التـراجيديـا الكـورداغـية

  Inayet Dîko

منذ أكثر من سنتين من عمر الثورة السورية ” ثورة القاشوش وحمزة الخطيب ومشعل التمو” والتي يحلو للبعض أن يسميها بالأزمة في سوريا, لا زلنا نحن في عنق الزجاجة حيث الارهاصات والمخاضات تتكاثر وتتفاعل بشكلها الانشطاري والكلّي والمتشعب ولا تهدأ ، والفضل يركنُ هنا الى دينامية العمل الثوري المستمرة ، هذه الدينامية التي تعتمد بدورها على قوافل الشهداء الهادرة والسائرة في طول شوارع البلاد وعرضها.

بهذه المقدمة الصغيرة أريد أن أكتب اليوم عن صورة من صور المآسي والتراجيديا الانسانية في كورداغ  (منطقة عفرين) بعد الحصار المزدوج عليها من قبل ” حكمدارية الأمر الواقع من طرف والكتائب العسكرية المسلحة  من طرف آخر ” , تلك الكتائب التي هي  بدورها إنحرفت كثيراً عن مسارها ونضالها الوطني والسلمي بفعل التدخلات والأجندات الاقليمية والدولية  وفرض الإملاءات عليها .
ففي كورداغ تحديداً حيث الفقر والجوع والمرض والعطش والهجرة العشوائية والمفتعلة وإتباع سياسة كم الأفواه ومصادرة الحريات العامة والخاصة والاعتقال التعسفي والسجن الثوري والاغتيال السياسي ونشر الرعب والخوف والجبن والفوضى والقضاء على كل الحراكات الشبابية والثورية في المنطقة واقتلاعها من بذرتها بأساليبٍ استخباراتية منظمة وممنهجة ورفيعة المستوى والتي  ترتقي في بعض تفاصيلها الى مستويات الجستابو والكي جي بي .

هذه الصورة الأليمة من الواقع المعاشي اليومي لجبل الكورد باتت سلوكاً ومنهجاً تمارسه الحكمدارية الديمقراطية الشعبية بحق أبناء هذه المنطقة .

لقد تحولت هذه السياسة بفعل الطبائع والممارسات الاستبدادية الى سلوك وثقافةٍ يومية وما على العفريني إلاّ أن يتقبلها ويمارسها رغماً عن أنفه واضعاً روحهُ على كفّهِ وهو يقاوم الظلم والاستبداد ببسالة وشجاعة .

فسياسة التجويع والتهجير القسري وكم الأفواه هي سيدة الموقف هناك لإركاع هذا الانسان الصنديدي الجبلي العنيد والسيطرة على إرادته ومحاربة فكره المختلف وتحويله من انسان حرّ الى آلةٍ لا تعمل الا بأمرٍ من الأعلى , ذاك الأعلى المرتبط بالأعلى الكبير .
متناسين أن لكل واحدٍ منا تفكيره الحرّ والمستقل واستنتاجاته الفكرية والسياسية والثورية والعقائدية والايمانية المختلفة والمتباعدة .

نعم هذه اللوحة هي جزءٌ من الحقيقة التي يريد البعض مننا القفز فوقها ورسم صورةٍ وردية ومغايرة عن كورداغ ، لكن بفضل الاتصالات والانترنت في هذه الأيام لا تستطيع هذه الحكمدارية الديمقراطية من حجب الحقيقة هناك والتقليل مما يحدث من مآسٍ وفظاعات وانتهاكات.

فأصبحنا نتلمس يوماً بعد يوم وعن قرب الصورة الكاملة  للممارسات اليومية لهذه السياسات في كورداغ , فحتى الانسان البسيط  مننا أصبح يراقب الوضع الدولي والاقليمي السوري والكوردي والمناطقي والعشائري وحتى الحزبي والجماعاتي بإهتمامٍ كبير وبالغ وصار يعرف أين تتجه سوريا الثورة وسوريا الوطن وسوريا اللا وطن ؟ وبات يدرس كافة التفاصيل والاحداثيات ويضع الخطط الخمسية والعشرية ضارباً الأخماس بالأسداس للحصول على جوهر ومفاعيل الحقيقة والتي نركض خلفها جميعاً دون الحاجة الى المدارس الثورية والدروس في الوطنية واللجوء الى المحللين ومراكز الأبحاث الاستراتيجية .

فكل شيء بات واضحاً وضوح الشمس فلا يستطيع أحدٌ منا أن يفرض شروطه على الآخر بقوة السلاح , فالمسألة ليست مسألة حيتانٍ وأسماكٍ صغيرة , بل المسألة أن تكون مع الثورة أو أن تكون مع النظام … فلا خيار ثالث أمامنا !
فتفاصيل الصورة الأتية من كورداغ تقول بأن الحكمدارية الديمقراطية الشعبية قد مارست طيلة السنتين الماضيتين إرهاباً منظماً وخوفاً ورعباً بحق النشطاء والمستقلين والتنسيقيات والحراكات الشبابية الثورية لفرض أجنداتها بقوة السلاح , لكنها لم تنجح بالرغم من امتلاكها للمخزون الهائل من الأسلحة والعتاد والذخيرة , فعمدت مؤخراً الى إتباعِ اسلوبٍ جديد ألا وهو تجويع ومحاصرة المد الثوري في كورداغ من خلال فرض الجبايات ” الثورية ” واطلاق العنان لماكينة الضرائب الثورية والتي تعمل على مدار الساعة فتُلحِقُ الليل بالنهار والنهار بالليل جاهدة إملاء الخزينة الحزبية قدر الإمكان بالمال ومزيدٍ من المال والمال لإفقار هذا الشعب ليكون خاضعاً للقرارات والإملاءات الحزبية.

والدليل على ذلك مثلاً المواد التي كانت تأتي من كوردستان العراق الى كورداغ والتي لم تكن للبيع مثل الطحين والمواد الاساسية والسلع الأخرى أصبحت تباع في السوق السوداء في عفرين وبأسعارٍ خيالية وجنونية.

فالهدف من اتباع هذه السياسة في عفرين هو افقار الشعب ومحاصرته والتحكم به وبإرادته ومصادرة قراره الثوري المستقل.

أي بمعنى آخر فالصورة الكورداغية  تقول : ” لا تتحرك دابة ولا سيارة ولا ماكينة خياطة أو صالون حلاقة أو حفلة عرسٍ أو ورشة خياطة الّا وعليها ” الضريبة الثورية ” عبر فرماناتٍ وأوامرٍ لا يستطيع أحدٌ مننا الاعتراض عليها أو مخالفتها ومناقضتها، وكل هذا يأتي تحت شعار ”  لقد حميناكم … وهاي عمنحميكم … وسنحميكم في المستقبل ” بينما الجوع والمرض يفتكان بالكورداغيين حيث لا خبزٌ ولا ماءٌ ولا كهرباءٌ ولا دواءٌ ولا طحينٌ ولا برغل ولا حليبٌ للأطفال سوى سياط جندرمة الضرائب الثوريين …!!!!
فُرضت الضرائب والجبايات على باقات البقدونس والخس وشتلات البندورة في فناء البيوت في أبعد القرى والبلدات النائية من كورداغ .

و فُرضتْ الأتاوات والإجباريات على كل معصرٍ ومكبسٍ وحانوتٍ ومشغلٍ ومخبزٍ وفرنٍ وعلى كل منْ يملك شجرة زيتونٍ صغيرة كانت أم كبيرة باسقة كانت أم يافعة أو حتى يابسة.
هنا السؤالٌ يطرح نفسه: منْ المسؤول عن هذا الحصار والتجويع وإفقار الشعب وتجريده من ماله وأمواله وممتلكاته ؟ ومن هو المستفيد عن هجرة الشباب المنظمة والمنتظمة والعشوائية بآنٍ واحد والمفتعلة الى الخارج والهروب الى أحضان الضياع والمجهول والموت البطيئ والمستمر ؟
فتتشدق حكمداريتنا الديمقراطية الشعبية يومياً وعبر كل أبواقها الاعلامية بأن كوردستان الغربية محررة ولا مكانٌ للأعداء والخونة والاردوغانيين فيها وتقول أيضاً: بأننا نحن الكورد نحافظ على مناطقنا ونؤمن الأمن والاستقرار والمعيشة لهذا الشعب ونمارس حقنا في مناطقنا ولدينا إدارتنا الذاتية الديمقراطية ولدينا قوات مدربة لحماية هذا الشعب , أي أن كل عوامل الاستقرار والأمن والعيش السليم متوفرة هناك.

فما دامت هذه المناطق محررة وتدار ذاتياً ولديها صندوق مالي وتبدو بهذه الصورة الزاهية والراقية  فلماذا كل هذه الموجات من الهجرة والهروب من مملكة الملائكة  يا ترى ؟ تلك الهجرات التي أصبحت تهدد الأمن الاجتماعي والقومي للكورد ؟.
أين تُصرف كلمات ”  الحماية والدفاع عنكم …..

وتأمين الحياة الهادئة لكم
 ” والجوع  يطرق أبوابنا من كلِ حدبٍ وصوبْ يقول أحد الكورداغيين ؟؟؟
فماذا تعني لي الحكمدارية الديمقراطية الشعبية الطبيعية الذاتية الشرق الأوسطية العالمية العظمى إذا كانت هذه الحكمدارية لا تستطيع تأمين الحليب للأطفال وسد رمق جوعنا وحماية إدارتها الذاتية ؟؟.

ففي كل الديمقراطيات في العالم اذا لم يستطع حزب ما أو جماعة ما تأمين أبسط  متطلبات الشعب الأساسية من الخبز والأكل والشرب والدفاع عنه , فعليه الرحيل أو التنازل عن السلطة ومجيئ أحدٍ آخر ليَحُلَّ محله ، هذه هي آولى أبجديات الديمقراطية في العالم ناهيك عن ” اذا كان هذا الحزب الحكمداري  يذيلُ اسمه بكلمة الديمقراطي ” ويدعي بأنه ديمقراطي وبأنه يحافظ على اللعبة الديمقراطية في تداول السُلطة والممارسات السياسية !!!؟؟؟ 
أين هي عبارة ” أموال الشعب  للشعب ومن أجل الشعب” التي تدخل في خزينة الحكمدارية الثورية وخاصة نحن في هذه الشدائد المجاعاتية ؟ فلتأتي هذه الحكمدارية ولتتحمل مسؤولياتها في تأمين الأمن والاستقرار والأكل والشرب تحديداً لهذا الشعب الجائع ولتقف سداً منيعاً أمام هذه الهجرات الخطيرة والكارثية لشبابنا وشعبنا !!؟؟
ماذا تعنيني تلك الأحكام القراقوشية من برلمان غرب كوردستان ومجلس الشعب لغرب كوردستان التي لا تؤمن الّا بلونٍ واحد ومذهبٍ واحد وزعيمٍ واحد أوحدْ لا شريك له …… ونحن جياع وعطشى ومرضى وأكثر من ثلاثة أرباع الشباب هجروا من البلد  ؟؟
فعلى ماذا سيعتمد هذا الحكمداري الديمقراطي الثوري في إدارته الذاتية بعدما هجّرَ الشباب بنسبة تفوق على 75 %  ؟
فعلى ماذا وعلى منْ سيُبسط هذا الحكمداري الديمقراطي سيطرته وسلطته  ؟
على الحجر والتراب والشجر يا ترى ؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…