سؤال الهوية و أزمة العلاقة مع الآخر

‫ياسر إلياس

ألم يحن وقت الطلاق ؟
طالما فقد الإمساك بالمعروف! 
رأي لإبداء الرأي 
……….
التركيز على اللغة الأم لأنها وعاء تاريخ و تراث و حضارة الأمة و عماد هويتها القومية ، مع انكباب مماثل على اللغات العالمية التي أصبحت لغات العلوم و التكنولوجيا و الاتصالات و الأعمال و التجارة و السياسة و المعلومات بوصفها لغات مصطلحية دقيقة غير عاطفية و بوصفها لغات غير عرقانية غير عنصرية و غير متمحورة أو مرتبطة بإيديولوجيا قومية أو دينية !
تركيز الكرد على لغتهم القومية و اللغات العالمية ذات الانتشار و التأثير و الزخم هو بداية الطريق لتنقية العقل من بقايا الجهل و التخلف و الخزعبلات و القصص الخرافية و وسيلة لتحرير العقل من قيود المغتصب و محدداته ، و نافذة مشرعة على الهواء النقي لعالم حقيقي غير أسير لمصالح و توجهات و منافع محتلي كردستان غير ملوث بضوابط و نواهي و فلاتر أفكار مغتصبي كردستان و مضطهدي الشعب الكردي .
‫ليس على الكرد الارتباط بلغات و ثقافات الشعوب و الدول التي تحتل كردستان و تضطهد الشعب الكردي ، لأنها لغات و ثقافات مؤدلجة، و مسيسة ، و مرصوصة بعناصر التفوق العنصري الوهمي، كما إنها حشيت بالأفكار الفوقية المعادية للأمة للكردية، و ملئت بالمعلومات و المفاهيم المضللة غير الأصيلة، كما إنها لغات لأقوام شديدي التمركز على الذات، و غير قابلين للتعايش مع الثقافات و اللغات و الأقوام الأخرى ، بحيث يجب تعلم هذه اللغات إلى حدود إمكانيات قضاء الحوائج ، و التواصل الاجتماعي ، أو  تعلمها إلى أقصى حدود ما يفرضه اضطرار الإجبار و الإكراه من قبل الدول المغتصبة لكردستان لتأمين لقمة العيش أو أداء الوظائف العامة .‬‬
أما الاهتمام المستحق و الجدير بالالتفات ، و العناية فيجب أن يتوجه نحو اللغات العالمية التي لا تحتوي تكوينياً و تطوريا ميول النزعة العنصرية ، و الخلفيات العرقية و الدينية، و التي لا تعاني من رهاب الإيديولوجيا
لجماعة قومية ، أو دينية ،قبلية، إثنية.
مزايا الارتباط باللغات اللاعنصرية ، الانفتاح على العالم
، مواكبة العلوم ، تطور الفكر و الإبداع و الإنجازات و الاختراعات و النظريات و الحضارات و الثقافات و السياسات و تحطيم القوقعة الضيقة لعالم المعلومات الهزيل و المضلل المزيف الذي يتم حشر الإنسان الكردي فيه باللغات التركية و الفارسية و العربية لأنها تكون مقننة و مراقبة و مراجعة من قبل جيوش من حراس الدين و السياسة و الثقافة في تلك البلدان.
الارتباط باللغات العالمية لا يلغي الهوية القومية للأمة الكردية و لا يتضاد مع ثقافتها ، و لا يزيل وجودها بل يقويها و يفتح الآفاق نحو إدراك الصلات الوشيجة للغة الكردية بتلك اللغات .
ابتعاد الكرد عن لغات الأنظمة و الشعوب التي مارست الإذابة و الصهر و القهر المتسلسل المنظم المبرمج على الكرد و اقترابهم من لغات العالم الحر المتمدن الذي يكوّن في مجموعه الصيغة النهائية لما وصلت إليه البشرية من تقدم في كافة مجالات الحياة و علومها و فنونها هو عملية ملحة لدمج الكرد في سياق حركة التاريخ و الحياة و العالم بكل إنجازاته و إبداعاته و إسهاماته الفذة ، و خلق الإنسان الكردي العصري المتمدن المثقف الواعي الحر و بالتالي الإنسان القادر على تجاوز أزماته ،و الانخراط في حركة التقدم و اللحاق بعجلة التطور  لصناعة المستقبل الذي يحلم به و يستحقه بأدوات العصر و آلاته .
اللغة الكردية لغة أم ، عريقة ، و هي بامتداداتها الپهلوية، الميدية ، الآفستانية، الإيرانية القديمة تشكل إلى جانب السنسكريتية أولى منابع مغامرة العقل البشري مع اللغة ،و المعين الرافد لما حولها من ثقافات  و نحن بهذا المعنى لا نرى أي مزية للغات المنطقة على اللغة الكردية و لا أي فضل لثقافتها على الأمة الكردية ، بل العكس صحيح حيث سخرت كل إمكانات الأمة الكردية بحضارتها المعنوية و المادية في تشكيل هويات الشعوب المستعمرة لكردستان و خلقت صورة متورمة متضخمة لهوياتها لا تعبر عن واقعها الحقيقي على حساب حرية و استقرار و استقلال الشعب الكردي ، جهود على مراحل وقرون طويلة ذهبت سدى في خدمة الأمم الأخرى و كان المقابل -جزاء سنمار أخاه بيثرب – كما يقول المثل ،
أي كان الجزاء : هو النكران و الجحود و التنمر .
العرب و الفرس و الترك لم يفكروا يوماً بتعلم الكردية أو دراستها ، و لم يقدموا أي خدمة للغة الكردية و أهلها ، بل إنهم منعوا أهلها و أصحابها من التحدث بها و عدوها جريمة تستحق الإعدام !
ماذا تركتم لإسرائيل !
لغات الأقوام التي تحتل كردستان  يظهرها البحث اللساني في مرحلة متأخرة كثيراً عن اللغة الكردية ، فيما لو ضعت الأمور في سياقها الصحيح بعد صحوة ثورية شاملة مرتكزة على مناهج و معايير علمية و تاريخية استقصائية لإعادة الاعتبار لما تسببت السياسة في تهميشه و إهماله و نسيانه.
شعوب المنطقة و أنظمتها سواء بسواء لا يبادلون الكرد الاحترام بالاحترام و لا الود بالود و لا التبادل الثقافي بالتبادل الثقافي ، و عليه فإن مئات القرون من الخدمات الجليلة ( وطنياً ، و قومياً ، لغويا، فكرياً ، عسكرياً -و التي قدمها الكرد لتلك الشعوب ذهبت أدراج الرياح ، و كان ينبغي لتلك الجهود الجبارة الهائلة أن تصب في خدمة الأمة الكردية و ثقافتها و ترابها الوطني ، و الحب من طرف واحد ضرب من الحماقة و الغباء و البلادة!
هؤلاء الشعوب و الأنظمة لا يخفون كراهيتهم و حقدهم و مقتهم للكرد ، و احتقارهم لكل ما هو كردي ( موسيقا، لغة، ثقافة ، عادات ، تقاليد ، أزياء، أعلام ، و لا يستحون أو يخجلون من الصراحة و البوح و الاعتراف بذلك ..
حتى إنهم  في المناطق التي احتلوها تحت بند ما سمي بعمليات نبع السلام و غصن الزيتون يقبضون على أي كردي لمجرد كرديته ، و يسومونه سوء العذاب !
يهدمون البيت لأن أهله كرد
يهجرون أهل المنطقة لأن سكانها أكراد
يقتلون يخطفون و يطالبون بفدية
يغتصبون الحرائر الشريفات لأنهن كرديات
و كان أحقر و أحط و أسفل ما وصلت إليهم الشوفينية الفاشية في بعدها العرقي التركي و العربي في المناطق الكردية المحتلة بعد كل ممارسات التطهير العرقي و حروب الإبادة و الصهر و الترحيل القسري هو ما تم ممارسته ضد الأقلية القليلة المتبقية من الأكراد المتشبثة بأرضها عقب وقوع الزلازل و هو التمييز في قصر المساعدات و الإغاثات الإنسانية على السكان العرب فقط و حرمان الكرد منها ، و ترك المنكوبين تحت الأنقاض إذا كانوا أكراداً .
و الحال هذه فإن الأحوال السياسية و الاجتماعية و المصالح السياسية و الاقتصادية و البنى  الفكرية و الثقافية  الفاشية و مكونات العقل الاستبدادي التاريخية لعنصرية الأقوام التي لا تقبل بالكرد إلا عبيداً تعلن كل يوم بكل صورة و شكل و أسلوب عن القطيعة مع الكرد كجيران و أخوةو ترفض العلاقة معهم على قاعدة من العدالة و المساواة و الندية في الهوية و الثقافة و اللغة و الحقوق القومية و الإنسانية و السياسية و الاقتصادية و اعتبار الكرد على الدوام عدواً أولاً و خصماً لدوداً و خطراً مقدماً على سواه تجب محاربته بكل الوسائل ، و بما أن الآخر يرفض تغيير عقليته في التعاطي و التعامل أليس حرياً بالكردي أن يدرس خياراته و يعيد النظر في طريقة تعاطيه مع كل ما يكتنف و يلف مصيره و وجوده و حضارته فيما يخص علاقته بهذا الآخر الناقم الغاضب الحاقد أبداً …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…