بالتأكيد كانت هزيمة بإمتياز، فمنذ اربعين عاماً يدّعي الكرد، النضال من أجل اقناع الشريك العربي بحقوقه القومية المشروعة، وبطرق سلمية، ديمقراطية، وإثباتاً على ذلك لم يمر على تاريخ الحركة الكردية، أن فجَّر كردي نفسه، للمطالبة بحقوقه، يضاف الى الاربعين سنة من النضال، نضالٍ آخر غير إعتيادي، وهو الإنتفاضة آذار 2004،
إذاً، موقفنا الشجاع أمس كان هزيمة في ارض المعركة السلمية، والسليمة تعني للكرد إننا كنا على ملعبنا وبين جمهورنا، فنحن الذين نزعم خبراتنا في ساحات السلمية عقوداً، ويبدو اننا كنا نزعم اللعب دون ان نتعلم قوانين الفوز فيها، لا نقول الفوز على الاخوة العرب، بل الحصول على ما أغُتصِب من حقوقنا.وهذا يعود لأسباب، منها إننا لا نعرف التعامل مع الواقع، فإما الهروب الى الأمام، أو التقوقع على الذات واستجداء الرحمة والحقوق من الغير.
منذ بداية الثورة كان على قيادات حركتنا التوحد ضمنياً على الأقل ،ووضع مصلحة الشعب في مقدمة أولوياتها، فقد ذكرنا وذكر غيرنا وهو معروف للجميع ،بإنّ ما نمر فيه، هي مرحلة تاريخية، مفصلية على الكرد خوضها وعلى الجميع بذل ما يمكن بذله من تضحيات كي ننجوا بسفيتنا في هذه العاصفة، والتضحية هنا لم تكن سنوات من السجن وتحمل التعذيب بالكهرباء أو التعليق من الاعضاء التناسلية ، التضحية كانت بصفاء النية ووضع مصلحة الشعب والقضية فوق الأنا والحزب .
لكن الجميع ترك الشباب، حتى وضعهم الشباب تحت أمر الواقع، في قلب التظاهر، فجاءت مساندتهم للشباب كذر الرماد في العيون وركضوا في الاتجاه الآخر، الشهرة في زمن الثورة، بدلاً من الارتقاء بالدبلوماسية الكردية، لموازاة تضحيات هؤلاء الشباب والإستفادة من عنفوانهم، لكنهم حتى عندما يتوجهون الى دولة ما، تكون الأولوية للمحاصصة الحزبية وتبادل أدوار الزيارات ، فلا عجب أن ترى وقاحة بعضهم وهو يعرض إنجازات ما أكله مع المسئول الفلاني.
قيادات الاحزاب، لم يستمعوا لنصائح وتوجيهات الرئيس البرزاني بالوحدة ولم يـُعيروا انتباهاً لدعمه المشروط، الشرط اللذيذ، الوحدة مقابل الدعم.
ولعلـّى قيادة البارتي تتحمل جزءاً كبيراً لهذه الأوضاع ، فمنذ بدء الثورة، كل العيون توجهت الى البارتي لِما له من جماهير غير معلنة، مرتبطة به لإعتباره الحليف الاقرب للديمقراطي الكردستاني- العراق، ولكن للأسف لم تكن القيادة بحجم المسؤولية ولم تستطع أن توحد على الأقل اطرافها الثلاثة، بالرغم ممّا وعد به طرفان منهما بالتوحد مباشرة أثناء تواجدهما في كردستان، وتبقى قيادة البارتي جناح الدكتور- عبد الحكيم بشار – تتحمل الجزء الاكبر من عدم تحقيق تلك الوحدة ،لسببين ،بإعتبارها الأقوى ،ولإعتبارها الطرف الذي يضع العراقيل، أمام الأطراف الاخرى، ظناً منه، أن قوته كافية لنيل كل الحقوق المأمولة.
والوحدة تلك، إن تمت حينها، لكانت خطوة تشجيعية لتنضم أحزاب أخرى للبارتي، لكن شيئاً لم يحدث، لوجود خلل في القيادة، يتمثل بالتكابر من مواجهة تلك الحقيقة، دون أن يفكروا بمداواة الجرح، وزد على ذلك رحيل الشهيد البطل نصرالدين برهك الذي شكّل رحيله ضربة قوية في قامة هيبة البارتي.
الأحزاب الأخرى كآزادي واليساري الكرديين، اللذان استقبلا الثورة بانشقاقين، كوصمتا عارٍ على جبينهما .
الأحزاب الاخرى، تراكضت الى فتح المراكز الثقافية، الحزبية.
لعلنا نشجع اي عمل ثقافي ولكن عندما يهرب حزبً ما من المعركة ويترك مسؤولياتها أمام جماهيرها وشعبها، بحجة الثقافة والعلم فهو كالنعامة التي تترك كامل جسمها للعاصفة والخطر،ظناً منها أنها بأمان، أو تلتهي بالبحث عن الدود لتقوي بها جسدها المكشوف .
كان من المفترض أن يكون للمثقف والكاتب دور كبير في تحليل الوضع، وإبداء النصح ورسم الطريق امام المجتمع الكردي ولعب دور تقاربي بين الأحزاب والضغط عليهم وتشجيعهم صباحً مساءً ،إلا انهم يسيرون بصمت و بغموض او يعلنون ارائهم بعد مرور الموقف، و البعض منهم لازال ينتظر من شعبٍ مهزومٍ ،ضائعٍ، التتويج وبناء تماثيل له ولكتبه المتعددة الألوان، وما لجوئهم الى النقد، النقد الذي لا تسمية له سوى الانتقام، لأنه يأتي من منطلق تكابري، هدام، يبدء بتحقير المجتمع وشتمه وسرد هزائمه التاريخية لإحباطه، والذي يأتي بردة فعل سلبية، وهذا الدور مارسه بامتياز السادة الكتاب خليل كالو وإبراهيم محمود، علماً إنهما ركزا في ما يسمى نقدهما، على الأطرف الايجابية في الشارع لتحقير من شأنهم أكثر وتعظيم أخطائهم، وهذا ما يدل عليه كتاباتهم التي تقطع الأمل وتدعوا الى النحيب وشد الشعر.
بالطبع هكذا تصرفات مجتمعةً ، ستقودنا الى الهزيمة وآخر الهزائم كانت أمس في القاهرة.
فالقوة تجلب الانتصار، ولكن القوة تحتاج الى الوحدة ،والى جانب القوة نحتاج الى بعض العقل والكثير من الضمير، فليس كل شجاعٍ يفوز، كان رجالنا شجعاناً أمس ولكنهم انهزموا، وأسوء من تلك الهزيمة هو الثناء عليها ومباركتها من قبل البعض.