عز الدين ملا
إن صوت تلك المرأة الكوردية العفرينية تعلو علوَّ السماء وهي تقول لا أريد أن أتكلم العربية، أنا كوردية وسأتكلم الكوردية. من ردّة فعل هذه المرأة نستنتج مدى الظلم الذي لحق بالكورد نتيجة كورديتهم، ليس لهم ذنب في ذلك، خلقهم الله كورداً، ومن حقهم الافتخار بكورديتهم، وكان لا بد للآخر العربي الافتخار بذلك، فالتنوع يعطي رونقاً وجمالاً لوجه البلد.
النظام البعثي منذ استلامه زمام السلطة في سوريا عام 1963، عشش العقلية العنصرية الشوفينية التي تستند على الإقصاء وعدم تقبّل الآخر في الطيف السوري الفسيفسائي، وخاصة الإقصاء والتهميش على الكورد السوريين، غرس النظام ذلك لسببين، أولاً لضرب المكونات السورية بعضها ببعض وإضعافها حتى يتمكّن من السيطرة على مدّخرات البلاد ونهبها، ثانياً، لإيهام العرب السوريين أن سبب فقرهم وتراجع وضعهم المعيشي سببه الكورد من خلال اتّهام الأخير بالعمالة مع إسرائيل.
لذا الانفتاح الذي حصل خلال الثورة لا يُرضي النظام وحلفاءه وكذلك النظام التركي، مما دفعهم إلى الاختراق والبلبلة لضرب المكوّنات من خلال الدق على وتر الطائفية والشوفينية، مما يدفع البعض ممن ما زالت تلك الأفكار مُصْمَتَة في عقله وقلبه إلى القيام بأفعال إجرامية تثير النفور والكراهية.
فـ باستشهاد المواطنين الكورد الأربعة الذين كانوا يتهيؤون لإيقاد شعلة نوروز عشية يومه، اليوم القومي للكورد، جدد نوروز هذا العام فداحة الظلم ومرارته الذي لحق بالكورد ليس الآن فقط، بل وخلال تاريخه الطويل، وقد يلحق به إلى ما لا يعلمه سوى الله عزّ وجل، فكانت طلقات الحقد التي خرجت من بنادق العقلية العنصرية والشوفينية التي ما زالت معششة في عقول ونفوس الكثيرين ممن يدّعون برباط الأخوة والجيرة، والذين كانوا يعتبرون أنفسهم أوصياء على الثورة وأنهم حملوا السلاح في وجه النظام للدفاع عن حرية وكرامة الشعب السوري، ولكن الطلقات عوضاً أن توجه للنظام وجهت إلى قلب الكوردي الذي كان من أكثر الداعمين للثورة والثوار.
استذكر السوريون يوم انطلاق الثورة السورية في 15 آذار و18 آذار والقوة الجماهيرية التي انبثقت من تضامن الجميع يداً واحدة، وكانت المشاركات الكوردية الداعمة لهذه الثورة إلى جانب إخوانهم العرب في وجه نظام -استباح قتل الكورد وتعذيبه- لا حدود لها، حيث عمّت المدن والبلدات الكوردية وقصباتها، ولكن عند استذكار يوم 20 آذار والتي كانت تخص الكورد بامتياز، أولاً لأنها يوم إشعال نار الحرية والانعتاق وبداية دخول يوم نوروز اليوم المتجدد للكورد بمستقبل ملؤه أمل وحياة وحرية، ثانياً يوم استشهاد المحمدين الكورد الثلاثة في عام 2008 على يد ذلك النظام الأسدي المجرم وغيرها من الجرائم الذي لحقت بالكورد في هذا اليوم، كان رد العنصرية أشد وقعاً على اسماع الإنسانية السورية، والذي أشعل من جديد نار الحقد والكراهية لدى البعض من الشوفينيين والعنصريين الذين يتقبلون كل الذل والهوان من الغير، ولكن إن تعلق الأمر بالكورد يصبحون شجعاناً، وأي شجاعة هذه، شجاعة على قتل أربعة مواطنين كورد من جنديرس حاولوا إيقاد شعلة نوروز فرحاً بقدوم هذا اليوم القومي العظيم لدى الكورد. هذا الكوردي الذي كان له الفضل في بناء سوريا الحديثة، لولاه لما كان ذاك العنصري والشوفيني وأجداده يعيش على أرض سوريا ويفتخر بسوريته، ليتذكر كل العرب أن افتخارهم بهذه البلد الذي تشكل من دماء كورد سوريين، فليتذكروا الثورات السورية التي قامت في وجه المستعمر الفرنسي، من ثورة إبراهيم هنانو إلى صالح العلي وقبلهما كان دخول الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال غورو على دماء قائد الجيش السوري آنذاك الكوردي يوسف العظمة وكان وزيراً للحربية السورية في حكومة فيصل، الذي أبى دخول الفرنسيين إلى دمشق بهذه السهولة ويحفظ لسوريا هيبتها ووقارها العسكري، حتى لا يسجل في التاريخ أن أبناء دمشق ألقوا السلاح وأخفضوا رؤوسهم لأيّ عدوان، رغم معرفته بتفوق الجيش الفرنسي على جيشه الذي كان يُقدر نحو ثلاثة آلاف جندي أمام تسعة آلاف جندي فرنسي مدجج بالسلاح والعتاد، استشهد هو ورفاقه في معركة ميسلون غير المتكافئة في العدد والعدة، ومع ذلك أوقفوا الجيش الفرنسي يوماً كاملاً، وسجلوا أروع ملاحم البطولة والفداء، أراد أن يسجل موقفاً من خلال فعله هذا أمام الشعب السوري بأن جيشه حمل لواء المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي منذ اللحظة الأولى، وإن ذلك سيكون نبراساً للشعب السوري في مقاومته للمحتل، فقد كان يدرك أن من يهن يسهل الهوان عليه، وهو أن الجيش قد تكون له عواقب وخيمة على مستقبل البلاد.
ليعلموا جميعاً أن الكورد هم من شكلوا أول حكومة سورية، وكان أول رئيس لجمهورية السورية محمد علي عابد، من ثم توالى رؤساء سوريا واحداً تلو الآخر وكلهم من الكورد، على عهدهم كانت سوريا في أوج ازدهارها، الليرة سورية كانت تساوي دولارين ونصف، وقتها أصبحت سوريا مقصداً للعمالة الأوروبية، لقوة العملة السورية أولاً وحاجة سوريا إلى العمالة لكثرة فرص العمل نتيجة المشاريع التي بدأت تزدهر بعد الاستقلال، والشيء الآخر، لم يكن هناك تمييز بين هذا وذاك، سوريا جميلة بفسيفسائها عندما كانت تحت يافطة الجمهورية السورية، هذه كانت سوريا الوجه المشرق.
ماذا فعلتم بعدها؟ استلمتم الحكم، أنا لا أقصد العرب جميعاً، فقط العنصريين والشوفينيين من البعثيين، ظهرت الطائفية والعنصرية، وبدأ التمييز، هذا كوردي وذاك درزي وعلوي وآشوري وسرياني، عندما غيرتم اليافطة إلى الجمهورية العربية السورية، بدأ الاقتصاد السوري بالتراجع والليرة السورية فقدت قيمتها، والكوردي السوري لم يسلم من اتهامات العمالة لإسرائيل والانفصالية، ووجهوا بعض علماء الدين إلى إطلاق فتاوى تستبيح الدم الكوردي، وهكذا إلى أن وصلنا مرحلة الثورة السورية.
هنا، تنفس الكورد الصعداء، أملاً لبداية جديدة، ويتجدد العهد الماضي عندما كانت الجمهورية السورية، وقف الكورد يداً بيد مع أخيه العربي في وجه هذا النظام المستبد وأعوانه. ولكن هؤلاء العنصريين رغم أنهم ادّعوا الوطنية ووقفوا إلى جانب الثورة، ولكن لم يعلم السوريون أن انخراط هؤلاء ضمن صفوف الثورة سوى مهمة لتنفيذ مآرب النظام الشيطانية، وتمييع مكتسبات الثورة، كانوا مرتزقة نفذوا المهمات الموكلة لهم، حققوا مراد النظام السوري وحلفائه، من خلال تلك العقلية التي لم يستطع معظمهم إزالة شوائب الأفكار النتنة والعفنة، وما زالت روائحها تفوح في أرجاء سوريا، وكانت حادثة عشية نوروز من مخلفاتها.