إنزال الآخر من أجل الاِرتفاع

ماجد ع  محمد
“فرق بين النقد الذي يكمل العمل، والانتقاد الذي يهدم قيمته”.
شيماء فؤاد
إن لم يكن التلميح إلى المثالب السلوكية لبعضنا مفيداً، فعلى الأغلب لن يكون هناك ضرر كبير من الإقرار بأن الظواهر المرضية في مجتمعاتنا المحقونة بقيم الجور الإكراه أكثر من أن تحصيها مراكز الأبحاث والدراسات، ومن بين الظواهر القميئة التي يتعثر بأهلها العاملون في الكثير من المؤسسات والشركات والمصانع والورشات، وكذلك يعيش بعض فصولها العسكر والضباط في الجيش، وربما يلحظها الناس في الملتقيات الاجتماعية، هي ظاهرة لجوء السنفور* المعارض لكل شيء أينما كان إلى آلية إخفاض منزلة الآخر من أجل رفع شأن الذات، أو محاولة إسكات الغير أو التشويش عليه من أجل إسماع الآخرين صوته دون الناس، أو نفي أهمية ما قام به المغاير من أجل أن يُلقى هو لوحده القبول ويتم الاحتفاء به والإلتفات إليه.
واللافت في أمر هذا النموذج المهيأ للاعتراض بمناسبة وبدونها أنه يردد من حين لآخر أقوال الأولين ولكنه يتجاهل وصية سقراط: “لا ترفض دوماً ما يتعارض مع منطقك وفكرك”، وحاله حال الشخص النرجسي فهو فالح في ارتداء الأردية وخاصة رداء النقد باعتباره السلاح الأساسي لديه، إذ أنه عبر قناع النقد يهين الآخر، ويطعن بمقامه، ويؤلب الناس عليه، ويشن الحرب على مواقعه، لا لشيء سوى الأذية التي تُشعره بالنشوة والانتصار النفسي على حساب تعاسة وإزهاق معنويات أي مستهدفٍ من قبله، وهي بحق من ظواهر النقد السقيم ولا تستند آليته العدوانية إلى أي معيار نقدي، إنما يتبع المنتقد فيها الهوى بعد الاستعانة بما تكدس في قاعه من الشوائب المستخدمة كشظايا جارحة في كل غاراته على الآخرين.
إذ لا يجد الفرد من هذا النوع حرجاً في تسفيه أي شيء يقوم به الغير ليس لأن ذلك الناقد قادر وعالم بأصول البناء الذي يهم بهدمه، إنما ربما كان أصلاً غير قادر على بناء ولو مدماك واحد من العمارة التي يبدأ بهدمها بناءً على بغض صاحبها أو كرهه للموضوع أو المنتج الذي استفزه وجعله يخرج عن طوره، إنما كبسولة الانفجار لديه تعمل من تلقاء ذاتها عندما يتبوأ الغير الصدارة في أي مجالٍ كان، حيث يدفعه فوز الآخر أو تقدمه عليه إلى التفكير المباشر بتشويه صورته أو التقليل من أهمية ما أقدم عليه، بكون المعترض أعجز من أن يقبل بريادة الآخرين أو يُقدّر أعمالهم أو أفضالهم.
كما أنه قد يشن غاراته العدوانية فقط ليدلي بدلوه، أو ليلفت الأنظار إليه لكي يُظهر للعامة كشخص حريص ومهتم بالشأن العام وبقضايا يتم تجاهلها من قبل أقرانه في عالم التصريح بالمكنون عبر الأثير، كلجوء أحدهم لاستهداف سياسي ما اتهمه قبل نهش جسده بالخذلان، وذلك فقط لأن ذلك السياسي لا يتحمس مع ما يثير غريزة صاحبنا ولا يغدو السياسي كالثور الأهوج مع كل إشكالية تختلقها منصات وسائل التواصل الاجتماعي، أو تراه يهم بمهاجمة شخصية عامة في الطلوع والنزول فقط لأنه لم يكن طوع بنانه في شتم الجهة التي وقف ضدها المهاجم بعد أن فقد موقع قدمه في بنيانها وانقطع وريد الانتفاع بينه وبينها.
وهذا التصرف يشير إلى أن بعضهم من أجل المباشرة بالعدوان يختلقون المناسبات أو الإشكاليات أو المواقف حتى يبرروا لأنفسهم الهجوم الذي يبلغهم حالة الابتهاج بعد اقتحام معاقل المختلفين عنهم، وغالباً ما ينتقد واحدهم على طريقة زعران زوايا الأزقة، ممن يأتون بحركات مبتذلة لإغاظة الآخرين ودفعهم للرد، ومن كل بد أن هكذا ناقد لو كان عاملاً في السلك الأمني لما ارتضى لنفسه مهمة غير جلد المواطنين والاستمتاع بمشهد تعليقهم وتعذيبهم، وذلك لأن العنف المكتنز لديه والذي يخرج من بين مكتوباته وملفوظاته يدل على مكنونه التسلطي، كما أن لذة الطعن لديه لا تدل إلاَّ على نفسيته المجبولة على اللدغ، وبتصوري أن قراءة هكذا نقاد تضر بالذائقة، ووجودهم في الساحة كوجود كتلة اسمنتية فوضوية لا قيمة جمالية أو وجدودية لها في مشتلٍ يحوي أجمل الزهور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*شخصية من شخصيات المسلسل الكرتوني الذي ابتكره الرسام البلجيكي بيير كوليفر

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…