هذه النماذج السياسية والثقافية والاجتماعية قد انقرضت في ذاكرة وحاضر الشعوب إدارة وفكرا وثقافة منذ زمن بعيد وما تبقى منها تندلع الثورات من أجل إنهاء حكمها وتغير أنظمتها ومرتكزاتها الفكرية والثقافية كي لا يكون لها من تأثير أو حضور في صنع مستقبلها والانطلاقة نحو الأفضل.
على عكس ما هو موجود لدينا من وضع مستعصي ومرتبك حيث النموذج السائد لدينا هي شخصية مهلهلة ونمطية تزعم وتصر بأنها مسئولة عن كل شيء وفي نفس الوقت غير مسئولة عن أي شيء تبعا للموقف والمصلحة “صنع موروث ثقافي بالي بامتياز”.
أسئلة بالجملة تطرح نفسها على كل ذو شأن ومهتم بالشؤون الكردية من كل النخب.
فما الذي يمكن أن يحققه الكرد ويريدونه في هذه الأيام على ضوء هكذا خطاب ووضع راهن ومن خلال هكذا شخصية قديمة المعطلة لحركة التطور والتغيير.
أهو القبول بالواقع المعاش والسكون من جديد أم هناك احتمال من تغيير وكيف وهل بالقديم يمكن صنع الجديد ؟ وهل لهم إرادة حقيقية فيما يقولون كلاما وجادون فيما يريدون عملا وهل هم واعون فيما يختارون من يقودهم أم أنهم منقادون كالقطيع وفي أغلب الأوقات مكرهون ومساومون على حقوقهم الشخصية والجماعية والقومية والديمقراطية ؟ وأي شخصية نخبوية قائدة وبديلة عن سابقاتها يستوجب وجودها قسرا أو رغبة ؟ وما هي طريقة تفكيرها وثقافتها وطبيعة أهدافها ؟ شخصية نمطية تقليدية كما هي سائدة الآن ذات أفكار مستعارة و فلسفة جاهزة متخلفة مطعمة بأفكار مجردة وثقافة رثة كما كان السلف أم شخصية جديدة روحا وجوهرا تمتلك فكرا مبدعا متمايزا وذات هوية ثقافية تنبع وتنطلق من خصوصيات الأمة ومن الجذور التاريخية وقيم الديمقراطية ومنطق العصر حتى تقوم بتحرير عقل الإنسان الكردي من كثافته ومن دورانه حول ذاته المعقدة وأميته السياسية وتقاعسه تجاه قضايا الكرد المصيرية ؟ أيعتمد في تفكيرها على الموروث الثقافي والفكري والتنظيمي الرث أم على الذاكرة التاريخية وقيم العصر كمتحد له خصائصه المتمايزة عن غيره من المتحدات وعلى نتائج العلم التجريبي ومنطق الأشياء والتحليل العلمي في تفسير الظواهر الاجتماعية المعيقة للتطور وحل الأزمات ونقد الماضي السلبي بجرأة وحكمة ونبذ كافة الأفكار التي تعيق تحرره وتقدم المجتمع أم انتهاج التفكير البليد وثقافة الارتجال والتحرك بذهنية المستبد المستمد من موروث القرون الوسطى الذي يخالف تطور العصر وتفرض الأشخاص ذاتها كطواطم مقدسة بسلوك إقطاعي عشائري تصر بأن تفكر بالنيابة عن الجميع في تحديد مصير الكرد كما يقوم به الآن عدد كبير من النخب الكردية السياسية والثقافية والاجتماعية التي نحن ضحاياها وتطغى على عملية تفكيرها الزعامة التقليدية والاستهتار بذهنية الكرد وعقولهم ومشاعرهم دون أن تكلف نفسها بالخروج من محيط دائرة الأنا العائلية والنرجسية وتضع نصب أعينها على مصالحها بالدرجة الأولى وعلى رأسها الزعامة على طريقة السلف المهزوم تاريخياً .
إن واقع الحال يفسر نفسه بنفسه ولا حاجة لمعرفته من خلال خليل كالو أو دفاع الطبالين والمنشدين الذين يشوهون الواقع بالكذب والتضليل.
فنظرة سريعة وسطحية على التاريخ الشخصي للبعض والواقع الراهن سوف يجد المرء بلا عناء قيادة هكذا شخصية للكرد ولا نية لديها من فعل شيء لا لأنها لا تدرك حقيقة المرحلة وحقيقة ذاتها بل لأنها لا تؤمن بأي تغيير.
لذا يجب على الكرد معرفة شيء واحد قبل أي معرفة أخرى وهي القضية التالية: إذا ما وجدت جماعة صغيرة كانت أم كبيرة تعيش حالة من الضعف والتمزق وحياة هامشية لا معنى لها و تواجدها زائف غير حقيقي مع الآخرين، فاعلم عندئذ ومباشرة بأنها مبتلة بقيادة ضعيفة مزيفة سياسيا وثقافيا واجتماعياً ولا تملك أي فكر وتتصف بالاغتراب عن واقعها وتاريخها ورضيت بالاستسلام لقدرها ومستهلكة لا تنتج متطلباتها الحياتية وعوامل بقاء وجودها وتكون ضعيفة تعيش متطفلة على جهود الآخرين.
هذا النمط الرجعي تخلق أسباب الفشل في كل شيء وتهرب من كل استحقاق إلا في خلق الفوضى وزرع الملل في النفوس.
سيبقى الحال كما كان وكائن إلى إشعار آخر إلى أن تظهر قيادة واعية وجديدة ومبدعة وإلى ذلك الوقت….
الله في عونك يا كردو …
22.5.2012