صباح عليان.. عريساً في الأربعينية

    عمر كوجري

أربعون يوماً مرت، وجسد الشهيد صباح عبدالكريم عليان غائب عنا نحن عائلته وأهله، وباقي القائمة المُتَّسعة من محبيه والحزانى على فقده بيننا وهو في قمة العطاء وسمو الوفاء.

أربعون يوماً، ونضب بحر الدموع من العيون لشدة ما بكت شباب هذا الشاب الذي يعلن غيابه الآن جسداً، لكنه بوفائه يعلن أنه بروحه المتحلقه في سماوات الله أنه الآن بيننا، يسمعنا، يتأثر ويتألم لألمنا لأننا ما توقعنا أن يغادرنا بهذه العجالة، لهذا فتحنا منسوب البكاء في صدورنا إلى آخر ما نستطيع، وإلى اللحظة لم تمل حبيباته الكوجريات على النشيج المر، والإنشاد على قبره: وي صباحو زافاوو، سري زافانو وي صباحو سري زافانو.
ولم تمل أمه العظيمة ولا أبوه العالي والشامخ في وجه جبل الفجيعة والمصيبة الكبرى، والتهيؤ للصدح والغناء الآن عل قبره في أربعينية ابنهم..

ابننا: وي صباحو وي بافو وي براوو!!
حزن صباح الشهيد الوحيد أنه بالغ في حزننا حينما قرر أن يكون بعيداً عنا رغم محبته لنا، وألمه على فراق كل هؤلاء المحبين من عائلته، وقريته السويدية، وأهله من كوجر الميران، ومحبيه من كل عرفه عن قرب أو سمع عنه، باختصار عشاقه الكرد، والمهيّمين به من سوريا..كل سوريا من عين ديوار إلى درعا.
 آخ يا درعا!! كم أنت محظوظة لأنك مازلت إلى اللحظة تحتفظين بصدى صوت، ونزف الجرح الذي حمله صباح، وابتسم للشهادة في دفتر الكرامة، ودفتر الكبرياء..


مازلت تصرخين في كل الوجوه يا درعا أن عريسك ما مات، عريسك محبوب الله،
الألم الذي يعاني منه الشهيد صباح وهو في ضيافة جنان الله، وترفرف روحه في سماء هذه الأربعينية، هو أنه لم يشبع من تقبيل رأس أمه حينما كان بين عائلته في آخر زيارة قبل أن يستضيفه الله في ملكوته وبرزخه، ولم يضم إلى صدره كثيراً والده عبدالكريم،  ولم يرتو من تقبيل أختيه اسمهان وروشن واللعب مع أطفالهما، ولو عرف صباح أنه لن يعود إلى عائلته حياً لحضن أخويه محمد وأحمد، وما تركهما لوقت طويل..
لو علم صباح أنه غائب لزار تلاميذه وأصدقاءه، وزملاءه في المدرسة، وأهل قريته “سويديا محمه عليا” ولزار العريس صباح بيوت حبيباته الكوجريات الكثيرات، ولودّعهن، ومسح بيديه جباههن، وخفّفَ من حزنهن، لكنه امتثل لإرادة الله، ومضى للسكنى بالقرب منه، والمكوث في جنانه الكريمات.
  الرحمة على قبرك أيها الشهيد
الرحمة لك وأنت غائب جسداً ..

وحاضر روحاً..
omarkojari@gmail.com

الشهيد الملازم المجند صباح عبدالكريم عليان في سطور:
مواليد قرية سويدية فوقاني 1982
درس الابتدائية في مدرسة القرية
درس الإعدادية والثانوية في الرميلان
حاز على شهادة معهد إعداد المعلمين بالحسكة
درّس في قريته معلّماً، وكمّل دراسته في كلية التربية
صار مديراً لمدرسة الإعدادية في القرية، وحصل على جائزة أفضل مدير في محافظة الحسكة، رغم أنه كان آنذاك أصغر مدير مدرسة في محافظة الحسكة
احتفظ به في الخدمة العسكرية أكثر من ثمانية أشهر، واستشهد بتاريخ 5/6 / 2012 في مدينة درعا
رُقّي إلى مرتبة ملازم بعد استشهاده

–      يتوجه مجدداً والده عبدالكريم محمد عليان وكل اهله بجزيل الشكر إلى كل من عزّاهم في استشهاد ولدهم في منطقته وبلده وكل من اتصل بهم في المهاجر، وكل الأحبة الذين زاروا خيمة العزاء، من وطنيين كرداً وعرباً وباقي مكونات الشعب السوري، والأحزاب والفعاليات الثقافية والاجتماعية، أو من اتصلوا بهم أو، أو أرسلوا برقيات عبر البريد الالكتروني والمواقع الالكترونية الكردية التي نشرت خبر استشهاده.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….