم محروم من أبسط حقوقه القومية والإنسانية والديمقراطية كقضية شعبنا الكردي في سوريا.
فقد تستطيع قوة غاشمة أن تخمد الأصوات المعارضة لسياسات أصحابها مؤقتاً، ولكنها قطعاً، لم ولن تستطيع إسكاتها إلى الأبد، أو سحق إرادة الشعوب المناضلة من أجل حقوقها المشروعة وترغمها على الرضوخ والاستسلام.
ليس بخاف على أحد ما يحيط ببلادنا من ظروف استثنائية وتهديدات متربصة بالشعب والوطن، وما تعانيها بلادنا داخلياً من حالة فساد مستشرية وتسيب واستئثار حزب البعث بالسلطة والمجتمع منفرداً، وممارسة العنف والاستبداد بحق كافة القوى الوطنية المعارضة لسياستها، إضافة إلى العزلة الخانقة التي يعانيها النظام عربياً وإقليمياً ودولياً، ناهيك عن الضغوط الدولية الخارجية نتيجة عوامل تتعلق بسلوك النظام وعقليته الشمولية الرافضة لأية تعددية…فالحق يقال، إن مستقبل البلاد بات في خطر حقيقي، يستوجب من الجميع اليقظة والحذر، وعدم الركون للامبالاة، والعمل جميعاً على إنقاذ الوضع المتأزم الذي يزداد تأزماً واستفحالاً يوماً بعد يوم.
في ظل مجمل هذه الظروف، ليس من الحكمة والتعقل بشيء أن تلجأ السلطة السورية إلى اعتقال المناضل محي الدين شيخ آلي، في إطار سياسة القمع والتنكيل التي تنتهجها بحق الناشطين من أبناء شعبها المختلفين معها بالرأي، لأن الاختلاف بالرأي حق دستوري مصان وكفلته شرعة حقوق الإنسان، وليس جرماً يستحق صاحبه العقوبة والاعتقال!!… فلئن اعتقد النظام أنه بالإقدام على اعتقال الناشطين من المعارضة الوطنية والمناضلين الكرد في سوريا وممثلي لجان المجتمع المدني وحقوق الإنسان يعتبر حلاً للقضايا الوطنية- التي يستوجب حلها الجلوس مع مختلف الفعاليات السياسية والمجتمعية والثقافية على طاولة الحوار- فإنها الطامة الكبرى، وتعبر عن ضيق أفق سوف يدفع الجميع ضريبتها مستقبلاً..
يخطئ النظام عندا يسعى عبر قنواته ودسائس أجهزته الأمنية إلى إيهام الرأي العام العربي والسوري بأن الشعب الكردي ما هو إلا عبارة عن أناس فارين من ظلم السلطات التركية تسللوا عبر الحدود وسكنوا الشمال السوري في غفلة من الزمن، وهم ليسوا من سكان البلاد الأصليين!!… واليوم يريدون الانقلاب على مضيفيهم واقتطاع الأجزاء الشمالية من البلاد عن جسد الوطن وضمها لدول أخرى!!…ليس هذا فحسب، بل يتم إظهارهم على الدوام وكأنهم بيادق بأيادي المتربصين بالأمة العربية!! يتم تحريكهم وقتما يشاؤون!!!
لم يعد خافياً على أحد بأن النظام يلجأ إلى كل هذه الذرائع المصطنعة لتبرير سياساته الظالمة اللاإنسانية الممارسة بحق الشعب الكردي في البلاد طيلة العقود المنصرمة.
فالحقائق التاريخية تدحض كل هذه المزاعم المفبركة من جذورها، فالشعب الكردي في سوريا ليس دخيلاً على هذا الوطن كما يزعمون باطلاً، بل هو مكون رئيسي من مكونات الشعب السوري منذ التقسيم الاستعماري الذي تعرضت له المنطقة بموجب اتفاقية يايكس-بيكو، وهو يعيش على تربة آبائه وأجداده التي دافع عن حدودها وكرامتها ضد الغزاة والطامعين، وقام بتأدية واجباته الوطنية كاملة دون الحصول على أي حق من حقوقه الوطنية، بل على العكس من ذلك، عومل على الدوام بالريبة والشك والتمييز…إلخ.
وأنه ومن خلال حركته الوطنية السياسية قد قرر العيش المشترك مع باقي أبناء سوريا على قاعدة الشراكة الوطنية والتمتع بحقوقه القومية الديمقراطية في ظل نظام ينتفي فيه الظلم والاضطهاد، وتوأدُ فيه سياسة التمييز القومي والعرقي البغيضة، ويتساوى فيه المواطنون بالحقوق والواجبات بغض النظر عن أجناسهم ولغاتهم وأديانهم… ومن هنا، كان التوقيع على إعلان دمشق بين مختلف قوى وأطياف المجتمع السوري بداية مرحلة جديدة لبناء سوريا الحديثة، سوريا العصرية التي يشعر فيها الجميع أن البلاد هي بلادهم وليس فيها أسياد وعبيد، ووضعت قوى الإعلان المذكور برنامجها للنضال من أجل التغيير الديمقراطي السلمي للوصول إلى أهدافها المنشودة.
ويجدر التنويه بأن القضية الكردي في سوريا قد انتقلت من مواقع التقوقع والانعزالية القومية التي فرضتها السلطات على هذه الحركة بغية شل حركتها وإبعادها عن الوسط العربي المحيط والمتفهم لعدالة هذه القضية كي لا ترى الحقائق طريقها إلى النور، وأخذت اليوم موقعها بين القضايا الوطنية العامة التي تستوجب الحل العادل، الحل الجذري والصحيح، فاستطاعت الحركة بفضل الحوارات الجادة البناءة مع القوى الخيرة العربية والآشورية(السريانية) أن تتفق على العديد من القضايا الهامة، ولم تعد الحركة الكردية وحيدة في ميدان النضال من أجل نيل حقوقها المهضومة، وستجد هذه الحركة حتماً إلى جانبها العديد من المناضلين السوريين المؤمنين بعدالة هذه القضية العادلة.
وعلى النظام أن يدرك بأن الاعتقال والقتل لا تزيد الشعوب المناضلة إلا تمسكاً بقضيتها وعزيمة على مواصلة الدرب، ولن تثني من إرادة أبنائها في النضال من أجل حقوقها، والتجارب في هذا المضمار أكثر من أن تعد أو تحصى…
نستطيع القول بأن السلطة قد أخطأت عندما أقدمت على اعتقال مناضلي ربيع دمشق ونشطاء حقوق الإنسان، وها هي تخطئ اليوم خطاً أكبر عندما أقدمت على اعتقال رمز من الرموز الكردية الأستاذ محي الدين شيخ آلي المعروف لدى الأوساط الكردية والعربية بهدوئها ورزانتها ووطنيتها… فهل هناك من يصغي إلى لغة العقل والحوار بدلاً من الترهيب والسجون!؟.
———————–
* كاتب كردي من سوريا