جان كورد
26.12.2006
” أنا منذ اعتقال الشيخ آلي عضو في حزبه وهو الأمين العام لحزبي.”
بداية أوّد التذكير بأنني لا أتفق في كثير من الأفكارالسياسية التي يحملها ويروّجها الأستاذ المحترم محي الدين شيخ آلي، السكرتير العام لحزب الوحدة الديموقراطي الكوردي (يكيتي) في سوريا وعضو اللجنة العليا لاعلان دمشق الشهير… ولو كنت متفقاً معه في أفكاره لانضممت إلى حزبه منذ زمن طويل، ولوقفت في جانبه في محطات سابقة…
مقهى النخيل الذي اعتقل فيه الأستاذ شيخ آلي لايبعد كثيراً عن قبو للمخابرات السورية، كنت قد اعتقلت فيه في سبعينات القرن الماضي، وكانوا يأخذونني مقيّد الأيادي، وأنا في وضع جسمي تعيس، بلا ثياب نظيفة وبدون حلاقة، إلى معهد اعداد المدرّسين بحلب لأشارك في امتحانات نصف السنة الأخيرة التي تقدمت قبل ذاك وأنا في سجن المزّة العسكري – دمشق برجاء في عدم حرماني منها، وإلاّ سأنتحر، فوافق أحدهم من المسؤولين الذي لاأعرف بالضبط من كان، ولكن أحد المقيمين معي في العنبر المليء بالمقملين من البشر قال لي بعد سماعه أمر الموافقة بأن السيد العطوف قد وافق على ذلك ليخوّف بمنظري ووضعي زملائي الآخرين من الذين سيصبحون مدرّسين مساعدين في الثانويات والاعداديات، ولكن حتى لا أظلم أحداً أقول: لا أدري ما السبب في الموافقة…
الأستاذ شيخ آلي ربما يقبع الآن في تلك الزنزانات غير البعيدة عن مقهى النخيل لأنها كانت تابعة للمخابرات العسكرية، وقد سمعنا بأن الأمن العسكري اقتاده من المقهى… والسؤال الذي لا أجد له إجابة: لماذا كان يتردد الأستاذ شيخ آلي باستمرار إلى ذلك المقهى بالذات – حسب ما سمعناه من رفاقه القياديين في غرف البالتوك – وهو ملاحق منذ أكثر من (25 عاماً) كما يقال، ويعلم بوجود ذلك القبو المريع منذ اعتقالي آنذاك – حيث كنا رفاقاً في ذات الهيئة الحزبية؟… على كل حال أنا لا أستطيع الحكم على الأمر من ديار الغربة البعيدة، ولا أدري بماذا يجيب حزبه عن تساؤلي ذاك؟
أعلم عن الشيخ آلي الكثير، وبعض ما أعلمه كان نتيجة تجربتي الحزبية معه لسنوات عديدة، في وقت كان فيه النضال الكوردي في سرّية تامة وفي خوف كبير حقاً، وبعض ما أعلمه هو عن طريق رفاقه الآخرين الذين ناضلوا إلى جانبه وشاركوه في المسيرة الطويلة من الانتصارات والانتكاسات، من الانشقاقات والاتحادات، ويكاد نتفق جميعاً على أمر واحد بصدد شخصية هذا السياسي العريق، ألا وهو أنه هادىء بطبعه، غامض في بعض جوانبه، تربى تربية حزبية، اكتسب خبرة تنظيمية وسياسية، مثقف واع، وقادر في نفس الوقت على التضحية بأقدر وأكفأ رفيق له من أجل التسلّق نحو الأعلى، أي أنه يملك مواصفات: السياسي المحترف.
ولذلك فقد أصبح كادراً في حزبه وملكاً له.
ولا أدري عنه إلاّ ما هو موجود في غيره من السياسيين من الخصائل، ولكن لايمكن – برأي- أن يكون أمر اعتقاله لأسباب غير سياسية، فهو رب عائلة متوازن اجتماعياً وحياته حياة سياسة وتنظيمات وحركة واختفاء ومشاركات فعّالة في كل ما يتعلق بالحياة السياسية – الثقافية للشعب الكوري، أي أنه واحد من الجيل الكوردي المتمرّد.
بانفصال مجموعة من رفاق الشيخ آلي بزعامة الأستاذ السياسي المحنك نوري بريمو الذي يعيش الآن – حسب علمي – في جنوب كوردستان، والذي شارك السيد شيخ آلي المسيرة أكثر من عقد من الزمن بالتأكيد، بل ربما العقدين، في مختلف المستويات القيادية ومختلف العمليات الانشقاقية في الحركة، ظهرت مجموعة من الدلائل والأقاويل والحقائق والتهم المتبادلة بين الفريقين حول السياسة التي حاول الأستاذ شيخ آلي فرضها على الحزب وقياداته وتنظيماته، وهي سياسة غير منتجة حقاً بالنسبة إلى الشعب الكوردي وقضيته العادلة – إن كانت تلك التهم صحيحة – وبدا الوضع وكأن الأستاذ نوري بريمو قد خالف الأستاذ شيخ آلي على أمر “كوردستانية الحركة” حيث أعلن عن ظهور “حركة الحقيقة الكوردستانية في سوريا” بعد الانشقاق بفترة وجيزة، وكأنه أراد إظهار الشيخ آلي سائراً في الاتجاه المعاكس لكوردستانية الحركة الوطنية الكوردية السورية، بل ركّز على هذه النقطة بالذات في بياناته ومقابلاته ومقالاته القوّية حقاً والمقنعة في أسلوبها وعمقها الثقافي… إلاّ أن انضمامه مع عدد من رفاق حركته الجديدة بتأثير من المحيط الذي يعيش فيه إلى حزب البارتي الذي يقوده الأستاذ المناضل نذير مصطفى – عافاه الله- والمدعوم من قبل السيد الرئيس مسعود البارزاني، رئيس اقليم كوردستان العراق، ثبت للجميع بأن الأستاذ نوري بريمو قد وقع في تناقض كبير لأن حزب البارتي العريق في الكوردايه تي لايختلف في كثير من أطروحاته السياسية عن حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي (يكيتي) في سوريا، سوى أنه يعتبر نفسه كفرع للديموقراطي الكوردستاني الذي يترأسه الأخ المناضل مسعود البارزاني، وذلك منذ المؤتمر الوطني الأول لكورد سوريا عام 1970-1971 في كوردستان العراق، وانتخاب قيادة مرحلية تحظى بالتأييد الكامل من قبل الأب الروحي للكفاح الثوري الكوردي البارزاني الخالد.
مجموعة من رفاق الأستاذ نوري بريمو، من الذين رفضوا ارتماءه السريع في أحضان البارتي، بعد أن أظهر نفسه كمنقذ للحقيقة الكوردستانية في سوريا، انضمت إلى بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا الذي أعيد تأسيسه عام 1999-2000، والذي لي شرف وضع أوّل لبنة لاحيائه مع عدد من مناضلي الشعب الكوردي المخلصين لمسيرة الرعيل الأول، وكان هذا الحزب قد تأسس أوّل مرّة على أيدي خيرة رجالات هذا الشعب عام 1956-1957 وفي مقدمتهم المناضل الكبير عثمان صبري (آبو) والدكتور نوري الدين زازا، تغمدهما الله برحمته… ثم تعرّض الحزب الموّحد، الطليعة الكفاحية للكورد السوريين، إلى ضربات قوّية من النظم الشوفينية المتتالية على الحكم في سوريا، فقضت على وحدته وأجبرت قادته على تغيير إسم الحزب إلى البارتي الديموقراطي الكوردي في سوريا، ثم انزلق لأسباب عديدة إلى انشقاق بعد انشقاق، حتى أصبح في وضع لايستطيع أحد تعداد مشتقاته وأسمائه وفصائله… وبانضمام المجموعة الرافضة لتصرّف الأستاذ نوري بريمو المتسرّعة، تم ازالة عقبة كبيرة من طريق الأستاذ شيخ آلي الذي خرج من أزمته الداخلية الخانقة منتصراً…
إلا أن تعرّض العديد من قيادي الحركة الكوردية في سوريا، وبخاصة من كوادر ومسؤولي قيادات الأحزاب (يكيتي) الذي يقوده الأستاذ المناضل حسن صالح و ( آزادي) الذي يقوده الأستاذ المناضل خير الدين مراد، والذي لي شرف التعرّف عليه في سجن القلعة بدمشق في سبعينات القرن الماضي، و(تيار المستقبل) الذي يقوده الأستاذ الأديب المناضل مشعل التمو… وكان آخر تلك الاعتداءات الحكومية على الأستاذ فؤاد عليكو من لجنة التنسيق المشتركة بين هذه الأحزاب، وعضو في قيادة حزب يكيتي (وهو غير حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي الذي يرأسه الأستاذ شيخ آلي) وتعرّضه لمعاملة قاسية وضرب وجرح، وكذلك استدعاء الأستاذ حسن صالح من قبل الأمن السوري..
بات الكثيرون يتساءلون: لماذا لايعتقل النظام الشرس من قيادة حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي، وبخاصة أمينه العام، الذي يشاع عنه بأنه في ملاحقة واختفاء وحرص شديد على سرّية تجواله منذ ربع قرن من الزمن أو أكثر، وبخاصة فإن هذا النظام يزداد همجية ويتصرّف بعنف ضد كل الشعب السوري ورموز المعارضة الديموقراطية والوطنية والإسلامية واليسارية السورية من مختلف التيارات…
بعض الذين يتوجسون خيفة من مؤامرات النظام يرون بأن اعتقال الأستاذ شيخ آلي جزء من خطة مدبّرة لصقل وتلميع سمعة بعض القياديين السوريين الذين لايعادون النظام كغيرهم ويتعرّضون بسبب مواقفهم المتناغمة مع سياسة النظام العامة، والخارجية منها بشكل خاص، وهو محاولة مكشوفة لترقيع أثواب حدثت فيها ثقوب، وفشلت في ضبط الشارع السوري، ورغم استعمال أقنعة سميكة من عيار “إعلان دمشق“… ويقول هؤلاء: هاهي المنظمات الحقوقية والطلابية والفلاحية الكوردية المختلفة تعبّر عن تضامنها والتفافها حول النجم الكوردي اللامع، وبذلك يتم له بعد خروجه من السجن مالم يتمكّن من تحقيقه خارجه، ألا وهو: ضبط الحزب الذي ربما ينفلت من السياسة الكلاسيكية له، ويهرب بقواعده إلى صف المعارضة الكوردستانية المطالبة باسقاط هذا النظام والاتيان ببديل ديموقراطي حقيقي.
وهناك كورد وسوريون آخرون يقولون: النظام في تخبّط كبير وفي وضع ميئوس، يخاف فيه حتى من ظلّه، ويشك في أقرب السوريين، معارضين أو معترضين، ليس في صفوف قوى “إعلان دمشق” فحسب وانما في صفوف البعث أيضاً، ولذلك ليس بغريب أن يعتقل في هذا الوقت بالذات سكرتير حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي (يكيتي)، سواءً أكان يدعى بالشيخ آلي أو بغير ذلك، وبخاصة فإن التصريحات الأخيرة لهذا الحزب تشير إلى تحرّك إيجابي صوب الخندق المضاد، ولو كان ذلك تحرّكاً متواضعاً للغاية… ولربما يتم اعتقال قياديين آخرين معروفون بسياساتهم المهادنة للنظام…
إن الشعب الكوردي لن يقبل بعد اليوم بأن يختطف قادته ورجالاته والزجّ بهم في المعتقلات وتعذيبهم واهانتهم أو ترويعهم… إن الشعب الكوردي يثق في أن أحزابه، مهما كانت مرنة تجاه النظام، تضم عدداً لايستهان به من المناضلين الأشداء في سبيل سوريا ديموقراطية وحرّة، ومن أجل شعبهم المظلوم، ولن يتوانى عن تقديم العون لهذه الأحزاب للوقوف بقوة في وجه كل مخططات النظام الدموي هذا…
وأخيراً: أقول حتى وإن كان اعتقال الأستاذ شيخ آلي وغيره جزءاً من خطة مدبّرة لفرض الضبط الداخلي على بعض الأحزاب، فإن الشعب الكوردي قد أدار القرص، وحوّل وجهة حد السيخ الناري إلى صدر النظام بتضامنه الكبير مع الأستاذ شيخ آلي، حتى وصل الأمر بأحد معارضي سياسة هذا السياسي المعتقل من الذين كان بينه وبينهم جفاء إلى أن يقول:
” أنا منذ اعتقال الشيخ آلي عضو في حزبه وهو الأمين العام لحزبي.”