الرأسمال الأمني السوري

مصطفى إسماعيل

منظومة الظلم والتعسف السورية, القائمة على المعدلات الخيالية في انتهاك حقوق الإنسان وتغييب الحريات والديمقراطية ومصادرة الأنفاس وجميع أشكال التعبير أرادت أن تستضيف  اليوم العالمي لحقوق الإنسان, وكان لها ما أرادت حين نكلت مرة أخرى- كما في كل حراك سياسي وحقوقي معبر عن تطلعات الشارع السوري- بالاعتصام الكردي في قامشلو, وأطلقت قوى الأمن وحفظ النظام العنان مجددا- كما دأبت في السابق- لهراواتها وأعقاب بنادقها, وليؤدي ذلك إلى إجهاض جنين مقاربة كردية ديمقراطية وحضارية أخرى من الوضع البائس السوري.

يبدو أن ليس لدى السلطات السورية من رأس مال لدخول الفضاء العالمي المستجد سوى تلك العصي والأعقاب والقيء الأمني.

هل نقول إننا كسوريين محظوظين بهذه الأجهزة الأمنية البارعة في مقاومة الديمقراطية ومقاومة الإصلاح ومقاومة التحول الديمقراطي ومقاومة التغيير الديمقراطي ( ميشان ما يزعلوا جماعة إعلان دمشق )!!!..

إلخ قائمة السخرية المرة هذه.
الكورد يدركون بعد ابن خلدون ” إن الظلم يؤذن إلى خراب البلاد، وانهيار العمران ” لذا فهم حريصون على أن ينال بلدهم سوريا المركز الأخير في انتهاك حقوق الإنسان ومصادرة الحريات والفساد, ولكن العقل الاجتياحي الأمني لم يرتض إلا اللجوء إلى مخاوفه التي لا مبرر لها, والتي تستدعي في غالبية الحالات الهراوة والاعتقال وفض الجمع بالقوة والبلطجة كما اعتدنا في السنوات الأخيرة.
هل الاعتراف بوجود الشعب الكردي ومنظومة حقوقه وإعادة الجنسية إلى الكرد المجردين منها سيسيء إلى قميص عثمان ( القضية الفلسطينية ) ويعطل تحرير الجولان.

أم أن أمور الدولة أي دولة تستقيم فقط بولادة إجماع وطني نتيجة لخطوات جريئة في حقول إلغاء القوانين الاستثنائية بما يستلزمه ذلك من إطلاق الحريات وطي الملفات المعوقة والنابذة للتقدم والإصلاح على جميع المستويات وفرملة جموح السلطة التنفيذية وقص مخالب أجهزتها؟…
هكذا اعتصامات هي الممكن الوحيد في الممارسة السياسية للتعبير عن الاحباطات والانكسارات في ملفات مغرقة في التجاهل, وأمام القبضة الأمنية ليس من أمر أولئك الكورد المجردين من الهواء السوري سوى أن يؤتوا بهكذا فعل ديمقراطي يسهم عمليا في ربط قوى المعمار الاجتماعي السوري ببعضها عبر تمظهرات حضارية ومدينية في مواجهة الطابع الإذلالي والانتهاكي واللاعقلاني واللامتوازن للسلطات, وهذا التعبير الكوردي الأخير ( والذي غابت عنه بعض المعارضة السورية المنضوية تحت راية إعلان دمشق بينها أحزاب كردية ) هو بحث عن خلق فضاء ديمقراطي ودفع المسار الديمقراطي قدما وإلى الأمام فأمام القهر السياسي ليس من أمر هذه الأحزاب الكوردية سوى أن تحتضن روح الحمام.
الحراك السلمي الديمقراطي لا يخيف.

السلوك المناهض للديمقراطية هو المخيف.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…