رسالة مفتوحة إلى السيد الرئيس رجب طيب أردوغان

إبراهيم محمود

إلى الغازي العصري السيد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان
من بعد التحية المعتادة
أكتب إليكم بلغة بروتوكولية ودبلوماسية، لأن ثقافتي التي انعجنتُ وعُرِفتُ بها، تأبى علي أن أجرّد الآخر مما يسمّيه، ويعرّف به مقاماً واعتباراً وسلطة رسمية، ولحفظ المسافة الفاصلة بيننا، رغم أنني في كامل يقيني يا سيادة الرئيس الذي في قرارة نفسه يوهم نفسه أكثر من أي رئيس عمره الزمني المحدود، وسلطته النافذة الأثر محدودة، أنه ليس كأي كان من سلالة معمورتنا.
أكتب ليس لأنني كردي، وبدافع الكردية، وجراحات الكردية التي سببتموها لي، وداخلي يتنفس عشرات الملايين من الكرد كردستانياً وفي جهات العالم الأربع، ولا بد أن في أرشيفكم الأمني جميع هؤلاء فرداً فرداً، اسماً اسماً، ربما، بنسبة الذكور إلى الإناث، ومن هم في حالة مرض، ومن هم في صحة معينة، وكم  هو عدد النساء الحوامل، كم عدد الفتيات المخطوبات، وكم هي الزيادة السنوية للكرد، وتبعاً لكل جهة، وأماكن الولادة، وزمرة الدم لكل مولود، تعبيراً عن مدى حرصكم على الدولة التي  دشّنها سلفكم المعروف بطورانيته الفريدة في نوعها التصفوي أتاتورك قبل قرن كامل، وخوفكم المحتسَب تجاه كل نفَس كردي، كما تدل الوقائع اليومية داخل بلادكم وخارجها. ولكم أكبّر فيكم هذا الجهد المضاعف الحذر من ثانية غفلة، خوفاً من قيامة كردية ما.
أكثر من ذلك، ليس لأنني مأهول بأوجاع كل الكرد التي أقام لها أسلافكم احتفالات الموت بالجملة، والابتداع الفظائعي الجينوسايدي، وباسم  وتحت راية ” الله أكبر” وكلهم أمل أن يقضى على كل أثر لهم دون جدوى، كما هم أنتم مأهولون برعب ملايين الترك من هذا الشبح الكردي جمعاً، مع فارق كبير ومؤكَّد، في الخوف والرعب: من يحرص على حياة بني جلدته حباً في الإنسانية، ومن يحرص على حياة من يعتبرهم الناس الذين لا ناس سواهم، حباً في التركية التي لا إنسانية معتبَرة خارج نطاقها الحيوي، وإنما أكتب وبالخط العريض، لأنني أحاول أن أعيش حيوات مليارات البشر أحبة لبعضهم بعضاً، وكل الكائنات الحية على الأرض، وكل جماد، أنى كان موقعه، ولونه، وشكله، تعبيراً عن التقدير للحياة المشتركة، أكتب وأنا أبني لذاكرة الآتي، وكلّي علْم وتقدير ويقظة طبعاً، أن الماضي لن يمر، كما هو ممكن تبسيطه، لمن يضيق على الحياة مفهوماً ومعنى، فليس في الزمن ما يموت، ليس في الموت ما يميت دون أثر، وليس في مسامة النسيان ما لا يتنفس خارجاً، وليس في الذاكرة ما يحال جانباً، ويطوى. لكلّ حسابه.
أكتب لأن علي أن أكتب، كما تقتضي فضيلة الكتابة وأخلاقية الحياة  التي عهدناها في روعتها، خلاف ما أنتم منتهجوه ومعتمدوه ومختزلوه في بطانة” طوبى لمن يقول أنا تركي ! “.
أكتب لأن الزلزال الذي شهد انفجاره الأرضي الموسوم في قهرمان مرش” 6 شباط 2023 ” وفي فجر الاثنين، قبيل أن تسكت شهزادكم الطورانية  عن الكلام المباح في خدمة مشتهياتكم من حكايات عن كيفية النيل من الآخرين، يا شهريارها الطوراني الشغوف بإزهاق أرواح الآخرين على مدار الساعة، اعتقاداً نفسياً معلوماً أن مجرد التوقف إعلان ساعته، والمعتبَر زلزالاً طبيعياً، وهو في بنيته يحمل دمغتكم” لتقولوا هذا وهمكم ليس. لا بأس، ليكن وهماً مقابل وهمكم من أن أعدى أعدائكم في مشرق الأرض ومغربها، ومن قبْل خلق آدم وحواء، إلى ما بعد الحشر الإلهي لخلقه، هم الكرد. أرأيتكم لكم هو الفارق كبير كبير يا سيادة الرئيس ؟!”، لأنكم من وراء هذا الزلزال زلزلتم الجهات المجاورة لكم، وعلى ضحايا الناس الأبرياء بالجملة فتحتم بازاراً عالمياً لحصد المكاسب، وأنتم، لكم حاولتم الإتقان في التمثيل: الوجه المخطوف حزناً على الضحايا والأضرار، كما لو أن الذين يحيطون بكم لا علم لهم بما يجري، ومن أقرب أقرب مقربيكم في المتاجرة بكل ما هو يجرّدكم من ذلك الوقار المتلفز، والهيبة المتلفزة، والمسحة الرئاسية الخادعة” الديجيتالية “.
زلزلت الأرض التي تعرفونها زلزالها، وأنبأتكم في بعض ” أهوالها ” في خرانات المياه السدودية التي تهدد أسفلكم، وتنذركم بسيئات أعمالكم، كما هو الحادث، والقادم أعظم مائياً. ليكون غضب ” اليم ” المصطنع، تعبيراً لم تحسنوا تفهم لغته، في مخاطره أو في الوعيد المقدَّر!
ووزعتم المناطق تبعاً لتقويمكم له، وقد سلَّطتم عليها أعوانكم وأزلامكم، ومن رضوا أن يكونوا ذيولاً لكم في لغة الضاد و” الدال: التاء التركية ” وخلْطتها،  لينالوا مضاعفاً من الضحايا وما يخص ضحايا زلزالكم في جراحاتهم وميتاتهم وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم، حيث يقيم الكرد، ولنا في عفرين بكل جنباتها، أو جهاتها الخبر اليقين. 
لكم كانت تعليماتكم حازمة حاسمة صارمة في كيفية تنفيذها بحذافيرها:
الإجهاز على الكردي حتى وهو ضحية زلزالكم ” المرَشي ” تحت الأنقاض، أو نصف ظاهر، بتجريده مما يملك، أعني سلبه، وإبقائه عارياً ترجمان الكراهية المركَّزة داخلكم والذين يقتدون بكم في هذا المسار الزلزالي وخطه التدميري التاريخي الرهيب، والسعي إلى إبقائه ليموت الموت مراراً وتكراراً، وعدم دفنه، إلى جانب البقية من الضحايا، من لغات أخرى، كما عِلِمنا بذلك كثيراً، بالصوت والصورة، ومضاعفة الحصار في الجوع والعطش والخوف على المتبقين، بحرمانهم من كل لون من ألوان المساعدة، لأن الجرم هو: الكردية . كما تتبعنا ذلك كثيراً.
نعم، سيعيش الكردي منبعثاً من موت ضحيته، ومن جوع أنتم موجّهوه، والتاريخ يشهد!
نعم، يا سيادة رئيس الجمهورية التي لا نسخة لها، ولا مجال لربطها بسواها في هذا المضمار البالغ الإرهاب، حيث ليس هناك ما يقلقكم ويؤرقكم ويخنقكم أكثر من هذا الاسم: الكردي.
نعم، نعم، أكتب إليكم، من موقعي كاتباً، إنساناً، وبعيداً عن أي تعال ٍ، يعرف من القرآن وترتيله، ومن ذكره وتنزيله، ومن خالق العباد والبلاد في معناه ومغزاه، وضاده المعرَّف به، أكثر منكم، بما لا يقاس” أوَ تملكون الجرأة على تهجئة الدال دالاً وليس تاء، خوفاً من حضور دال الكردي؟”
نعم، نعم، في كل ما عشتموه وتعيشونه إلى الآن، خلاف كل الوارد في كتاب الذكر الحكيم، سوى أنكم بحكمتكم الطورانية مارستم العكس تماماً على الأرض وعبر أدواتكم في القتل والسلب والنهب وتحويل الحياة أنما حلوا إلى زنزانة جهنمية. ألستم أنتم من خططتم للهجوم على عفرين باسم نبع السلام، ولم تتركوا نبعاً، إلا وجففتم ماءه، لم تبقوا حجراً على حجراً، لم تبقوا كردياً، إلا وأخضعتموه لأكثر من صورة شعاعية وتحت الحمراء، لتثبتوا فيه  تنظيماً إرهابياً ليحل قتله؟
أولستم أنتم من مهَّدتم بالهجوء على عفرين، وعلى كوباني، على كري سبي ورأس العين، وفي الواجهة التلويح المعمم بـ” غصن الزيتون ” ولم تتركوا شجرة زيتونة عفرينية وغيرها، إلا ونشرتموها، وأحلتم زيتها الكردي أصلاً إلى الخارج بعلامة طورانية، ولتكون سورة ” الفتح ” كما كان أسلافكم يعتمدونها، سورة ” الذبح ” وهي على قدم وساق إلى الآن ؟
نعم، وألف نعم، يا سيادة الرئيس الموقَّر.. لستُ من يذكّركم، بما يدخلنا معاً في نطاق حكمة الحادث في التاريخ، والعبَر من التاريخ، إنما هي حيلتي الوحيدة، وعذراً على تجاوزي لحدودي هنا فيما أعلم سيادتكم به، ولأنكم أنتم من لم تتركوا خطاً هامشياً لحدود تسمّي ما هو  إنساني، وهو أن ليس في مقدوركم التحكم في نبضكم وقبضكم وأرضكم . ليس في مقدوركم توقيف زمن يخص ثواني عمركم ودقائقها، وتعرضكم للتلف التدريجي….تعرفون ما بعض الفراغ !
نيرون مات ولم تزل روما تقاتل ! وليس في مقدوركم أن تكونوا نيروناً، وقد انتهى أمره في شر نهاية وبؤسها. وكل طغاة التاريخ العتاة تيمورلنكيين، هولاكيين، هتلريين، وصداميين وأذنابهم..إلخ، كلهم، ودونما استثناء، راهنوا على الخلود، وعلى جماجم ضحاياهم، فأصبحوا في خبر كان، وبئس المردود والمسطور عنهم .
تلك هي رسالتي المفتوحة، وليس شاغلي ما إذا كانت ستصلكم أم لا، ستقرؤونها أم لا، إنما هي مجرد رسالة، لا بد أنها ستًقرَأ الآن وبعد الآن، وسيكون لها تصنيف تاريخي، وتحمل اسمي، ودون أن أعطي لأي تبعة من كتابتها اعتباراً. ألم أقل لسيادتكم أنني أكتب بدافع الإنساني الذي أحمله في روحه، وأتنفسه، وأحاول أن أعرف، بأي كان، وليس الكردي الذي أعرَف به، تركياً، عربياً، فارسياً، وسواهم، مادام هناك قاسم مشترك يصل فيما بيننا، ويوحّد فينا مصيراً مشتركاً خلاف المعهود فيكم، وما أنتم عليه وباسمه ماضون، ومن هم في ركابكم وتابعي تابعيكم إلى… بئس المصير  ! 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…