بقلم : م.رشــيد – 7/5/2013
مع بدء الأزمة السورية وتصاعد أحداثها وتزايد تداعياتها وتفاقم آثارها ووضوح معالمها، أصبحت القضية الكوردية في سوريا موضوعاً هاماً للبحث على طاولة صناع القرار في العالم (تتطلب الحل والمعالجة)، وعاملاً معتبراً وفاعلاً في المعادلات المحلية والتوازنات الاقليمية، وعنصراً مؤثراً في المبادرات والحلول المقترحة دولياً ومحلياً.
فانتفاضة 2004 كانت السابقة الحميدة التي أخرجت الكورد من عزلتهم وصمتهم المطبّق عليهم كرهاً، وفرضت قضيتهم على أنها قضية وطنية بامتياز باعتراف من قوى المعارضة، وأنهم جزء أساسي من النسيج التاريخي والوطني في سوريا باقرار من رئيس الجمهورية آنذاك، بعد أن كانوا رهناً للاضطهاد والقمع والتنكيل..، وضحية للسياسات الشوفينية والمشاريع العنصرية والقوانين الاستثنائية التي طبقت بحقهم وفي مناطقهم من قبل كافة الحكومات المتعاقبة (كالحزام العربي السيء الصيت، والاحصاء الاستثنائي المقيت،..)، وبخاصة في ظل نظام البعث، حيث كانت تهدف جميعها إلى إنكار وجود الكورد وطمس هويتهم القومية وتذويبها في بوتقة العروبة السائدة، واستخدمت لتنفيذ تلك المخططات جميع الوسائل الأمنية والادارية والقانونية المتاحة بدون تردد أو رادع.
إن أخطر السياسات المتبعة وأبلغها تأثيراً هي العزلة الممنهجة والمفروضة على الحركة الكوردية وعلى أكثر من منحى وصعيد:
1- فعلى الصعيد الداخلي فقد اتخذت العزلة شكلين من التطبيق، الأول: تجسد في اصطناع حواجز قومية واخرى دينية وتعزيزها بتناقضات ايديولوجية بين الكورد وباقي مكونات الشعب السوري وخاصة المعارضة منها، وبنائها على أساس العداء وعدم الثقة والتمييز..، وتعريف الكورد وتوصيفهم على أنهم دخلاء على الوطن وانفصاليون يهددون وحدة الوطن وسيادته وأمنه وعروبته للخطر، والثاني: تمثل في حث الكورد على الانخراط في أحزاب شمولية غير كوردية كالشيوعية والاسلامية لابعادهم عن المنحى القومي، وكذلك حضهم على الارتماء في احضان أحزاب الجبهة الحاكمة ومؤسساتها ( ترهيباً أوترغيباً ) لتجريدهم من الحس القومي الكوردي، واضعاف شعور الرفض والمعارضة فيهم، وقتل روح المقاومة لديهم.
2- اما على الصعيد الخارجي فقد منعت التواصل مع الدول المحيطة بذرائع وحجج واهية، فالمقتسمة لكوردستان بقوة الاتفاقات المبرمة معها على أرضية محاربة الكورد وحركاتهم وتطلعاتهم، وباقي الدول من منطق عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والحفاظ على العلاقات والمصالح الثنائية المشتركة، أو من منطلق قومي عروبي أو طائفي..
3- أما على الصعيد العالمي فقد رفضت باتاً وقمعت تماماً التعامل مع القوى الديموقراطية بذريعة مكافحة التعامل مع الأجنبي، إلى جانب استغلال المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة مع دولها، واستثمارالامتدادات العرقية والطائفية، والتحالفات والاتفاقيات الثنائية معها في تحقيق ذلك.
4- أما العزلة الصارخة والبليغة هي التي كانت تطبقها الأنظمة الحاكمة بحكمة وذكاء، وهي سلخ الكورد من (انتمائهم) جسدهم الوطني بتوجيه بوصلة حراكهم ونضالهم (السياسي والجماهيري) القومي نحو الأجزاء الاخرى من كوردستان، وربط مصيرهم بها، وجعلهم رهينة أحزابها وأجنداتها وبرامجها واتفاقاتها وصراعاتها..، فقد استنزف الكورد السوريون (ومازالوا) الكثير من الطاقات والامكانات من أجل أحزاب كوردستانية ( بصورة خاصة في العراق وتركيا)، حيث أخلوا خنادقهم الداخلية المفترضة واللازمة بسببها، وهبوا وانخرطوا في صفوفها وعملوا لصالح أحزابها وأهدافها، وضحوا بقضاياهم الذاتية من أجلها.
اليوم وقد مرت أكثر من سنتين من عمر الأزمة السورية، وبوادر الحل السلمي تبدو في الأفق عبر تحضيرات لعقد مؤتمر جنيف 2 ، التي تقوم بها كل من روسيا وأمريكا وأوربا وترعاها الأمم المتحدة، لوقف القتل والتدمير والتهجير، ووضع خارطة طريق لحل الأزمة، وتحديد شكل الدولة خلال المرحلة الانتقالية وبعدها، والكورد معنيون أكثر من أي وقت مضى لاستغلال التغيرات الحاصلة التي أوجدتها الأوضاع والظروف التي لازمت رياح التغيير في المرحلة المفصلية من تاريخ المنطقة.
والجدير بالذكر أن معظم قوى المعارضة السورية بمختلف أشكالها واطيافها لم ترتق مواقفها من القضية الكوردية إلى الحد المطلوب والمفروض، فمازالت أسيرة الأفكار والمفاهيم الشمولية العنصرية، تقدم وعوداً غير مضمونة، ورؤى غير واضحة، وحلولاً ناقصة ومؤجلة سقفها المواطنة مع اعتراف خجول بتميز اللغة والثقافة الكورديتين، وتسعى إلى تشتيت الصف الكوردي وتقزيم دوره من خلال استقطابها لقوى وفعاليات كوردية محددة دون أخرى في أطرها لتجميل صورتها وكسب الشرعية لها (ليس إلا)، وبالتالي اضعاف المكون الكوردي حضوراً وموقفاً لعدم تمكنه من فرض شروطه، وتأمين حقوقه المشروعة والعادلة.
وعليه فإن وحدة الصف والخطاب الكورديين خيار استرتيجي وتكتيكي لا مناص منه، وضمان لتثبيت حضورالكورد وتحقيق مطاليبهم، ويبدأ بانسحاب القوى والفعاليات الكوردية من كافة الأطر الموجودة على الساحة السياسية من معارضة وغيرها، والاقرار بالمشاركة بمؤتمر جنيف 2 بوفد كوردي موحد، وبرؤية موحدة، بالتحاور والتنسيق مع المجلس الوطني الكوردي في سوريا والذي يعتبر خير إطار تمثيلي للكورد يمكن البناء عليه وتطويره وتفعيله، لأن مواقفه ومقرراته أكثر موضوعية ووواقعية واستقلالية تجاه القضايا الوطنية والقومية(وبخاصة قراره بالمشاركة في المؤتمر جنيف في حال انعقاده كطرف مستقل ممثلاً لإرادة الكورد في سوريا)، مع أخذ بنود اتفاقية هولير المبرمة مع مجلس غربي كوردستان برعاية وإشراف رئاسة إقليم كوردستان العراق بعين الاعتبار.
لقد إختارت الحركة الوطنية الكوردية منذ إنطلاقتها النضال السلمي وأساليبه الديموقراطية ووسائله المشروعة، ومازالت ملتزمة بها ومصرة عليها (بدليل إعتبار نفسها جزءاً من الثورة السورية السلمية )، وبخاصة في ظل المساعي الرامية لجلوس كافة الأطراف المعنية في سوريا حول طاولة المفاوضات لإيجاد حل نهائي لأزمتها المتفاقمة، والحركة الكوردية مدعوة لإعلان النفيرالعام لكافة قاداته وكوادره وخبراته(في الوطن والشتات) لتثبيت الحضور الكوردي حول تلك الطاولة كطرف مستقل، يمثل إرادة وطموحات مكون قومي رئيسي (الذي يعيش على أرضه) من الوطن السوري، له خصوصياته القومية ومقوماته ومؤهلاته ليدير مناطقه بنفسه، ويكون شريكاً حقيقياً في إدارة الدولة أيضاً، وعضواً فاعلاً في بنائها وتطويرها، وتقرير مصيرها، والدفاع عن وحدتها وسيادتها وأمنها، وحماية مؤسساتها وإداراتها وثرواتها.
يناضل الكورد من أجل بناء نظام ديموقراطي تعددي برلماني في سوريا (تقرره صناديق الاقتراع)، تنتفي فيه الفساد والاستبداد، ويتحقق في ظله المساواة التامة بين كل المكونات الاثنية والدينية في الحقوق والواجبات أمام القانون، ويقر بحقوق الشعب الكوردي دستورياً وفق العهود والمواثيق الدولية.
وبناء على ما سبق أوجه ندائي وأهيب بكل كفوء حريص وغيور على قضايانا القومية والوطنية والانسانية، أن يلبي دعوة النفير العام ويبذل ما في وسعه من جهود وطاقات وعلى كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية، وفي كل الساحات المحلية والاقليمية والدولية للتأكيد على الحضور الكوردي بشكل مؤثر وفاعل في المؤتمر المزمع عقده باسم جنيف 2،لأن الكورد جزء هام وأساسي وضروري من الحل، كما أوجه ندائي إلى كافة القوى الكوردستانية المتنفذة، وأخص بالذكر إقليم كوردستان العراق ليفتح أبوابه أمام ممثلي وموفدي الحركة الكوردية في سوريا، ويسهل تحركهم ويسير أمورهم ويساندهم ويدعمهم ( كما عودونا عليه، ووعدونا به على اعتبارهم الأشقاء الكبار الذين يربطنا بهم وحدة الدم والقضية والمصير) ليتمكنوا من ايصال صوتهم إلى المجتمع الدولي، ويأمنوا حقوقهم في الفرصة الذهبية السانحة، وحينذاك سيكون النصر لها قبل أن يكون لنا ولكافة دعاة الحرية وأنصارالديموقراطية والسلم وحقوق الانسان في العالم.
————————- انتهت ————————–