قضايا جدلية.. كوردستان إلى أيـــــن .

 بقلم :  صلاح الدين بلال
 
أن أهم المواضيع إثارة للجدل واستفزازاٌ  للعقل هي النقاشات التي تجري مباحثاتها في كواليس الساسة والمفكرين الكورد وبعض المهتمين بالمنطقة , التي تمتدد عليها المساحة الجغرافية لكوردستان بأرضها وشعوبها في قلب الشرق الأوسط , ولعل صلب القضية التي أسعى إلى مناقشتها هي فوضى الصراع المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط عامة , و كوردستان خاصة  , ورغبة البعض في تحويلها إلى مثلث للموت والقتل العشوائي  تتصارع فيها طرفي معادلتين تتجاذب فيها أطراف كثيرة على اقتيادها الأولى  في اتجاه الديمقراطية الوليدة والثانية إلى  نقيضها , من الاستبداد الموروث و الجاهلية البربرية  .

 و لعل ما يلفت الانتباه أيضا الفهم العصي على تقبل الموقف المتغير على أرض الواقع من الجغرافية السياسية لخريطة المنطقة بما فيها السيادة الاستقلالية لإقليم كوردستان / العراق / ,   التي لم يتم قبول واقع تفاصليها المحتوم , بالنسبة للكثير من القوميين والعروبيين وفي قافلتهم الطورانيين الأتراك وأصحاب العمامات السود من الملالي في إيران  .

والتي تسعى وعبر بعض الدوائر والجماعات / الإرهابية والأصولية الفاشية /  المرتبطة معها وبها لخلق أودية عميقة لهذه السيادة القديمة , الجديدة   / المسلوبة , المحررة  , مما يدعو لإعادة التفكير جليا بما يمكن أحداثه على مستوى ما هو أعمق مما نتلمسه على السطح وتحديد معايير بزوغ الفجر الكوردي الذي طالما تأخر ,  لتحقيق انقلاب عام وثورة اجتماعية  شاملة تقوم على قيامة اقتصادية ونهضة فكرية , تشكل رافعة للبنية التحتية  للمجتمع الكوردي إلى فضائات جديدة  يمكن من خلالها  تذويب إرهاصات عشرات من السنين التي نخرت لها كهوف مظلمة في شخصية وخصوصية المجتمع الكوردي التي انتهكت عبر 1200 عام من الغزوات الدينية و البربرية والقومية  .
ولعل البحث المعمق في فلسفة الأمور تدفعنا إلى ضرورة تبني دراسات معمقة وأبحاث ترتكز على دراسات بحثية وإحصاءات رقمية لواقع الحال الكوردي من كل جوانبه السياسية والاجتماعية والمعرفية والاقتصادية , نعمل على تناولها و تفتيتها جزئيا وتحليلها نقديا  ,و هي أهم من الحديث من خلال بيانات أو مقالات متسرعة ونوايا طيبة  , التي لا يمكن ألا أن تكون سلعة منتهية كانت على الدوام تشكل مطبات متعددة من القفزات والانتفاضات الاستقلالية للكثير من الزعماء  والقادة الأكراد  عبر تاريخ الأمة الكوردية .
من هنا  نجد من الأهمية بمكان إيجاد هذه المدرسة  القومية المنفتحة والعصرية  وهذه السيادة الساعية إلى الاستقلال والتوحيد  .

وفيها ترتكز أهم نقاط الخلاص القومي والوطني للشعب الكوردي  .
ومن أولها ثوابت الوصول إلى تثبيت قواعد البيت الكوردي  والدخول في معادلة أن الصراع الذي تخوضها الأمة الكوردية تتوزع في سداسية من الحقائق تكمن فيها النهضة أو الانتكاس  ,  القيامة أو والانكسار   .

الحقيقة الأولى :

 البناء الفكري الأمة الكوردية  , أن الحديث عن نهضة يجب أن تخضع لملازم تاريخ هذه الأمة ودورها الحضاري وتفاعلها الميداني  ومن هنا فأن إحداث مركز دراسات إستراتيجية تحي قوى الدفع الإيجابي في داخل المجتمع الكوردي وتخول برسم الخطط العامة لمؤسسات الدولة الحديثة في إطار العولمة .

 الحقيقة الثانية  :

لا قيام لدولة فتية تقوم من ركام حرائق امتدت إلى البشر والحجر ,  إلا أن تعتمد على جدران ثابتة في استقلالها الذاتي و أمنها الدفاعي  في الامتداد الكوردستاني و هي من أهم عوامل تنشيط القلب ومواجهة أي ضغوط  , وهي ايضا تملك ارض خصبة وطنية ومخلصة  بلا منازع وفي جوفها إمكانيات لا يحصى لها تدخل ذاتيا في خدمة الاستقرار السيادي والدفاع القومي  لكوردستان المحررة , فلا خلاص لكوردستان إلا بتدعيم هذه الرابطة و العلاقة مع الأجزاء الأخرى من كوردستان وجعلها الجدار الحديدي لها .

الحقيقة الثالثة : 

 هي في تحليل وتقيم ومواجهة سبل الحوار والمجابهة وحتى المقاومة للمحور الجغرافي لكوردستان المحررة  , التي تطلق خطابا علنيا يعلن صراحة  رفض قيام دولة كوردية ولو على سطح القمر ,  والتي تتحرك بكل ما تملك مع حلفائها في محور الشر على افتراس  هذه السيادة  بأي ثمن .

الحقيقة الرابعة :

 التنمية الدبلوماسية وتفعيل المصالح الدولية في خدمة حماية السيادة الكوردية , أن وضع المصلحة الكوردية العليا في نصاب  الأعين هو ما يحقق قوة التفاوض مع الطرف الآخر الذي يسعى إلى إيجاد موقع قدم له فيها , وذلك يخضع  إلى مقدار ما تملكه الدولة الكوردية من سيطرة فعلية على مواردها الجوفية وخاماتها في بساط السوق , وكذلك تفعيل الدبلوماسية الدولية عبر الاتصال مع القوى المحركة للعالم عسكريا و سياسيا واقتصاديا  وثقافيا وإعلاميا  .

 الحقيقة الخامسة : 

 وتظل اخطر المحاور هي الحقيقة  القائمة على تناول الوضع الداخلي بشفافية وتقيم مسيرة تطبيق وعمل البرلمان وتنفيذ القانون  واستقلاله  وتحرير الاعلام والصحافة والعمل السياسي وانشاء مؤسسات مدنية تعمل الى جانب مؤسسات الدولة  وكذلك  اعطاء الفرصة لانشاء منظمات حماية المواطن والمستهلك  , حيث تعتبر عمل هذه المنظمات  قوة داعمة لبناء الاستقلال  الوطني الداخلي وحمايته ,  بعد أن علت صيحات في الفترة الأخيرة  تحذر من انشغال القادة  السياسيين للإقليم عن تسريع العمل في المرافق الحياتية اليومية للمواطن وظهور بوادر لبعض الخروقات للقانون .

  الحقيقة السادسة :

 تفجير كل الطاقات الداخلية  مع تلازم ضبطها وتنسيقها في مؤسسات تسعى لتوليد قدرات إيجابية ,  وتفتيت القوى السالبة  للمجتمع فكريا وعقائديا , والاستفادة من الثروات الباطنية ومن أولها البترول  لمجابهة صراع محتدم  في المنطقة إلى تحمل علامات المرحلة النووية عنوانها البارز  والتأثير الإعلامي  والثقافي على الشباب ورسوخ الكثير من افات الماضي في الأجيال السابقة   .
فالعالم الذي نعيش بداخله  لا يمكن ملامسته بعقول عارية  وبخطوات بطيئة  فنحن منقادون شئنا أم أبينا لإعادة لصياغة أنفسنا أمام التحدي المفروط علينا  من قوى ظلامية  وشوفينية  لا يمكن الوثوق  بها والسير حذوها عبر نفق يقودنا إلى أفق مجهول  .
إن أهم قضية علينا إدراكها  هي تحديد الخط الفاصل بين الارتداد إلى الأصل  وبين إعادة إنتاج الانتماء  قبل الانقياد إلى العولمة  والدخول إليها بخطوات حافية  وهي قضية تقودنا إلي مناقشة  كيفية الارتداد على أنفسنا لخلق انطلاقة إلي ما بعد القومية  ,
وما هية المرجعية المحددة والأيدلوجية التي يمكن أن نتكئ عليها لتحديد مسؤولياتنا المستقبلية مع العالم الحر متجاوزين الانغلاق القومي أو أتخندق العرقي  الذي يطرحه البعض بحساسية كبيرة  .
وكما قد  تقودنا حالة الإفراط في انفتاح كل أبواب كوردستان أمام من هب ودب  بدون رقابة  إلى ”  خراب البصرة  ” وتقود التجربة الوليدة في كوردستان المحررة  إلى أبواب فوضى مفتوحة الاتجاهات .


مع اختلاف لقوى الصراع وأدواته الذي احتدم على مدى عقود بين الكورد وسلطة البعث في بغداد ,  كانت وجهة الصراع محددة  ضد عدو مختلف قوميا وعرقيا ولغويا وسياسيا ,  ولكن مع نهاية وسقوط هذا العدو ـ الصدامي ـ  من مسرح الصراع   فقد يتحول  مقدار الكبت  التي عانى منه المجتمع الكوردي على مدى عدة عقود من اجتماعية  وعشائرية  واقتصادية  إلى استحداث عدو جديد  للتنفيس عن هذا الكم  المخزن في شكل  خلافات مناطقية وفكرية  , قد تعمل الفوضى أو الاستهتار بقانون حماية المواطن والدولة  إلى  إعادة نبشها , وهذه قضية تحتاج إلى دراسة عملية ومتابعة مراقبتها وضبط مكابحها   .

فالإنسان قائم باطنيا دوما على  إيجاد عدو جديد له يعلق عليه كل أزماته أو الانتهاكات لحقوقه فيصبح استحداث هذا العدو  شرطا لتحقيق رغبة وأحقاد دفينة أو مدسوسة ويتحول هذا الصراع في هذه المرة  من داخل الذات القومية و لينتقل التناقض من قومي إلى مجابهة طبقية واجتماعية وفكرية .
فان لم تنتبه الدوائر المعنية إلى هذه الوقائع التي تشكل محاذير خطيرة  , فستدخل دولة كوردستان الفتية إلى معابر تمزق إمكانية نهضتها  وتضرب أرضيتها التحتية ,  وقد تمتد سنوات طويلة يكون الخلل على حساب التوازن الإنتاجي  لمقدرات وعمل مؤسسات الدولة ,  إن  إحداث قيم جديدة تحمي المواطن والدولة بقوانين تسود على الجميع  وتعطي الفرص لمن يستحقها بعيدا عن المحسوبيات وطبقة المزاودين  وتعطي الأهمية لتفعيل العقول في مختبرات تعمل إلى إضافة سلوكيات مقنونة  وتحولها إلى قيمة تصبح حافزا  إلى دفع المكتسبات الجديدة إلى رفاه اقتصادي تصب في زيادة حصة الفرد من المنتوج الدخل القومي .


ولعل هذه المقدمة  هي صرخة اشترك بها مع كثيرين من المفكرين  والأكاديميين والمختصين  في علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد في ضرورة التنبه إليها  ووضع الخطط والدراسات والأحصائيات لها أمام الحكومة  ومناقشتها على المستوى التعليمي وعلى مستوى الدراسات الأستراتجية والمخبرية والإحصائية لدفع الرأي العام على تبنيها واقعا حياتيا .


 فإذا لم ندرك  أهمية هذا الجدل   فسنكون مقبلين على  السير عبر حقل الغام  بلا خرائط  وسيكون نزع فتيل  الاحتقانات الممتدة في اختلاف العقول واللهجات والانتماء الجغرافي  والرابطة العشائرية والاختلاف الديني والمذهبي إلى عصا في العربة الكوردية والكوردستانية وقد   تودي  بحال المجتمع إلى انفجارات  تشكل حجرات عثرة  لتطوير مؤسسات الدولة الفتية  وتحيل استقلال هذا الجزء من كوردستان  إلى تبني  القمع وإلغاء الآخر والانغلاق جغرافيا بعيدا عن المصالح الإستراتيجية للأمة الكوردية وهذا اكبر شر قد يتسلل  عبره  متربصين وبصاصيين يعملون ليل نهار لإيقاع الضحية  من رقبتها وغرز سهامهم في جسدها .

 
1 / 11 / 2006
المانيا

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…