من يراقب الخطاب، من ألفه إلى يائه، يلاحظ أنه لم يخرج من قوقعة العنترة الجوفاء، والخلبية، التي يجد نفسه، مجسداً لها، بسبب ثقافة نشأته، وعدم قراءة وزنه كممارس أو كمواجه للإرث الاستبدادي، ذي الأبعاد الدولية الخطيرة التي بتنا نكتشف أجزاء فاضحة منها للتو، بعد سقوط آلة الرقابة الهائلة، في ظل ثورة الاتصالات، وبفضل دماء ما يقارب عشرين ألف شهيد، وأضعاف العدد من الجرحى، وأضعاف العددين من مجهولي المصير، وأضعاف أضعاف كل تلك الأعداد، من الملاحقين، والمطلوبين، وأضعاف مضاعفة، لهؤلاء كلهم، من المهجَّرين والمهاجرين.حيث هناك مؤامرة دولية عظمى، معروفة الأسباب، ضد هذا الشعب الأبي الذي يراد له الركوع والخنوع، بتسلط رئاسته عليه، على غرار رئاسته، ذاتها، التي حكمت بالنار والحديد، ولا تزال تحكم بهما على امتداد عقود، نظراً لتوقيعها، على صكوك الإذعان، تحت يافطات المقاومة والصمود والتصدي، وغير ذلك من عقاقير التخدير، منتهية الصلاحية، كإصلاحات الرئيس نفسه، منتهية الصلاحية.
يعزي بشار الأسد، في بداية كلمته بعضهم ممن ترشحوا إلى هذا المجلس، وكان ينبغي أن يكونوا بينهم -إنهم ناجحون سلفاً برأيه- وإن كنت شخصياً قد سمعت بالعبارة نفسها،منه، ولعل تصفيات النظام لبعضه بعضاً وراء ذلك، فهو ما لا نعلمه، تحديداً، إلا أن الملفت جداً في خطابه هو”أنه بات يحيي الشهداء” الأبرياء” من مدنيين وعسكريين، إلخ، وكلمة” الأبرياء، يعزل من خلالها”الشهداء الثوار” ، وهو ما سيؤكده، باعترافه أنه ليس رئيس من يعارضه، وأنا الذي لم تثقب بطاقتي الشخصية بانتخابه، يوماً، في استفتاءاته التهريجية، أفرح لأنه اعترف أنه ليس رئيسي، إلا أن سوريا بلدي، وشعبها – بكل مكوناته وأشكال فسيفسائه ممن لم تولغ ولم تلطخ أياديهم في الدم-هم أهلي، وأسرتي، وهو حال ملايين السوريين المعارضين، كما أعرف، وكما هو اليقين.
وعلى الرغم من أن مجرَّد وجود بشار الأسد، تحت قبة البرلمان، مواصلاً استعراض عضلاته المضمرة،إهانة لكل سوري، إلا أنني اضطررت أن أمضي في قهقهة عندما حور أحد الجالسين معي، أثناء متابعة خطابه المخزي والمخاذل، والمخاتل”هذا، عبارة له يقول فيها: إذا كان المواطن هو الهدف بالنسبة لنا فلابد أن يكون هو المنطلق”فعلق صاحبي فوراً:إذا كان المواطن هو المعارض فهو هدف الرصاصة..!
وحين نقف، عند العلامات الفارقة لخطاب بشارالأسد، فإن جوهره، فذلكات لا يفهمها إلا مملي وصاحب ذلك الخطاب البائس الذي لا يزال يدربه، قبل كل كلمة ملقاة، أو حوار تلفزيوني من قبله، كما حال “ابتكاره الإبداعي” الذي سيسجله له التاريخ ، ويستحق عليه “براءة” الاختراع”حين قال: الرمادية الوطنية لم تعد مقبولة لماذا أقول رمادية وطنية ففي خطابي السابق أمام مدرج الجامعة تحدثت عن الرمادية بأنها لم تعد مقبولة ففهم البعض بأنني أنا أقوم بإلغاء أطياف سياسية يعني يا أبيض يا أسود والحقيقة أن هؤلاء لم يفرقوا بين الرمادية السياسية والرمادية الوطنية وعندما يكون هناك أحزاب داخلية أو تيارات سياسية أو أشخاص سوريون في حالة خلاف أو تنافس أو تناقض أستطيع أن أقف في المنطقة الرمادية لا مع الأول ولا مع الثاني ولا مع الثالث أو الرابع أما عندما تكون القضية وطنية وتكون المشكلة بين وطني وأوطان أخرى فأنا حتما مع وطني وإلا أكون خائنا فالرمادية الوطنية غير مقبولة وأنا لا أتحدث عن رمادية سياسية..
البعض يقف في موقف الرمادية الوطنية ويقول هذه رمادية سياسية وهذا ما أقصده بالرمادية الوطنية ..إلخ….
” ، إلى جانب تقديمه التعازي للشعب السوري، وليس لأسر الشهداء، مادام أنه يقدم نفسه، ومجلسه، على أنهم الشعب، متصاممين عما قاله، ولايزال يقوله فيهما، وكان آخرالإبداعات الأمنية التنادي لما يسمى بالانتخابات البرلمانية، دونما منتخبين، بكسر الخاء، وبكسرالهاء غير الموجودة في يقينياه وعبارته هنا..!، وإن كنت سمعته لأول مرة يصلي على النبي، من ضمن”عدة الشغل”، كما أنه راح يتحدث صراحة عمن هو خائن وطنياً، وهو في عرفه من لا يرتكب خيانة استباحة قتل أبناء الشعب السوري، بل إنه راح يكذب العالم كله، وشهداء الحولة، أنفسهم، عندما راح يتبرأ من قتلهم، ويعد آباءهم قتلة لهم، فعلى من يضحك هذا الدَّعي؟، مع أنه راح في مابعد يتحدث عن هؤلاء الأطفال-منهم من نحر على يد زبَّانيته في الحولة أو غيرها ومنهم من ينتظر-زاعماً أنهم مأجورون لقاء دفع مبلغ مالي لكل منهم هو2000ل.س عن قتل كل شخص”، وحسناً فعلت فضائية العربية، عندما أظهرت مجموعة أطفال يدوسون صورته، وهو يتحدَّث عنهم، مع أن ألبسة كل هؤلاء لا تساوي ألفي ليرة سورية، ناسياً أن نسبة كبيرة من الشعب السوري تنام جائعة، ولا تعلن عن بؤس حالها، كما يفعل من يمر في مثل ظروفه، ولا أدري من أين حصل على الرقم ألفين؟؟، وهو رجل لاتزال فضائيات العالم تقول عنه: الرئيس السوري، مع أن أول عهد له بالرئاسة، كان مجازياً، بل اغتصاباً، كما تشهد على ذلك قاعة ما يسمى بمجلس الشعب نفسها، وبعضهم لا يزال مكرر الوجه، والولاء، وبيع الضمير، إلى جانب آخرين، قبلوا بالمهمة ذاتها، بلا خجل، ولا حياء، حتى وإن راح بشار يستشهد بأن بعض معارضته جاؤوا للمجلس – وكيف يكون هؤلاء معارضين حتى وإن كان بعضهم قد اعتقل، سهواً، أو فعلياً، وهو لابد يحمل في ذاته بذرة السقوط، في عزِّ دوي ترديده للشعار المناوئ للنظام، والأطرف من كل ذلك حديثه عن أنه لا حوار مع المجلس الوطني السوري، الذي بات يذكره لأول مرة، بهذه الطريقة، وزعمه في ذلك أن المجلس الوطني طالب بالتدخل العسكري، وبعيداً عن إبداء الموقف له هنا، أقول: لم تصرح بالدعوة إلى الحوار مع المجلس، عندما كانت تصدر عن بعض قياداته التصريحات أنه ليس الآن، مع التدخل العسكري، مع أن جوهر تأسيس المجلس، تم على أساس أن “لا حوار مع الجزارين”، وبشار الأسد هو -إن كان لايعلم- جزار سوريا الأول، الآن، مع أني عالم تماماً لو أن بشار ترك سوريا، منذ 15 آذار2011، لحاز على ما يكفيه من غسل يده من الجريمة المستمرة بعد ذلك التاريخ، إلا أن العقل الذي يقوده تصرف على هذا النحو-ولا خيار له سواه في ظل وعيده وتهديده كعنتر زمانه- وأن طبيعته، أو تركيبته، في ظل تحليله النفسي، مجبولة بسفك الدماء، والجريمة والفساد والكذب من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن اللاوطني الأول، وفق توصيفه، يكون هو وبطانته الحاكمة، لأنهما أول من مدا الأيدي للأجنبي، بل إن نظامه مستقو بالأجنبي منذ اغتصابه دفة الحكم.
ثمَّة ملاحظة فاقعة أخرى، على خطاب بشار الأسد، وهو يتجلى في وصفه لمعارضته اللاوطنية، بنعوت شتى، نقولها جميعاً عنه، ولعله قد اكتسب هذه اللغة الجديدة، لمواظبته على معرفة صورته لدى المعارضة، من خلال متابعة إعلامه، وهي نقطة إيجابية، أن يسمع رأيه فيه، إلا أن هناك أمراً مهماً، هنا، لايعيه، وهو أن قذف المرء الآخرين بنعوته، لايغسله البتة، من درنه الشخصي، بل يعزز إبرازه فيه، وإن كانت معارضته قابضة للمال السياسي، فهو يدير المال السياسي، سارقاً وقابضاً ودافعاً لشبيحة قابضة، قاتلة، ومصفقين شركاء في القتل..!
كنت في سلسلة مقالاتي، التي أعقب بها على خطب بشار الأسد، أشير إلى حالة الذّعر والتوتر التي يعانيها، وإذا كان قد حاول مواراتها بالضحكة الصفراء في خطابه الأول، إلا أن كل الأدوية المهدئة التي يتعاطاها، قبل أي خطاب، لم تفلح –هذه المرة- في إخفائها، فقد راح وتحت وطأة حالة الذعر، في خطابٍ هاذٍ، يشير إلى مايدور برأسه، من عدوان على المواطن، وعلى سوريا، إن لم يكن عنان سوريا بيده، وابنه، وحفيده، وحفيد حفيده، كما آل إلى يدي أبيه، من قبل، خطأ، ووصم معارضيه بالإرهاب، فهل كان أطفال درعا إرهابيين،وسارقين ومرتزقة ، أم أنهم كانوا أصحاب رأي أبرياء، ألا يزال طابع كل الاعتصامات والاحتجاجات التي تتم سلمياً، تماماً،إلا إذا كان جنابه يعد تحطيم تمثال أو تمزيق صورة له، أو البصق عليهما إرهاباً..!؟.
ثمة تناقضات كثيرة، يمكن لمن يريد، اكتشافها، في جملة خطب ما بعد اشتعال الثورة، وهي ستبين كيف أن منظومة ثقافته، مبنية، ومستلهمة، من التزوير، والنفاق، وهو-هنا-عارف ما يريد، ولم، وغير ذلك…!
وأخيراً، إنني لأعتذر من قارئي الكريم، لأني هدرت وقته بقراءة هذا المقال، عن شخص أهوج، متعجرف، طاغ، لاعلاقة له بالمنطق والحكمة، والعقل، ولقد كان في إمكانه حتى خطابه الثاني، أن يعتذر عن جرائمه، وجرائم أبيه، وأسرته، بحق الشعب السوري، ويزعم أنه “مواطن سوري شريف” ، مخلص لوطنه-ولكل شخص الحق في قول مثل هذا الكلام-وأن ماتم من قبل كان نتيجة سلوك بطانته، من المرتزقة، بيد أنه صار لدينا، على ضوء عشر السنوات من حكمه البائس -قبل الثورة- أنه ابن هذه السياسة، والمفطوم على حليب فسادها،
3-6-2012