نعم، أنا مثقف كردي انتهازي «فقط للمعنيين بوحدة البلاد والعباد»

 إبراهيم محمود
 
لا بد للمرء أن يكون واعياً لما يجري، متنبهاً إليه، كما يتصرف المحيطون به، وإلا فإن ما يحمد عقباه يكون في انتظاره.

فإذا كنتَ أيها المعني بما أكتب أو أقول هنا، في وسط نقيق الضفادع، فإن عليك أن تتقن نقيق الضفادع، وإذا رأيت أغلب الذين تعرفهم، يحملون عصياً، وبملامح هستيرية، وهم يتلفتون يمنة ويسرة استعداداً لكل طارء، فعليك أن تختار عصا مشابهة، وأن تظهر بالملامح الهستيرية ذاتها، وتنتظر العدو الموسوم، وإذا ضرط الذين أنت في حلقتهم فعليك أن تتصرف مثلهم، وعذراً على المثال المقدَّم هذا، لأن رائحة ما سمّيت تنتشر في وسطنا الذي تعلم بأمره بمقاييس شتى.
وفقاً للمعايير السائدة والمتَّبعة، طلبت انتسابي إلى هذا الوسط الأثير، حيث أتمثل المواصفات المطلوبة تماماً، لهذا أقول:
نعم، أنا مثقف كردي انتهازي! وكلمة انتهازي، من انتهاز الفرص المناسبة، وهذا يتطلب وعياً إضافياً، وقدرة مركَّبة في الذكاءين: النظري والعملي، حيث يوجد من هم يهتمون بأمرك، ويثنون عليك، لا بل ويسبّحون باسمك إن أردت.
 
ولكي أكون مثقفاً كردياً وانتهازياً من العيار الثقيل ويتحدث عني من هم في خانة النكرة والمعرفة عموماً، وأهل التقوى من أولي الأمر والثقافة الكردية طبعاً، اتخذتُ سلسلة من الإجراءات، وقد أحببت إطلاع من يهمهم أمري عليها:
 
منعت على نفسي النوم، وأنا أتابع قدر المستطاع كل شاردة وواردة في وسطي الكردي ومجتمعي عموماً، لألتقط كل شاردة وواردة، وأكون دقيقاً فيما أريد، بالنسبة للذين ينتظرون عروض أسعاري.

ولا بأس أن أوضّح هذه النقطة أكثر، فأقول: إنني تااااجر، ومن نوع لافت، أحدّد أسعاري على كل حركة بهلوانية، أو كلمة تستثير الآخرين، وتدفعهم إلى التصفيق لي، باعتباري أتحرك وأتكلم كما يرضيهم، ناسفاً ذاكرة الأمس، ملتزماً بشروط اليوم.

وكل شيء تجارة..
 
تعلّمت لغات كثيرة ليحجَز لي مكان في مختلف الأمكنة التي يتجمهر فيها بني قومي، كيف لا، وقد بلغ هؤلاء ساعة الحسم كثيراً، في لقاءاتهم في الهواء الطلق، واستعراض ثقافتهم والتلويح بقوة عضلاتهم الفئوية وإرغام من ليس كردياً على النظر إليهم والاعتراف بهم، لأن نيل الاعتراف، كما يبدو لانتهازي مثلي، يبدأ من هذه النقطة.
 
لم أشأ أن أتصرف مثل من يربط رجليه إلى بطنه، وهو مخدوع بما يفكّر ويعتقد، حتى لا تفتتنه غواية الهرولة إلى هذه المناسبة الكردية أو تلك، وتحضير الكلمة المناسبة، ولا بد أنه مشكوك في أمره، فالكردي الحر، والأصيل، وابن أبيه، هو من يقرأ الحدث قبل وقوعه، وينظر في الوجوه الأقدر على مكافأته، ولهذا أكون في الواجهة هنا وهناك.
 
سخّرت نفسي في خدمة الذين وضعوا كتاباً خاصاً في تعلم الكردية، وإعطاء دروس خاصة في الكردية الفعلية، وهو لا يوزع إلا على الذين يؤمنون بها، ويتمثلون أفكاره، ويقتدون بالوارد فيه، وخاصة اليوم، حيث يزداد الطلب على خدمات من هذا النوع، وحاولت أن أحفظ الكتاب هذا عن ظهر قلب، لأسعد من هم وكلاءه وأمناءه وصرافوه، وأقبض المنتظر.
 
ولأنني مثقف كردي وانتهازي، وفي دنيا العولمة في طبعتها الكردية السائدة، فقد جهّزت لائحة خاصة للمعنيين بهذا الشأن بأسماء الذين يدققون في كل شيء، ويطلبون المستحيل باعتباره مثقفين بدورهم وهم قلة ودونهم، ولأكون لسان حال من يرغب في تعرية هؤلاء، فالكردية حيث تكون أنت، والكردية حيث تأتي الموجة وتركبها، وثمة أصحاب خبرة في هذا الميدان، ويسهل الاتصال بهم، المهم هو كيف تلتقط الإشارة، وفي الاتجاه الواحد حتى لا تضل طبعاً.
وهأنذا أعيش متعتي باسمي الصريح وصورتي التي تشهد على ذلك، خلاف الأمس، حيث اسمي الحركي تقدَّمني أكثر، كون الظروف اختلفت.

أليس التمييز بين الظروف شأناً ثقافياً، وتقدير المخاوف حالة ثقافية عامة وكردية خاصة؟
 
 
وكوني مثقفاً كردياً انتهازياً، وصار تحت الطلب الكردي- الكردي، وقد تعددت مراكزه ومناسباته وكردياته، وسهل عليه أمره في تبيان من يكون دون خوف من رقيب أو تقرير مغرض، فقد شحَّنت مواهبي أكثر ونمّيتها كما هو السوق الكردي الرائج كثيراً هذه الأيام، لأن الفرص  المطلوبة لا تتوفر دائماً، وأنا أهزأ من الذي يمكن أن يقول عن أنني أخفيت ذَنبي الطويل بين رجلي، قياساً إلى مواهبي وحضوري هذه المناسبات، ومن ثم الدفع بمن يدعونني إلى الترحيب بي قياماً، لأنني بت على يقين أن المثقف هو من يكون حيث الآخرون وهكذا تتحقق اللحمة القومية، وأنا أعزز موقعي حيثما كنت.
 
ولأن الزمن محسوب بالثواني، فقد أوصلت ليلي بنهاري، وسجلت أسماء كل الذين تهمهم خدماتي، وأمكنتهم، ونوعية مناسباتهم، ساعياً إلى التخلص من حمّى الماضي، حيث التزمت الصمت كثيراً، ليس من باب التعويض فقط، وإنما لأظهر لمن” يطول لسانه” علي، أنني” ملوى هدومي”، والإنسان ابن فرصته، وأحمق ورعديد من يقول خلاف ذلك.
 
 
وحيث إنني أعيش لحظة فاصلة في تاريخي الشخصي، وهي ذهبية بامتياز، لم أشأ أن أختتم قولي هذا دون أن أشير إلى أنني أحاول جاهداً هداية من ضل الطريق بالنسبة لمن يعتبر نفسه بعيداً عما يجري، وفي الوقت نفسه، أكثّف جهودي حيث حضوري يتنامى، على قدر هذه الأنشطة التي تضعني في الصدارة، فربما الذي يأتي بعد قليل، لا يكون كما أشتهي، وهنا تكون براعتي” وعذراً عن مدح الذات”، وأعني بها سعيي المتواصل إلى كسب المزيد إلى جانبي، فالعظماء هم الذين يستجيبون لغيرهم، ويتفننون في إظهار مواهبهم بالشروط المطلوبة، وتكون مهاراتهم مساعدة على ذلك، حيث تكون مرونتي ضامنة لي لأن أستمر هكذا إلى إشعار آخر، أكثر ممن حرَم ويحرم نفسه من متعة المشاركة فيما يجري.
فالكردية الحقة، ثانية وثالثة، هي أن تجيد لغة الأكثر حضوراً، وثقافتهم، وبها يكون التأمين على الحياة والموت أيضاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سعيد عابد* في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني ألقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي خطاباً أمام مجلس الخبراء، مؤكداً على الدور الحاسم الذي تلعبه هذه الهيئة في اختيار “المرشد المقبل”. وأعرب عن شكره لاستعدادهم، وحثهم على اليقظة في أداء هذا الواجب الذي وصفه بأنه ضروري لضمان استمرارية النظام ومنع انحرافه. ويعتبر المجلس، الذي أنشأه مؤسس النظام روح الله الخميني،…

صدرت للكاتب والباحث د. محمود عباس مؤخراً ثلاثة كتب جديدة، وبطباعة فاخرة، ضمن سلسلة مخطوطاته التي تتجاوز الأربعين كتابًا، متناولةً القضايا الكوردية من مختلف جوانبها: النضال السياسي، والمواجهة مع الإرهاب، والتمسك بالهوية الثقافية. تُعدّ هذه الإصدارات شهادة حيّة على مسيرة د. عباس، الذي يكتب منذ أكثر من ربع قرن بشكل شبه يومي، بثلاث لغات: العربية، الكردية، والإنجليزية. إصدارات الدكتور محمود…

اكرم حسين تستند الشعبوية في خطابها على المشاعر والعواطف الجماهيرية، بدلًا من العقلانية والتخطيط، حيث أصبحت ظاهرة منتشرة في الحالة الكردية السورية، وتتجلى في الخطاب السياسي الذي يفضل دغدغة المشاعر الجماهيرية واستخدام شعارات براقة، ووعود كاذبة بتحقيق طموحات غير واقعية، بدلاً من تقديم برامج عملية لحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المناطق الكردية. إن تفاقم الاوضاع الاقتصادية وانتشار الفقروالبطالة، يدفع…

خالد حسو عفرين وريفها، تلك البقعة التي كانت دائمًا قلب كوردستان النابض، هي اليوم جرحٌ عميق ينزف، لكنها ستبقى شاهدة على تاريخٍ لا يُنسى. لا نقول “عفرين أولاً” عبثًا اليوم، بل لأن ما حدث لها، وما يزال يحدث، يضعها في مقدمة الذاكرة الكوردية. لماذا عفرين الآن؟ لأن عفرين ليست مجرد مدينة؛ هي الرئة التي تتنفس بها كوردستان، والعروس التي تتوج…