زاكروس عثمان
امريكا تتخلى عن مهامها كبوليس للعالم:
لا يوجد تفسير على سكوت الإدارة الأمريكية على الهيمنة الروسية الايرانية والتركية على سوريا ودخول الجماعات الارهابية اليها سوى رغبة اوباما في منع قيام نظام شرق أوسطي ديمقراطي, ومع تغييب قوة الردع الأمريكية انتقلت الأنظمة الاستبدادية والقوى المتطرفة المعادية للحرية المناوئة للنظم الديمقراطية من حالة الدفاع إلى الهجوم, وما كان لواشنطن أن تتخلى بهذه السهولة عن التيارات والحكومات الديموقراطية, ما لم يكن بارك حسين اوباما جالسا في البيت الأبيض, لأنه اثناء ولايته الاولى والثانية سَرعَ من عملية تخلي واشنطن عن عولمة الديموقراطية ومهد الطريق امام خلفائه من رؤساء امريكا القادمين لتطبيق سياسة خارجية نجد اثارها السيئة اليوم،
إذ لولا تراخي واشنطن ربما فكرت موسكو عشر مرات قبل ان تعلن الحرب على اوكرايينا، ولا كانت الصين تحضر جديا هجوما عسكريا على تايوان، ولا تمكنت طهران من المضي قدما في استكمال برنامجها النووي حيث توشك على صناعة اسلحة نووية ـ ان لم تقم بتصنيعها فعلا ـ هذه التطورات وما ينجم عنها من احداث ونتائج توترالاوضاع الدولية وتزيد من احتمالات اندلاع حرب عالمية جديدة استخدام اسلحة الابادة والتدمير الشامل فيها وارد جدا.
خيبة امل فوكوياما:
لا يمكن بالطبع تحميل واشنطن وحدها مسؤولية الفوضى القاتلة التي تعم عالم اليوم، إذ من سنن التاريخ ان البشرية تصل في مرحلة ما من تطورها إلى طريق مسدود فلا تعود الحلول المتوفرة ناجعة فتكثر الازمات ويزداد الانحدار السياسي حيث تعجز المؤسسات عن التكيف مع الأوضاع الجديدة، ويصاب النظام العام بالخلل فتصبح الحرب الطريق الوحيد للانتقال إلى مرحلة بديلة، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الدكتاتوري 1991، حدث انطباع لدى عدد من المفكرين المعاصرين وهو ان البشرية وصلت درجة من التمدن لن تسمح باشتعال الحروب لاجترار الحلول لازمات تواجه العالم، في هذا الصدد طرح المفكر الامريكي فرانسيس فوكوياما نظرية نهاية التاريخ في كتاب صدر في 1992معتقدا إن (تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى بغير رجعة مع انتهاء الحرب الباردة، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية) وراح يبشر بميلاد عصر جديد يحصل فيه توافق عالمي حول المثل الديمقراطية، ولكن سرعان ما اصيب هؤلاء المفكرين بخيبة امل، إذ وجدوا ان التاريخ لم ينتهي بعد وما زال يفرض قوانينه، و تراجع فوكوياما عن افكاره في كتابه أمريكا على مفترق طرق طبع 2006 شدد فيه على أن (الديمقراطية محصلة مسار طويل في أبعاده التاريخية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن تبسيط مسألة الانتقال الديمقراطي في دول العالم غير الغربي) وحدد ثلاثة مرتكزات لأي نظام ديمقراطي، وهي وجود دولة قوية تتمتع بالهيبة اللازمة، وتكريس سلطة وسيادة القانون، ومسؤولية الدولة أمام محكوميها، واشار فوكوياما إلى تشوهات النظام الديمقراطي الأمريكي بفعل ازدياد سطوة المال السياسي وتنامي نفوذ اللوبيات والدور المبالغ فيه للدعاية، الأمر الذي حوّل حسب رأيه الدولة الفيدرالية الأميركية إلى دولة (بلا عضلات في مواجهة الأمراض التي تتخبط فيها) فهل هذا يفسر الانحسار الامريكي عن الساحة الدولية.
ولكن نحن لا نتحدث عن دولة هامشية محدودة القدرات لا يمكنها خوض صراع مع دولة كبرى، بل نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية بامكانياتها الجبارة التي تساعدها على مواجهة روسيا وحلفائها, فالعقيدة الأمريكية تقوم على قاعدة ثابتة وهي مواجهة الخطر خارج أراضيها, فقد تدخلت في الكثير من النزاعات الدولية وخاضت المزيد من الحروب الخارجية, وما كانت التكاليف مهما تكون باهظة ولا كانت حالة الاقتصاد الأمريكي مهما كانت سيئة تمنع البيت الأبيض عن خوض هذه المواجهات, لان خبراء الاستراتيجيا في واشنطن قبل عهد اوباما كانوا يعتمدون على معادلة بسيطة وهي أن تكاليف مكافحة التهديد خارج أمريكا اقل بكثير فيما لو دق الخطر أبواب البيت الأبيض, الشواذ في هذه القاعدة هو اوباما الذي تقاعس عن مواجهة التمدد الروسي – الصيني – الإيراني والتمرد التركي وتجاهل نمو الحركات المتطرفة, وليس من تفسير لتخاذله سوى احتمالين الأول: اعتقاده أن روسيا ستكتفي لنفسها بمجال حيوي في مساحة جغرافية محددة لا تهدد المصالح أو الأراضي الأمريكية, حيث تناسى أن قيصرا أقوى منه يدعى بوتين يحكم الكرملين, والرجل يملك مشروع توسعي لا حدود له, فهل الاقتصاد الأمريكي بهذا القدر من الضعف حتى يدفع واشنطن إلى التنازل حتى لدول من الدرجة الثالثة, اعتقد أن هواجس اوباما المالية والاقتصادية لا تكفي لتبرير رغبته الجامحة في عزل أمريكا عن العالم, وهذا يدفع المرء إلى التفكير بالاحتمال الثاني: وهو أن يكون السيد اوباما حصان طروادة, إذ بحجة انصرافه إلى الشأن الداخلي الذي يهم قطاع واسع من دافعي الضرائب الأمريكيين, يمرر سياسة خارجية سيئة لا تخدم مصالح بلاده ولا تخدم القوى الديموقراطية في العالم, فهل رأيتم رئيس دولة يقدم الفرص لدول أخرى مناوئة لبلاده ما لم يكن ” حصان طروادة ” ولو كنت أمريكيا ما كنت أتردد في مساءلة هذا الرجل للتحقق من مدى ولائه للولايات المتحدة الأمريكية , هنا لا أشير إلى أصوله العرقية بل إلى جذوره الدينية والثقافية التي ربما تكون بطريقة ما أثرت في ميوله الإيديولوجية ليكون اقل ولاءا لأمريكا, إذ ليس بالضرورة ان يكون المرء مخلصا للبلد الذي ولد فيه ويحمل جنسيته، هناك امثلة على ابناء مهاجرين ولدوا في بلدان غربية ولكنهم لأسباب دينية او سياسية يناصبون العداء لوطنهم الجديد.