عبد الرحمن كوركي*
على الرغم من أن الانتفاضة في بلد تحكمه ديكتاتورية هي “معركة غير متكافئة” بين الشعب والديكتاتورية، إلا أن الانتصار النهائي للشعب، وأن الإطاحة بالديكتاتوريات أمر حتمي ومؤكد. وقد أعلن الشعب الإيراني كلمته في انتفاضة 2022 وقال “لا” بملء فيه لنظام الملالي برمته!
نحن الآن على أعتاب حركة تاريخية ومصيرية من شأنها أن تجعل انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة ضد الديكتاتورية الدينية مثمرة! وهي خطوة تلعب دورًا رئيسيًا في تحقيق حلم الشعب الإيراني الطويل الأمد، أي الإطاحة بالنظام الديكتاتوري في إيران، وإقامة حكم وطني وشعبي وديمقراطي. وهذا في حد ذاته تعبير عن مبدأ “يمكننا ويجب”، ورسم خط البطلان النهائي على مختلف أشكال كفر الرجعية والاستعمار وتعاويذهما في هذه المنطقة من العالم.
غسق المؤامرات!
رأى العالم بأم عينه أن الحلول الرجعية والاستعمارية التي كانت “البدائل الوهمية المصطنعة” هي مظهرها الخارجي؛ قد فقدت بريقها واختفت من المشهد مرة أخرى، خلال الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني؛ لأنها لم تخدم مصالح الشعب ولم تكن من قريحته. ويرجع طرحها إلى أنها كانت نوعاً آخر من الحيل لبقاء الديكتاتورية في إيران، وهي السبب في غضب الشعب الإيراني من السلطة وكراهيته لها!
ظهور الحل!
إن ما تألق مرة أخرى في انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة، وأظهر مشروعيته هو “الحل الشعبي”، أي “البديل” المستمد من سلطة الشعب والقيم الديمقراطية، والمناهض للديكتاتورية؛ نظراً لأن عهد الديكتاتورية في ايران قد انتهى، ولن يعود الوضع إلى ما كان عليه في الماضي!
يقر “البديل الديمقراطي، أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية”، المتواجد في ساحة النضال لأكثر من 4 عقود ، ويناضل بفعالية ضد الديكتاتورية الدينية في ساحة المعركة من أجل الإطاحة بها؛ بأنه من رابع المستحيلات اجتثاث جذور الديكتاتورية في إيران، وحصول أبناء الوطن على حريتهم وحقوقهم المشروعة بدون دفع الثمن!
خصائص المرحلة!
نعيش الآن في الشهر الـ 10 من الانتفاضة على أعتاب أكبر حركة سياسية للمقاومة الإيرانية. وتنطلق هذه الحركة سنويًا في منتصف العام الميلادي، وتتمع هذا العام بخصائص مختلفة عن السنوات السابقة للأسباب التالية:
السبب الأول والأهم هو الانتفاضة التي بدأت باستشهاد الفتاة الكردية السقزية، مهسا أميني (جينا)، في طهران، في 16 سبتمبر من العام الماضي، وأضفت معنىً ومفهوماً جديدين على كافة التطورات المتعلقة بإيران. وهذا هو السبب في أن “الإنجاز الأكبر لهذه الانتفاضة” هو بداية نهاية الدكتاتورية في إيران وتسليط الضوء على “البديل الوحيد الممكن والمتاح” للإطاحة بالنظام الديكتاتوري الديني، وإقامة سلطة وطنية وشعبية وديمقراطية في ” إيران حرة غداً “.
لقد اتضحت الآن بشكل غير مسبوق، بعد مرور 9 أشهر على بداية الانتفاضة الشعبية الأخيرة في إيران؛ صحة الاستراتيجية الصحيحة للمقاومة الإيرانية، وشرعية خارطة الطريق المعلنة للإطاحة بالديكتاتورية في إيران. وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن وحدث ما لا يجب أن يحدث مثل رغوة اختفت على الماء؛ نظراً لأن الحلول كانت مستمدة بشكل مباشر أو غير مباشر من الخطط الرجعية والاستعمارية.
الخط الأحمر هو سر الانتصار!
تم في بداية الشهر الـ 10 من هذه الانتفاضة، وضع الخط الأحمر “لا للشاه ولا للشيخ”، وتشكيل “جبهة شعبية” ملحة ضد الجبهة الديكتاتورية، وتطرف “الشعارات والمطالب”، وإنشاء “منبر عملي” للمضي قدماً وكتابة نهاية نظام الملالي، وإعداد “خارطة الطريق” للإطاحة بالديكتاتورية، والاعتراف بـ “البديل الديمقراطي والشعبي” وإتاحتها للجمهور بشكل غير مسبوق.
نجد في ظل الوضع الحساس الحالي، بالتوازي مع التوجه الفعلي للاحتجاجات داخل إيران؛ أن هذه الحقيقة تتجلى أمام جميع الأفراد والتيارات المناهضة للدكتاتورية في إيران، خارج الحدود أيضاً، والذين يمارسون نشاطهم تحت مظلة مثل هذا البديل، ويتحدون جبهة الديكتاتورية في إيران (بما في ذلك النظام الديكتاتوري الحاكم أو فلول الديكتاتورية السابقة)، ويتخذون مثل هذه الخطوة الطويلة للتسجيل في التاريخ!
والجدير بالذكر أن المعارضة العملية لهذه الخطوة، سوف تطيل بشكل مباشر تحت أي عنوان؛ طريق نيل الحرية وحصول الشعب الإيراني على حقوقه المشروعة. وتجدر الإشارة إلى أن التاريخ ليس سوى مختبر لتسجيل الأحداث في الجدول الزمني! وسيتم تسجيل كل ما هو مرئي وخفي في هذه الساحة!
نظرة عامة على الإنجازات الجديدة للانتفاضة والمقاومة ضد الديكتاتورية!
نشهد في الوقت الراهن، وتحديداً عشية الشهر الـ 10 من انتفاضة الشعب الإيراني؛ تحولًا كبيرًا تتجلى مظاهره فيما يلي:
أولاً: نظام الملالي فاسد من الداخل والخارج، وهش وضعيف وأسسه مرتعشة بشكل غير مسبوق.
ثانياً: تجلى أكثر من أي وقت مضى أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو البديل الديمقراطي الوحيد والمنافس الرئيسي لنظام الملالي، وأثبت بشكل غير مسبوق مشروعيته ومكانته التي لا نظير لها في المعادلات السياسية.
ثالثاً: غيرت انتفاضة الشعب الإيراني المعادلات الداخلية والدولية لصالحها على حساب الديكتاتورية.
رابعاً: وسَّعت المقاومة الإيرانية من أنشطتها داخل إيران وخارجها، وأزعجت نظام الملالي. حيث استولت مجموعة “الانتفاضة حتى الإطاحة” على أقرب المراكز السياسية والدبلوماسية لنظام الملالي، ومن بينها وزارة الخارجية في مجلس وزراء رئيسي، وكشفت النقاب عن وثائق سرية تتعلق بمؤامرات نظام الملالي وخططه لمواجهة الانتفاضة، واستهداف القوة المحورية للمقاومة الإيرانية على وجه التحديد، والاعتراف بقدرة المقاومة واستعراض عضلاتها كقوة قادرة على الإطاحة تتمتع في فئتها بتنظيم وإمكانيات عالية.
خامساً: بدأت السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قِبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بحضورها البرلمان الأوروبي؛ خطوة جديدة في إيصال صوت الشعب الإيراني إلى آذان العالم، حيث أثارت خوف الثيوقراطية الحاكمة في إيران من الإطاحة، أثناء ترحيب ممثلو العالم بها على نطاق واسع.
سادساً: دعم الآلاف من البرلمانيين من مختلف دول العالم، وكذلك بيان أكثر من 100 شخص من قادة العالم السابقين (من بينهم رؤساء جمهوريات ورؤساء وزارات ووزراء)؛ لانتفاضة الشعب الإيراني، وميثاق السيدة مريم رجوي المكون من 10 بنود من أجل إقامة إيران حرة في المستقبل برفع شعار “لا للشاه ولا للشيخ”، وهو المعيار الدال على أن المقاومة الإيرانية توجه ضربات خطيرة لسياسة “الاسترضاء تجاه الديكتاتورية الدينية” في ساحة المعركة الدبلوماسية والسياسية. ويعاني المسترضون الغربيون أصحاب النفوذ بشكل رئيسي في الحكومات الغربية؛ من هزيمة قاسية، وتمضى انتفاضة الشعب الإيراني قدمًا في طريقها بمثل هذا الظهير من القيادات.
سابعاً: إن ممارسات نظام الملالي الإرهابية ضد المقاومة الإيرانية في فرنسا، والتي تتم بهدف الترويع، وتضليل الرأي العام، وإحاكة المؤامرات، وعقد صفقات مخزية مع المسترضين الغربيين من أجل منع المقاومة الإيرانية من تنظيم المظاهرات السنوية في فرنسا؛ تُعتبر من الأدلة على عجز الديكتاتورية الدينية الحاكمة وضعفها، ولن تنجح هذه الممارسات ومحكوم عليها بالفشل. والجدير بالذكر أن ما تحققه المقاومة الإيرانية من تقدم وإنجازات يضع ختم البطلان على الجهود اليائسة للديكتاتورية والمسترضين الغربيين.
ثامناً: على الرغم من أنه تتبقى أيام حتى يوم تنظيم المظاهرة وانعقاد تجمع كوكبة المقاومة الإيرانية هذا العام، إلا أن ذروة هذا التصعيد بدأت منذ فترة، وسوف تستمر حتى تثبت حقوق الشعب الإيراني المؤكدة في كل بقاع هذا العالم، وتجبر الثيوقراطية السائدة في هذه المنطقة من العالم على قبول نهايتها وقراءة الفاتحة على روحها!
تاسعاً: إن الخط الأحمر “لا للشاه ولا للشيخ” وهو الخط الأحمر المؤكد الذي لا جدال فيه للشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية؛ يحظى الآن بدعم مجموعة واسعة من القوى والرأي العام العالمي. وتُعتبر (لا) كلمة خطيرة أخرى بالنسبة للأنظمة الديكتاتورية في إيران.
الاستنتاج!
أصبحت انتفاضة الشعب ضد الديكتاتورية داخل إيران؛ تتمتع بمزيد من التنظيم والتطرف والتوجيه، وأعد الشعب نفسه بشكل غير مسبوق مرتبطاً بـ “الهيئة القيادية للانتفاضة”؛ لاتخاذ “الخطوة الأخيرة من الانتفاضة”، و يبحث عن فرصة للقضاء على الديكتاتورية في إيران!
وتمكَّنت المقاومة الإيرانية من منع نظام الملالي في جميع المجالات القانونية والقضائية (اعتقال وسجن بعض الجلادين، من أمثال حميد نوري في السويد، وبعض الإرهابيين، من أمثال أسد الله أسدي في بروكسل) ؛ من أن يتنفس الصعداء في المعادلات العالمية، وصعَّبوا الأمور على المسترضين حول العالم تجاه الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، وكانوا قساة على فضيحتهم ولاشرعيتهم، وشهَّروا في الرأي العام العالمي بأي امتياز ممنوح لهذه الديكتاتورية تحت عنوان “تبادل الرهائن” و “تحرير الأصول” …إلخ.
الاستقلالية في إطلاق مقاومة مشروعة!
لا يتطلع أبناء الوطن والقوى الشعبية الأصيلة في بلد ما إلى مساعدة حكومات البلدان الأخرى لتغيير مصيرهم. إذ أن التغييرات الاجتماعية الأساسية في أي بلد؛ تتم على أيدي أبناء هذا البلد. وتؤمن المقاومة الإيرانية بهذا المبدأ الذهبي، ودائماً ما تعلن عن أن الإطاحة بالدكتاتورية في إيران هي مهمة أبناء الوطن أنفسهم والمقاومة الإيرانية.
إن “التحول في سياسة الحكومات” هو الخطوة الأخيرة في تقدم المقاومة المستقلة ضد الديكتاتورية. وهو تحوُّل على وشك الحدوث فيما يتعلق بإيران؛ بفضل استمرار الانتفاضة الشعبية والدور المنقطع النظير للبديل الديمقراطي.
خلاصة القول
من حق البديل الوحيد للنظام الديكتاتوري الحاكم في إيران، أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية؛ أن يرتدي ميدالية النصر اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ لأن جذوره الحقيقية لا تمتد خارج إيران، بل داخل إيران، حيث أنه لم يتمكن من حماية انتفاضة الشعب الإيراني من مثل هذا الضرر والخطر فحسب، بل إنه تمكن أيضاً من أن يمضي بها قدماً، ويضع احتمالية الإطاحة بالديكتاتورية في إيران وتاريخ إيران أمام أنظار العالم.
إن التركيز على الحد الفاصل الأحمر الجوهري “لا للشاه ولا للشيخ” هو كلمة المرور الصحيحة من هذه المرحلة المصيرية. وهو سر سفك الكثير من الدماء، والمعاناة، وأشكال التعذيب الوحشي، وتجلي العديد من أشكال الرجولية والبطولات. إن نظامي ديكتاتورية الشاه والديكتاتورية الدينية دائماً ما اعتبرا ولازالا يعتبران المقاومة الإيرانية هي المنافس والتهديد الوحيد لهما. ويعلمان جيداً أن المقاومة الإيرانية أناس ليسوا مستعدين للخضوع والتصالح وإهمال حقوق الشعب في تصديهم للدكتاتورية.
النهاية
* كاتب ومحلل سياسي