عاجل: الجناح الكردي للثورة السورية والسباق مع قطار الزمن

خالص مسور

إن ما تم الإتفاق عليه في هولير مؤخراً في 7/7/2012 بين المجلس الوطني الكردي في سورية ومجلس الشعب لغربي كردستان بمسعى من السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، لهو مما يثلج الصدر ويبعث على الإرتياح والتفاؤل لكن الحذر هنا واجب، ورغم هذا نعتبر ما جرى خطوة سياسية باذخة في الطريق إلى توحيد الرؤية المشتركة للمكون السياسي الكردي في كردستان سورية.

ومن هنا تفرض الأخلاقيات السياسية على المجلس الوطني الكردي و(ب.ي.د) وجميع التنظيمات الكردية في كردستان سورية العمل على تفعيل ما تم التوصل إليه في هولير على أرض الواقع، ونشر ثقافة التسامح ونبذ لغة الخنجر في التعامل البيني، وأن نثبت لشعبنا وللعالم بأننا تعلمنا أن نحترم المعاهدات والمواثيق وأننا نركن إلى المثابرة والإستمرارية فيما عقدنا العزم عليه.

ولكن المشكلة تكمن هنا في ما نقوله دوماً، وهو الإفتقار إلى ظاهرة الإستمرارية لدى الشخصية الكردية وخاصة الحزبية التقليدية منها، وعدم القدرة على تفعيل القرارات المتخذة على أرض الواقع إلا بشكلها الجزئي ولفترة قصيرة ليعود بعدها كل شيء كما كان كردياً، ولتعود حليمة إلى عادتها القديمة كما يقول المثل العربي.

وعلينا أن نعلم بأن شعباً مشتتاً لايمكنه أن ينتصر، وأن يحقق ما يتم تحقيقه بلم الشمل والوحدة أو التنسيق، وفي رأينا ونظراً لخطورة المرحلة وللظرف الحساس الذي يمر به الشعب السوري على العموم، فإن الضرورة تقتضي من الساسة الكرد أن يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم والعمل بجدية على تنفيذ وترسيخ الرؤية التالية:
1 – تقليص عدد الأحزاب المتفرخة على الساحة السياسية الكردية، وذلك تسهيلاً لاتخاذ القرارات عاجلة ومصيرية توازي المستجدات والاحداث المتسارعة التي تجري بكل ثقلها على ساحة الثورة السورية اليوم، ولسد الأبواب أمام الخلافات الحزبية والتي إن استمرت بوتيرتها الحالية فسنكون حينها مقبلون إن لم يكن على حرب أهلية فإلى ضياع مكاسبنا وأتعابنا ونضالاتنا ومساهماتنا كلها في الثورة السورية، ولا أقول سنخرج من المولد بلا حمص بل سيدعون عدم حضورنا المولد أصلاً.

وهذا الأمر يتطلب الإستعجال لتنفيذ أربع مراحل مفصلية هامة يمر بها الشعب الكردي والشعب السوري عموماً.
أ – كبادرة استباقية والسير نحو الحداثة والتحديث السياسي ولكسب المزيد من المصداقية وإضفاء نوع من الصبغة الديموقراطية على أقوالنا وشعاراتنا يتوجب – وبشكل عاجل – استقالة ورحيل السكرتير الذي له أكثر من 10 سنوات أو أكثر في منصب السكرتارية ليحق لنا بعدها أن نطالب برحيل النظام بكافة رموزه ومرتكزاته، وحيث أثبت مؤتمر المعارضة في القاهرة أنهم (أي الحضور من القادة الكرد) لم يكونوا مؤهلين لقيادة الشعب الكردي في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الشعب السوري ككل، وأضاعوا في النهار ما جناه الشعب الكردي في ظلمات الليالي، لذا يتوجب ضرورة التحلي بالروح الديموقراطية والتضحية من أجل الشعب في ذاته ولذاته، والتخلي عن الفيتشية الكردية القديمة وتجاوز ظاهرة عبادة الفرد، والدخول في مرحلة العقلانية والتعقل، لنقدس بعد الله الشعب وليس الفرد فالأفراد زائلون والشعوب باقية.


ب– ولتتم بعدها عودة وانضمام الأجنحة المنشقة كل إلى أحزابها السابقة وبدون عوائق، فليس هناك ماهو مستحيل أمام الإرادة الحرة وتصميمها على عمل المعجزات، هذا إذا كنا جديرين بتحمل مسؤوليات المرحلة الحالية والمقبلة معاً، ويقيناً بدون تقليص عدد الأحزاب الكردية المتصارعة على الأرض بشكل علني أو مبطن أحياناً، وبدون إفراز ثقل سياسي مؤثر وإيجاد نوع من الوحدة أو التضامن الكردي أو حالة من التنسيق بين التنظيمات الكردية المختلفة الآن وليس غداً، فسنكون حينها أضيع من الأيتام على موائد اللئام، وسوف لن يسامح التاريخ كل من فضل في هذا الظرف الحساس والمصيري مصالحه على مصالح شعبه وتلاعب بمصيره وقدره.
ج – عقد مؤتمر حزبي عام لكل حزب على حدة وذلك بعد استقالة السكرتير وعودة الأحزاب المنشقة إلى فروعها، ليصار إلى إجراء انتخابات حزبية ديموقراطية حرة ونزيهة تحت إشراف قانونيين كرد ومراقبين حياديين.
د – ومن ثم إيجاد نوع من التنسيق والتضامن وتوحيد الرؤية المشتركة للمكونات الجديدة الناشئة وبدون استثناء أحد، ليعمل الجميع وفق رؤية موحدة جادة وثاقبة تعزز تطلعات الشعب الكردي وتضمن حقوقه القومية المشروعة.
ومن يرى في هذه الطروحات نوعاً من الطوباوية عليه أن يتخذ العبرة من حالة الوحدة أو التنسيق السياسي بين الحزبين الكرديين الكبيرين في كردستان العراق، فكان الحزبان ألد أعداء فيما مضى وهذا معروف للجميع، ولكن حال استشعارهما الخطر الخارجي والمصير المأساوي الذي كان يتظرهما ومعهما الشعب الكردي بأجمعه، اتحدا أو على الأقل نسقا فيما بينهما وقد أحسنا بذلك صنعاًن وأفلحا في الحفاظ على كرامة الشعب الكردي وتخليصه من الإبادات الجماعية التي كانت تنتظره بين لحظة وأخرى، بينما نحن هنا كأحزاب في كردستان سورية لم تصل بنا المقام إلى ما وصلت إليه ما بين الحزبين المذكورين، ولم نؤذ بعضنا كما آذيا بعضهما، إذاً فتوحيد رؤيتنا المشتركة ككرد سوريين أو إيجاد نوع من التنسيق فيما بيننا لهو أخف وطأة وأسهل تنفيذاً.

وهذا نحذر بعد اليوم من من استخدام سلاح الضعفاء وأتاكيت الإنسحابات الكردية المتكررة، وعلينا التقرب من المعارضة السورية واستخدام دبلوماسية ماهرة لدفعها نحو الحل المنشود للقضية الكردية، والبقاء متصلاً مع المعارضة ومصافحتها أجدى من لكمها والإبتعاد عنها.


……………………

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….