رسائل انتفاضة جنديرس وهتك أكذوبة «المحرَّر!»

 

إبراهيم اليوسف
 
ثمة رسائل عديدة، جد مهمة أطلقتها انتفاضة- شعلة نوروز- أو انتفاضة جنديرس- أو انتفاضة عفرين، في وجه الاحتلال التركي، والذي أطلق أيدي- مأجوريه- من المرتزقة، كي يحكموا عفرين- بالحديد والنار- وعلى خلاف ما هو متبع-عادة- من أعراف وقوانين في أي بلد محتل، بحيث أصبحنا أمام احتلال مافيوي مجرم، كاذب، جاء بدعوى- مواجهة ب ي د-  أو- ب ك ك-اعتماداً، على ذرائع قدمها هذا الأخير، وبغض النظر عن تقويمنا لهذه الذرائع، إلا إن نوايا احتلال عفرين، وتهجير ذويها، والتغيير الديمغرافي كان سابقاً، أصلاً، و من أس، وعماد سياسات المحتل، الذي خطط، من قبل، من أجل: عفرين- من دون سكان- وكان التأسيس لمخيمات اللجوء، بعد طرد أهل عفرين منها- بعد حرب الشهرين- جزءاً من تلك السياسة التي بدأت منذ بدايات ما سميت- بالثورة السورية- التي أجهضت، وكان لتركيا الدور الكبير في ذلك، إلى جانب عوامل أخرى، طالما تم طرحها، وهو ما تم  بتواطىء من قبل النظام ذاته، وبتنسيق من قبل أكثر من جهة إقليمية، ضمن ما عرف بصفقة- التسليم والاستلام- التي أقدم عليها النظام السوري، وهو يمارس سياسة- الإيجار والاستئجار- أو- الرَّهن، من خلال ثقته بعقله الأمني، والجهات الراعية الضامنة!
 من أول هذه الرسائل  دحض أكذوبة” تحرير عفرين” أو ” المحرر بشكل عام” التي أطلقتها تركيا، بتأليف وإخراج- أردوغاني- وتنفيذ كومبارس ما سمي ب-الجيش الوطني- الذي مرَّ، في فترة تجويع، بعد مرحلة احتضان، ضمن ممارسة ثنائيتي: الجذب والنبذ، بحقه، من قبل تركيا التي ادعى رئيسها أنه لن يسمح بتكرار تجربة- حماة ثانية- في سوريا، فراح يمنح- المنشقين- والمنخرطين في إطار الجيش “الحر”- رواتب بالدولار- بعد الرواتب الشحيحة التي كانوا يحصلون عليها، في بلدهم، ثم سرعان ما توقف عن تمويل هؤلاء- رغم إنها: مجرد صراف توزيع آلي- لما كان يصلها، من مال خليجي- دولي، ما  أحدث فرزاً بين صفوف ما كان يسمى بالجيش الحر، إذ تم تجويعه، إلى حين، ثم تم التلميح إليه بمنح من يخضع لسياسات وخطط تركيا بما يضمن شؤون- ضمان تكاليف الحياة- بعد أن أصبح هؤلاء خارج وطنهم، وسمعنا الكثير من القصص المحزنة عن أوضاع من لم يرضخ لهذا المخطط، لتسخر، كل من سقطوا في فخ الترغيب والترهيب، ليكونوا مرتزقة تحت الطلب، يقفزون من مركبة إلى أخرى- لا ضير- مقابل سد رمقهم، لتكون أول مهمات هؤلاء السقطة أن يغدوا- طلائع- الجيش التركي، في عملية احتلال عفرين،المسماة زوراً: تحريراً، كما غيرها من المناطق المحتلة من قبله، وتنصيب أكثرهم إجراماً، ولصوصية، وفساداً، أمراء حرب، وإطلاق أيديهم، وكان من جراء ذلك أن اشتغل هؤلاء، تحت راية العلم التركي، وصور أتاتورك- أردوغان، بعد أن أدركوا أن مهمتهم تتركز على تصفية الكرد، في مهادهم، فمضوا يطبقون خطط الاحتلال، على أسوأ نحو، عبر الخطف، والقتل، والاعتقال، والاعتداء على الكرامات، والإذلال، والسطو، وطرد السكان من بيوتهم، وإحلال آخرين مكانهم، إلى أن توج كل ذلك ببناء- المستوطنات- بالمال الخليجي، في إطار تصفية الوجود الكردي. 
ولقد جاءت انتفاضة النار المقدسة، في جنديرس، ليعلن خلالها أبناء وبنات عفرين، أمام العالم، أن عفرين محتلة، وأن مقولة- المحرَّر- إنما هي من قبيل” محض”- التزوير- والافتراء، وتبديل الحقائق، بما يخدم مصلحة طرفين: الاحتلال الذي يخطط، لضم عفرين، نهائياً إلى خريطته، وديمومة- الفردوس الأرضي- لهؤلاء المجوَّعين الفالتين: ضحايا نظامي البعث وتركيا، كي يعيشوا في حياة مترفة، هانئة، شأن كل خائن خسيس، على حساب الكردي. ابن المكان، وذلك أمام أعين العالم أجمع، بعد أن تواطأت روسيا، وفق صفقة معروفة لتقدم- عفرين- على طبق من ذهب إلى تركيا، وأن تطوب أمريكا ذلك، وفق إتباعها قاعدة مصالحها، على حساب الشعوب، دونما خجل أو مسؤولية، وليكون ذلك بداية لاحتلال: سري كانيي- رأس العين و تل أبيض- ضمن حلم احتلال كل ما يقع ضمن خريطة الكرد- لئلا تقوم لهم قائمة، بعد أن تأسست- في الأصل- على أنقاض خرائط الآخرين، وأولهم: الكرد!
كما إن من رسائل الانتفاضة أن أبناء وبنات جنديرس: شيباً وشباناً، شاركوا فيها، وباتت تجسد رؤيتهم، بما يبين جلياً سقوط مشروع الاحتلال الممكيج بالتحرير، وفي هذا ما يمكن قراءته على أكثر من وجه: إن كرد عفرين ذوو روح واحدة، حتى وإن تم إخضاعهم، أو إسكات أصواتهم، عبر هذا الشكل من الإرهاب أو ذاك، في هذه المحطة أو تلك، ولا يمكن لهم إلا أن يكونوا- هكذا- شأن أبناء شعبهم الذي يظهر، على حقيقته، في الملمات، بعيداً عن أي رهان للعدو، في نجاحه في الإجهاز على وجوده، فقد دافع أبناؤه- عن رمزية ديمومة نار نوروز- بصدور عارية، تحت ظل العلم الكردستاني الذي رفعه المتظاهرون، تعبيراً منهم: أن هذه رايتنا، التي نقاوم تحت ظلالها، بعكس من يستطيع تبديل راية- ثورته المزعومة- براية العدو المحتل، في صفقة واضحة، يعرفها جميعنا!
  
استطاعت- ابنة عفرين- وهي بركان الحماس- أن تنخرط في لجة- الانتفاضة الباسلة، مكسرة أصفادها، بعد أن كانت من أكثر المستهدفين: أماً، أختاً، زوجة، ابنة……، ولقد تابعنا أوجه إذلالها، إهانتها، بأشكال كثيرة، لاسيما إن هناك تهمة. دمغة، يمكن الاستفادة منها، وهي اتهام أي شخص بانتمائه إلى- ب ك ك- ولو كان ذا موقف منه، بل حتى وإن كان قد عانى منه، وضحية له، إذ تعرفت ولاتزال سجون تركيا وفصائل الإجرام على الحرات الكرديات، وهذا عبر اعتراف بعض وجوه الفصائل الذين كانوا يقدمون هكذا اعترافات بحق الفصائل الأخرى، في فترات الخلاف، وثمة ما لا أريد ذكره، من أشكال الانتهاكات التي يعرفها المطلعون.
 
في هوية المجرمين
و أدوار الأسرة الدولية المتواطئة!
 
 إن أهم رسالة، قدمتها انتفاضة شعلة نوروز2023 هي أن المسؤولية الأولى عن دماء شهداء جنديرس إنما تقع على عاتق تركيا، كدولة، وكنظام، وأن الرئيس الطاغية. السفاح التركي أردوغان ومن معه من رموز السلطة والمؤيدين مسؤولون عن هذه الجريمة البشعة التي نفذها ممثلوهم الذين يحكمون عفرين، باسمهم، من دون أن ننسى مسؤولية- الأدوات- التي ارتكبت هذه الجريمة، على نحو مباشر، فأمير الحرب الذي نفذ الجريمة ومعه صِبيته إنما يمثل فصيله. إنما يمثل سائر الفصائل التي قبلت أن تنفذ خطط المحتل، كما إن الأسرة الدولية: أمريكا- روسيا- إلخ، مطالبة، بفتح ملف الانتهاكات في عفرين، والمطالبة بمحاكمة هؤلاء المجرمين، كل حسب مسؤوليته، دولياً، وأن يكون ذلك في موازاة مع إنهاء فعل الاحتلال!
وأخيراً، فإن انتفاضة الكرد، في جنديرس. عفرين، أعادت، ومن جديد، فضح فرية الاحتلال بتحرير عفرين، واعتبارها جزءاً من” المحرر”- المدنس، المدنس بالاحتلال، كما إن هوية أدوات الاحتلال المعتاشين، باسم الثورة، وهم يسرقون لقمة الكردي، ظلماً أكدت ونحن في اليوم الأول من رمضان 2023 أن هؤلاء يكذبون على الدين، في إطار توظيفه في خدمة معاداة الله. معاداة قيم الخير. معاداة الإنسانية، وليس أدل على ذلك ما يصل من- رسائل صوتية- أو- بطاقات دعوة- تهديدية، من قبل بعض المتورطين، والمجرمين، وهي تكيل الوعيد بسحق الكرد على أنهم- كفرة- رغم أن الكرد هم معلمو آبائهم وجدودهم في- الدين المعتدل الصحيح- وما إسلامهم وإسلام معلمهم العثماني- الأتاتوركي الجديد إلا هالة رياء، و دجل، ونفاق، ومن ضمن أدوات شرعنة الجريمة والسطو والاغتصاب وانتهاك الأعراض  والقتل. قتل الإنسان. قتل العالم، وفي هذا ما يدعو- قادة من يسمون بالأسرة الدولية- المتحكمة،  إلى إعادة ترتيب الأوراق، والتكفير عن جريمة تواطئها، و رهن قرارها بيدي سفاح مجرم استطاع أن يمرر موافقة احتلال عفرين، واستحصال تزكية الدولتين الكبريين، على خلاف مزاعم دوريهما، مقابل خنوعه، وإذلاله، وممالقته، و تواطئه، ليبدو في عيون رعيته- بطلاً أسطورياً- رغم كل جبنه، وخبثه، ولؤمه!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…