هل الحالة الكردية الراهنة مقبولة سياسيا تلامس الواقع ومؤهلة للتفاعل مع المرحلة والاندماج مع حيثياتها وتطوراتها الدراماتيكية قبل الحديث والحكم في مسألة القيادة بالتوازي مع ما يحصل من مستجدات وتطورات مذهلة ومفصلية تاريخية على الساحة السورية ومقارنة مع حجم القضية التي بصددها الشعب الكردي عملا ونضالا وحراكا منذ عقود …؟ سيأتي الجواب بـ كلا حتى من معتوه قبل العاقل بعد قراءة سريعة وتحليل منطقي وحكم عملياتي لأداء الحركة الكردية من أحزاب وحراك شبابي وثقافي واجتماعي وشعبي إلى هذه اللحظة وعلى كل المستويات .
لذا لا حاجة للإسهاب في بحث الأسباب وتكرار ما قيل عن هذه المسألة من جديد.
وهنا يأتي سؤال ليطرح ذاته من تلقاء ذاته ..ما البديل وما العمل إذا كان الحراك الراهن المعاش ليس بمستوى المسؤولية وجدلية التاريخ .؟ وهل من مشروع سياسي كردي حداثي لإصلاح ما هو سبب ومسبب لتعطيل الحراك الكردي نحو الأفضل أم أن الإصلاح في القديم أيضاً هو ضياع واستهلاك جديد للوقت والجهود وإنتاج الذات من جديد كما يفعله حزب البعث والنظام وما هو ماثل للعيان الآن ويجري من بناء الأطر الكردية والهياكل المشيدة حيث لم ينتج القديم إلا نفسه من جديد بطريقة جديدة بعد أن انتظم في أشكال وكتل ومجالس جديدة تحت أسماء وعناوين مبتزة للمشاعر القومية وللاستهلاك المحلي الكردي مع الحفاظ على الجوهر والبنية الفكرية والثقافية والموروث الحزبوي القديم ضمن أطر أوسع فضاء ومساحة كأفضل حل ووسيلة ممكنة للحفاظ على ذاتها من الزوال والهلاك في خضم الثورة السورية العارمة ..؟ أم أن الكرد بحاجة ماسة إلى ثورة داخلية وتغيير جذري في المفاهيم والموروث المعطل للتطور ورفض الهياكل القائمة وبناء الإنسان الجديد حيث لا تغيير ولا تطور بلا إنسان عصري قادر على الاعتماد على الذات وينطلق من المجتمع ويعود إليه وكيف ذلك وما هي السبل..؟ وهل من مشروع تنويري نخبوي وحداثوي في هذا الاتجاه ..؟ وهل الحركة الفكرية والثقافية مؤهلة للقيام بهذه المهمة ..؟ هي أسئلة نحاول البحث في غمارها لاحقا .
نظرة موضوعية دقيقة وشاملة دون تفاصيل على المشهد السياسي الكردي سيجد المرء بأن هناك تيار محافظ وتقليدي مطعم بالموروث البالي وهو خليط ثقافي غير متجانس ذات طابع عشائري فكرا وتفكيرا ومنهجا بشكل عام يرفض بالمطلق أي تغيير أو تحديث حقيقي في جسم الحراك والحركة الكردية لأنها ترى في مثل هكذا خطوة أو إجراء موت لها وفقدانها لكل مكتسباتها الحزبوية والعائلية والشخصية التاريخية لذا تسعى بكل ما أوتي لها من قوة ومن مناورة في خلق الأزمات وإثارة الفتن ونشر ثقافة الشقاق وبث روح الانقسام “سياسة فرق تسد ” والنبش في أرشيف التاريخ المقيت للصراعات الحزبوية للتأليب على الرأي العام وخداعه وجره إلى تخندقات لا نفع له فيها للحفاظ على مواقعها قدر المستطاع .هذه الفئة هي الأكثر تأثيرا الآن على الرأي العام بسب التخلف السياسي والثقافي والمعرفي للمجتمع الذي يغلب عليه ثقافة اجتماعية سلفية لذا تعتمد في طرحها المسألة الكردية من باب النظرة القومية البدائية الضيقة كما كانت منذ عقود دون أن تأخذ بعين الاعتبار المستجدات الطارئة والجديدة على الساحة السياسية الوطنية الإقليمية والعالمية وتستغل الشعور القومي للناس بأساليب وطرق ملتوية يكون القصد من وراء كل ذلك هو الإمساك بزمام الأمور وقيادة الجماعة وتضليلها من خلال مثل هكذا ثقافة وتقاليد كردوارية التي أصبحت الكثير من مفرداتها وعناصرها قديمة بالية لا تصلح لهذا الزمان ولكن الشعور القوي لدى أغلب أفراد الشعب بالظلم والاضطهاد وغياب ثقافة وفكر التنوير وشوفينية الشريك العربي ونظرته العنصرية إلى المسألة الكردية في الوطن السوري تجعل من الغالبية العظمى من الشعب الكردي يفكر بالمثل مما يجعل مدة وفرص بقاء الشخصية القديمة والأحزاب الكلاسيكية قائمة ضمن هذه الظروف والمعطيات الراهنة وهذا بدوره كان أحد الأسباب الأساسية المعيقة لأي تطور منظور وبقي هذا التيار يعمل عكس حركة التاريخ وهي الآن خارج العصر غاية وطموحا ولم تشارك بالحراك السوري إلا من باب التضليل والتسويق مؤخرا تنفيذا لأجندات مبهمة.هذا التيار السياسي الآن تستمد قوتها المعنوية من مراكز كردستانية ومهيمنة على بعض من الشأن العام الكردي وتعيش خارج التاريخ .
بالمقابل هناك تيار أدعى المنهج اليساري الفوضوي في مرحلة ما من التاريخ القريب ووصف نفسه بالأنتلجنسيا الكردية لذي تخبط خلال مسيرة حياته السياسية والفكرية والثقافية والحداثوية شر تخبط وطرح نفسه كبديل للقديم وما زال هو مكتنف بالقديم ومصرا وعنيدا في رأيه ويظن بأنه هو الحل البديل و يمثل حقيقة المرحلة من خلال طرحه بعض من الشعارات الخلبية والثورية التي استهلكت من زمن بعيد دون تفعيل على الأرض ولم يستطع لغاية تاريخ الانتظام والتنظيم في لم شمل الجيل الراهن والشباب المتعلم والمثقفين الذي كان على استعداد في التخلص من القيم والمفاهيم والتقاليد المعيقة لتطور ومن طبيعة هذه الشريحة الاجتماعية الواعدة هو التمرد والبحث عن الذات وصانعة الأمجاد إذا استثمرت ويبقى هي الأولى كوقود التغيير ومحرك تطور المجتمعات ولكن الروح الأنانية الفاقدة للمسئولية التاريخية والغرور والتباهي بالذات من النخب السائدة القائدة والعقول المتكلسة والاعتقاد بأنها هي الأكثر وعيا وثقافة وذات تجربة وخبرة ونضال وحاملة للعلم والمعرفة لم تحاسب ذاتها على تصرفاتها وسلوكياتها الفردية والفوضوية مما أدخلت المجتمع الكردي في صراعات أيديولوجية مقيتة في زمن ماض ولم تكن منتجة مثل منافسه القديم مما خلقت لأجواء انقسامية وسادت الفوضى بين الانتلجنسيا الكردية المزعومة نفسها وكان الحاصل ما هو ماثل للعيان وهو الآن بلا قوة ولا حسن تدبير و قد تحالف هذا التيار الانقسامي مع القديم في إطار هش ومساوم في مسعى منه للحفاظ على ذاته من الذوبان وبقي البعض الآخر من بقاياه تراوح المكان وتزعم بثورية وطنية واعتباره نفسه جزء من الحراك السوري العام وهو مفتقر إلى أي مقومات التغيير عدد وعدة .وإذا ما أقدم هذا التيار بشكل جدي في تنظيم صفوفه وإصلاح ذاته يمكن أن يستمر في وجوده في الأيام القادمة فاعلا بعض الشيء .
كما ظهرت بوادر التغيير والتحول في بداية الحراك السوري العام من خلال جيل الشباب غير المنضوي في صفوف الأحزاب والسياسة الكردية الكلاسيكية وقاد حراك الشارع وساير الحراك العام بامتياز وكان من المأمول أن يصبح حراكهم بديلا تنظيميا للسياسة السائدة في المجتمع الكردي ولاقى الشباب القبول والترحيب من شرائح واسعة من المجتمع وخاصة من الفئات والشرائح الرافضة والمنتقدة لسياسات فشلت على مدى عقود ولكن من المؤسف لم تنتظم هذا الحراك الوليد في هيكلية سياسية حتى تحافظ على ذاتها من الاختراق والفوضى والروح الأنانية ونزعة البطولات الفردية لقياداتها الغضة لأن من طبيعة هذه الفئة الشبابية والعمرية النزوع إلى التفرد والروح الفردية إذا لم تنتظم وتنضبط وفق هيكلية تنظيمية عصرية في ظل قيادة مبدعة وواعية كي تحافظ على وجودها بالاستمرار وسط الأجواء السياسية المتصارعة والملتهبة حيث يبقى خطأ الأول هو الأخير” صراع الفيلة ” فأصاب الحراك انتكاسة ثقافية وفكرية ولم يلتزم بالنهج الذي انطلق منه ولم يتحصن من وباء الموروث الثقافي والسلوكي الكرد البالي وحيكت حوله المؤامرات والحيل واستخدمت أساليب وأدوات الترهيب والترغيب لتقويضه مما جعل الحراك الوليد في تتقهقر وتثبيط أمام صعوبات الأيام والخشية بأنه قد تم احتوائه بكرسي موهوم وخلبي في هذا المجلس وذاك وتفرق من تفرق وهو الآن بلا قرار ومبادرة وبلا حيلة وأغلب الحراك الشبابي الآن تحت قيادة القديم واليسار الفوضوي وفقد الروح الثورية وتخلف عن الحراك السوري العام .
يتبع ………………..
xkalo58@gmail.com