بكاء على صنم أم دفاع عن علم ؟

إبراهيم اليوسف

 

لقد جاء القرار الشّجاع الذي اتّخذه السيد مسعود البارزانيّ مؤخراً، بعدم رفع العلم العراقيّ الذي  يفوح برائحة أصابع مجرم العصر: صدام حسين، في عموم كردستان، مجسّداً لآمال وطموحات وأحلام أبناء الشعب الكردي، أينما كانوا، وتعبيراً الموقف الكردي تجاه آلة الإجرام، التي أعاثت قتلاً، وفساداً، ودماراً، بحقّ أبناء العراق عموماً، وأبناء الشعب الكرديّ خصوصاً، تاركةً وراءها وشوما ً في الذّاكرة الكرديّة، تبدأ مع أول صعود للفكر الشوفينيّ العفن، وتنتهي بتاريخ 9 نيسان 2003 ، حيث سقوط تمثال الطاغية الرهيب

وما قلعة دزة – قصف جامعة السليمانية- الأنفال – حلبجة – تدمير 4000 قرية كردية….

إلخ….

إلا علامات واخزة على مرحلة إجرامية، قميئة، مورس فيها الذبح الشنيع بحقّ الإنسان الكردي، ضمن حملة إبادة عرقية، بل وعراقية، لا أسوأ منهما البتة، محاولة الانفلات من عقالها بعد معانقة ” حذاء أبي تحسين ” الشهير لوجه التمثال/ الصنم الساقط، من خلال أعمال إرهابية – ذات منشأ استبدادي -لا تزال مستمرة، بأسف، وإن بوتائر أقلّ ، بعد كل ما يجري لتطويق الإرهاب…..!.
ولعلّ بعض الأصوات “النشاز” في العراق، بل وخارج حدود العراق، أعلنت عن استيائها المصطنع، من هذا القرار، الذي لا علاقة لهم  به، والمنفذ عمليا ً منذ 1992 ، حيث أنّ كل ّ من زار كردستان العراق، أبصر بعينيه العلم الكرديّ يرفرف عالياً، وهو يرتفع فوق كلّ النقاط الحدودية، والمباني الرسمية، وفي أعالي جباله الشمّاء، بين يدي هواء كردستان الطاهر، معانقاً كبد سمائه الجميلة….!.
مؤكد ، أنّ من حاول أن يثير هذا الضجيج المفتعل، عراقيا ً، بغرض وغر الصدور، وإشعال  عود ثقاب آخر لبثّ نار الفتنة، بعد محاولات بائسة، مستميتة، من قبل، لحرق الأخضر واليابس عراقيّاً، وتأليب كلّ طرف على آخر، في مؤامرة استهداف العراق بكامله، متوهماًًًًًً إعادة دورة التاريخ إلى الوراء، لاسيّما إزاء نشر ثقافة التسامح، كردّ على الإرهاب، والمصارحة والمصالحة، كردّ على القطيعة، كي يعود – خفافيش-عصر الطاغية، لممارسة وحشيتهم، وغيّهم، وبغيهم، نزولا ً عند شهوة الدم المتأصلة في دمائهم، والتي تجلت، كما شهد العالم برمته في الأعمال الإرهابية الفظيعة التي تقشعرّ لمرآها الأبدان، و هو تحديدا ً ما حدا ببعض الرموز الآفلة، كي يعقدوا – اجتماعهم- بعيد انتشار ثقافة التسامح والوئام ضمن دائرة باتت تتسع شيئا ً فشيئاً، مطالبين بإخراج صدّام من حفرته الجديدة، أو ما قبل الأخيرة، قبل انتهاء محاكمته، وتخييره أمام أن يرئس العراق، أو أن يكتفي بإبقائه الرّمز السرمديّ لأولئك البلهاء…….! .
عموما ً، إنّ قرار السيّد مسعود البارزاني أكّد – مرة أخرى – حكمة السياسة الكردية، حيث ” لا خجل ” في طرح القضية الكرديّة بكل أبعادها، واستبيان أمداء الحق الكردي بلا وجل، لأنّه معمّد عبر تاريخ نضاليّ، طويل، بدماء الشّهداء البررة، ولا مساومة عليها قط ّ، وأن علم ثورة 14 تموز 1956 ، الذي وئد – تالياً – مع استشهاد عبد الكريم قاسم من قبل قتلته، لفيه ذلك الهامش الرمزيّ الذي يريح روح الكرديّ الجريحة، بعيداً عن علم/ألم، تجرّع الكرد في ظلاله شتّى صنوف الاستبداد، والمذلّة، والهوان، واستباحة الدماء والحرمات، انطلاقاً من أيّة شراكة حقيقية – في أيّ وطن – يفترض قبل كلّ شيء، أن تأتي بعد اتفاق من قبل طرفين، أو أكثر، بحسب طبيعة هذه الشّراكة، لا أن تأتي انعكاسا ًلسطوة مجرّد طرف واحد، وهو ما يجعل أيّ عقد في هذا السياق ممسوخاً، هشّاً، لا مستقبل له….!
لقد جاء ت قولة كاك مسعود البارزاني في خطابه الأخير أمام البرلمان الكردستاني ” لن نرفع هذا العلم في الإقليم!” مشيراً بذلك إلى العلم الذي يتباكى عليه بعض أيتام صدام، والذي أقرّ في مرحلة لم يكن ليؤخذ فيها رأي الكردي الذي يعيش فوق ترابه، في غياب علمه/ أمله، لتوقد الثقة في روح كلّ كردي شريف، أينما كان، وهو ما يرتّب أشياء كثيرة على كاهل الكردي في المرحلة المقبلة، أولها رصّ الصفوف، وإلغاء كل ضروب الخلافات التي يحاول أعداء الكرد زرعها، بين الكرد أنفسهم، لإبقاء كردستان مزرعة للأغيار، يرتعون فيها، وبالتالي، إعادة النظر في العلاقات العامة مع الشارع الكرديّ في كردستان العراق، ووضع حدّ لكلّ ما من شأنه أن يكون ثغرة قد يتسلل عبرها رادة الشرّ الذين لا يريدون الخير للكردي، لأن العلم الذي يرفع – عبر مرسوم رئاسي- لابدّ من أن يكون محميّاً بأذرعة الكرد الضراغيم، والغيارى الذين يتحوّلون إلى – بيشمركة – أنّى دعت الضرورة إلى ذلك، ومن هنا- فلنقرع الأجراس- لأنّ أعداء تجربة كردستان ليتربصون بالكرد ليل نهار، ولابدّ من الانصراف للانتباه إلى المرحلة اللاحقة، وهي: كيف نحمي هذا العلم، مؤكّدين مع القائد البارزاني: لن نرفع هذا العلم في الإقليم” كي يتعالى صدى هذا الوعد ما دامت هناك “جبال كردستان” وفرسانها الشجعان……!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…